مراكز إيواء المهاجرين في ليبيا تتحوّل إلى مقرات للتعذيب والابتزاز

ناجون تحدثوا عن تعرضهم للصعق الكهربائي والتجويع واضطرارهم لشرب مياه المراحيض

مهاجرون أفارقة تم إنقاذهم من الغرق قرابة السواحل الليبية (أ.ف.ب)
مهاجرون أفارقة تم إنقاذهم من الغرق قرابة السواحل الليبية (أ.ف.ب)
TT

مراكز إيواء المهاجرين في ليبيا تتحوّل إلى مقرات للتعذيب والابتزاز

مهاجرون أفارقة تم إنقاذهم من الغرق قرابة السواحل الليبية (أ.ف.ب)
مهاجرون أفارقة تم إنقاذهم من الغرق قرابة السواحل الليبية (أ.ف.ب)

ضاعفت ويلات الحرب على العاصمة طرابلس من معاناة المهاجرين غير النظاميين، في ظل استمرار تدفق أفواج جديدة من الأفارقة الراغبين في عبور البلاد إلى أوروبا، وهو ما يعرضهم لخطر الموت بشكل مستمر.
ورصدت تقارير حقوقية ليبية، ومنظمات دولية استمرار تعرض غالبية المهاجرين للتعذيب في بعض مراكز الإيواء بالعاصمة، موضحة أن الانفلات الأمني، الذي واكب شهور الحرب الطويلة، ضاعف معاناة المهاجرين، سواء داخل مراكز الإيواء الرسمية أو في أماكن سرية تقوم عصابات التهريب بتجميعهم فيها، قبيل ترحليهم خلسةً إلى الشواطئ الليبية، خصوصا مع إعادة عشرات الفارين من عرض البحر إلى مركز الإيواء ثانية.
وتحدث أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، عن تعرض المهاجرين غير النظاميين المحتجزين في البلاد لـ«التعذيب والاعتداء»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك عشرات من حالات التعذيب الجسدي والنفسي التي يتعرض لها المهاجرون في مراكز الاحتجاز الرسمية». مؤكداً أن مراكز إيواء عديدة بغرب البلاد، ومنها مركز النصر بمدينة الزاوية ومركز قصر بن غشير غريان ومركز إيواء الزنتان، تمارَس بداخلها أعمال تعذيب ضد المهاجرين».
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن نحو 49 ألف لاجئ يعيشون في ليبيا، ويواجه الكثير منهم العنف وسوء المعاملة خلال رحلاتهم إلى أوروبا، وكذلك في أثناء الاحتجاز عندما يصلون إلى البلاد. فيما لا يزال معظمهم يواجه تحديات جمّة كل يوم، وهم يكافحون من أجل تدبير قوتهم اليومي.
ويرى مهاجرون فروا من ليبيا أنهم كانوا يعاملون في مركز الإيواء بليبيا كأنهم «ليسوا بشراً»، وفي هذا السياق قال المهاجر الآسيوي عمران (30 عاماً)، الذي أمضى سنة هناك، لوكالة الصحافة الفرنسية أمس: «بالنسبة للسود وضعهم مثل وضعنا. لكن البنغاليين والباكستانيين هم الذين يتعرضون لأسوأ معاناة»، موضحاً أن «كل الباكستانيين الذين كانوا في الزورق تعرضوا للسجن خلال فترة بقائهم في ليبيا، وقد تعرضنا جميعاً للخطف»، وتابع متحسراً: «جئنا بحثاً عن فرص عمل فواجهنا الحرب والتعذيب والابتزاز».
يروي عمران الذي جاء للعمل في مجال البناء قرب طرابلس، كيف تعرض جميع المهاجرين لعمليات «الخطف والتعذيب»، موضحاً أن هؤلاء جميعاً كانوا في زورق خشبي رصدته سفينة الإسعاف التابعة لـ«إس أو إس المتوسط» نهاية الأسبوع الماضي، قبالة سواحل جزيرة لامبيدوسا الإيطالية. وقال: «لقد تم بيعي لشخص قام باحتجازي. كنا 35 إلى 40 شخصاً مكدسين في غرفة واحدة، ولا يحق لنا الخروج منها. ثم باعني لشخص آخر، قام أيضاً باحتجازي، وطيلة فترة إقامتي كنت عبداً».
بدوره، قال شخص آخر يدعى نعيم: «يطعمونك ما يكفي لتبقى على قيد الحياة». لكنه نجح في الفرار فذهب إلى الشرطة. لكنها أعادته إلى الخاطفين، وأصبح وضعه أسوأ من ذي قبل.
من جهته، تحدث الشاب محمد أرشاد، الذي ظل عامين في مدينة الخمس، عن آلية طلب الفدية، بقوله: «إنهم يأتون ضمن مجموعة، ويمكنهم العثور عليك في أي مكان... ثم يعصبون عينيك ويضربونك، ويتصلون بذويك ويقولون لهم إذا لم تدفعوا فدية سنقتله»، موضحاً أن والده اضطر لاقتراض عشرة آلاف دولار من بعض الأقارب، وهو مبلغ كبير جداً في باكستان.
أما الشاب أرسلان أحمد (24 عاماً) فيروي معاناة المهاجرين في حال عدم تمكنهم من دفع فدية: «في حال لم نتمكن من جمع المبلغ المطلوب نتعرض للضرب بأعقاب البنادق. وأيضاً للصعق الكهربائي أو للتجويع لعدة أيام، وإذا أردنا أن نشرب فمن مياه المراحيض»، مضيفاً: «أعمال التعذيب والمعاناة التي تعرضت لها هي أمور أعجز عن وصفها».
وأيدّ رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في حديث لـ«الشرق الأوسط» عمليات التعذيب، التي تُجرى في مركز تجميع المهاجرين، وقال إن هذه النوعية من المهربين تنشط في مراكز مهربي البشر في الجنوب الغربي، وأقصي الجنوب الليبي.
في السياق ذاته، لقي 6 مهاجرين حتفهم وتم إنقاذ 93 آخرين، أمس، قبالة السواحل الليبية حيث كانوا يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
وقال مكتب المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا في تغريدة على «تويتر» إن الناجين أُعيدوا إلى ميناء الخمس، الذي يبعد 120 كيلومتراً من غرب العاصمة طرابلس، «من بينهم امرأة أنجبت طفلها على متن قارب مطاطي».
وقال نيكولاس رومانيوك، الذي ينسّق عمليات الإنقاذ على متن سفينة المساعدات «أوشن فايكينغ»، التي تتولى عمليات الإنقاذ: «لقد كنا على بُعد ساعة ونصف» من القارب المنكوب عندما تدخل خفر السواحل الليبي.
وأضاف رومانيوك الموجود على متن السفينة: «لا يوجد تنسيق، ولا تبادل للمعلومات المتعلقة بعمليات الإنقاذ. نحن نتحدث عن أشخاص يواجهون الموت، وعن طفل حديث الولادة على متن القارب... إنه عار مطلق».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.