ستار سعد: تستفزني الأغاني غير اللائقة والمنافية للذوق العام

يحافظ على علاقة وطيدة مع الفنان كاظم الساهر

ستار سعد
ستار سعد
TT

ستار سعد: تستفزني الأغاني غير اللائقة والمنافية للذوق العام

ستار سعد
ستار سعد

قال الفنان العراقي ستار سعد إنه اعتاد مؤخرا إطلاق أغنيات فردية، غير متباعدة زمنيا عبر قناته الخاصة على موقع «يوتيوب» الإلكتروني. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت في هذه الطريقة أسلوبا يقربني أكثر من الناس ويجعلني على تواصل دائم معهم. فوسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً، بحيث تختصر المسافات والوقت معاً».
وستار سعد الذي أطلق مؤخرا أغنيته الجديدة «على فراكة» كان قد سجلها قبل نحو سبعة أشهر، ولكن ظروف العراق السياسية والميدانية حالت دون ذلك. «ومن ثم جاء وباء (كورونا) ليحدث شللاً تاماً على كافة الأصعدة، وفي جميع بلدان العالم. اليوم قررت إطلاق الأغنية سيما وأن ظروف الحجر المنزلي وعدم التخالط الاجتماعي يتطلّبان تلوينه بالموسيقى للتخفيف من وطأته علينا». أغنية «على فراكة» من كلمات رامي العبودي وألحان نور الزين وتوزيع حسام الدين وجميعهم فنانون عراقيون.
ولكن ألا تفكر في التعاون مع ملحنين وشعراء لبنانيين وعرب؟ يردّ في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «طبعا لدي طموحاتي في هذا الإطار، وفي الماضي القريب عندما كنت متعاقدا مع القائمين على شركة (يوينفرسال) عرضت عليهم فكرة تعاوني مع الفنان الشامل مروان خوري. فأنا من معجبيه بشكل كبير ولكن بعد إشكالات مع شركة الإنتاج المذكورة وفض العقد بيننا طارت الفكرة إلى غير رجعة. فهم لم يلتزموا ببنود العقد معي ولم يطبقوه كما يجب. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مشكلتي مع (يونيفرسال) لا تشمل تلفزيون (إم بي سي) ولا شركة (بلاتينيوم ريكوردز) لأن العقد وقعته فقط مع الأولى. فلا يمكنني أن أنسى الدور البارز الذي لعبته (إم بي سي) معي منذ فوزي في برنامج الهواة (ذا فويس)، فكانت هذه المحطة الرائدة بمثابة الأب الروحي لي، خصوصا أنها قدمتني إلى العالم العربي بشكل لائق ضمن خدمات ونشاطات كثيرة أسهمت في انتشار اسمي».
وعما إذا كانت فكرة تعاونه مع مروان خوري لم تعد واردة يقول: «لا شك أنها واردة وأطمح لها. فهذا الفنان لديه إحساس شامل في كتابته الكلام وتأليف اللحن، وأنا شخصيا أميل إلى هذا اللون الذي يجيده على كافة الأصعدة وبلهجات مختلفة. ولذلك فإن إمكانية تعاوني معه لا تزال واردة وسأعمل على تحقيقها قريبا».
ويتابع ستار سعد في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «اليوم أعمل تحت سقف الشريكتين الشقيقتين (ميوزك إز ماي لايف) و(وتري) اللتين أكن لهما كل احترام وتقدير، خصوصا أنهما تتعاونان مع الفنان بشكل محترف، وهو ما يرتد عليه إيجابا. حاليا أشعر براحة كبيرة تسمح لي بالتطلع إلى مستقبلي الغنائي بنضج وهدوء ومن دون تشتت. ومعهما أستطيع التركيز على عملي بشكل أفضل».
وعن طبيعة أحلامه بشكل عام يقول: «لقد تعلمت أن أحقق ما أصبو إليه مرفقا بمجهود وعمل دؤوبين. فلست من الأشخاص الذين يؤمنون بسهولة النجاح ولقد تمكنت من الوصول إلى ما أنا عليه اليوم بفضل مثابرتي على العمل وبأسلوب صحيح. عندما أضع هدفا ما أمام عيني أسعى لتحقيقه بمجهودي وبعدها أفرح لإنجازي له. فلا شيء يمكننا أن نصل إليه بسهولة وهو درس تعلمته وأنا متمسك به».
عندما شارك ستار سعد في عام 2014 في برنامج «ذا فويس» على شاشة «إم بي سي» وفاز باللقب كان قبله خاض تجارب كثيرة باءت بالفشل. ويعلق: «سبق وشاركت في برامج مواهب غنائية ولم أكن محظوظا فيها. وبينها «أراب أيدول» على شاشة «إم بي سي». يومها أصبت بإحباط كبير لعدم استطاعتي الفوز به خصوصا أن المدربين كانوا يتجاوبون مع غنائي بشكل كبير. ولا يمكنني أن أنسى المطربة أحلام التي كانت واحدة من أفراد لجنة التحكيم فيه. فكانت تطرب بشكل بارز لغنائي وتثني على صوتي.
ولكني تمسكت بحلمي وشاركت في «ذا فويس» وكان مدربي فيه المطرب العراقي كاظم الساهر. فمثلت بلدي على أفضل وجه وفزت باللقب. يومها كانت مهمتي صعبة لوجود أصوات منافسة جميلة أخرى في البرنامج. وبعيد البرنامج كنت أقدم الحفلات هنا وهناك وأدخر أجوري فيها لاستخدامها في إنتاج أعمال غنائية أدرتها بنفسي. لقد كانت فترة شاقة ولكني تعلمت منها الكثير وخصوصا أن ألحق بأحلامي مهما كانت صعبة».
وعن علاقته بالفنان كاظم الساهر يقول: «لقد أمسك بيدي منذ اللحظة الأولى وشجعني على إكمال مشواري والتشبث به. كما قدم لي فرصة فنية كبيرة عندما شاركته الغناء في (يالكذاب) التي لاقت انتشارا ونجاحا كبيرين ففتحت لي أبواب الشهرة على مصراعيها. ولم يتوان أيضا عن دعمي من خلال مشاركتي له في برامج فنية كانت تستضيفه كنجم من أكبر نجوم العالم العربي. ووقفت إلى جانبه في برنامج (تاراتاتا). فهو من الفنانين القلائل الذين لا يتركون يد من يشجعونهم، إذ إن الغالبية تعتبر أن أي برنامج ما، هو فترة وانتهت. ولكن الأمر يختلف تماما مع كاظم الساهر الذي لا يزال يواكب خطواتي الفنية حتى اليوم».
وفي زمن الجائحة قدم ستار سعد أغنية تكريمية للكوادر الصحية في بلاده بعنوان «كفو». ويقول في معرض حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «كان من الضروري أن أقدم لفتة تكريمية لمن نسميهم (الجيش الأبيض) من ممرضين وأطباء وعاملين في المجال الصحي. فهم وقفوا في الخطوط الأمامية من حرب الوباء على الإنسان. واستطاعوا إنقاذ إصابات كثيرة غير آبهين بالخطر الذي يحتكون به مباشرة من أجل الحفاظ على سلامتنا. فكان لا بد أن أستذكرهم بهذه اللفتة بعد أن حملوا أرواحهم على أكفهم لإنقاذنا. واعتبرت هذه الأغنية بمثابة طاقة إيجابية أزود بها الطاقم الصحي في العراق وأشد من خلالها على يده. وركزت في كلمات الأغنية على تكاتف العراقيين ومساندة بعضهم البعض لا سيما هؤلاء الذي مدوا يد الخير للمعوزين».
ويصف الفنان ستار سعد الجائحة بدرس في الإنسانية ساوى ما بين الجميع ووضعهم في خانة واحدة بعيدا عن أي مستويات اجتماعية. «إنها لم تفرق بين غني وفقير فكانت تحديا إنسانيا من نوع آخر لا بد أن نجتازه كي نعرف قيمته».
وشغل ستار سعد نفسه في الحجر المنزلي الذي فرضه عليه الوباء بالتواصل، مع محبيه ومتابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي كغيره من زملائه الفنانين. «لقد اعتمدت القيام بتحديات رياضية مع متابعي كي ألون أيامهم بالحجر. فهي كانت تحثهم على التحرك وممارسة الرياضة بشكل غير مباشر بدل الاستسلام للكسل. وهذا الأمر زودهم بطاقة إيجابية، إذ إن هذه التحديات كانت تتنقل بين إعلامي وفنان لتحفيز الناشطين على مواقع التواصل للقيام بها. ومن بين الشخصيات الشهيرة التي طبقت هذه التحديات الإعلامي مصطفى الآغا والممثل معتصم النهار».
وعما يزعجه على الساحة الفنية اليوم يقول: «لا أستسيغ فكرة تقديم أعمال غنائية تشوه الذوق العام وتعطي الناس صورة خاطئة عن دور الفن. فبرأي لا يجب الاستخفاف بعقول الناس ولا بذوقهم العام إلى حد الإسفاف، خصوصاً، وأن أي عمل غنائي يصل إلى الملايين من الناس بسبب انتشاره على وسائل التواصل الاجتماعي».
أما النصيحة التي يقدمها لهواة الغناء من الشباب الذين يحلمون بدخول الفن وتحقيق الشهرة فيقول: «أقول لهم ومن موقعي المتواضع تمسكوا بأحلامكم وتشبثوا بالجهد والعمل المستمرين لتحقيقها. كما أحذرهم من الاستسلام بسرعة لأول مطب يعترضهم، فأنا من الأشخاص الذين مروا بمطبات كثيرة ولكنهم استطاعوا تجاوزها بنجاح».



سمية بعلبكي: خسرت صوتي لأسابيع بعد تفجير منزلنا في الجنوب

تفجير منزلها العائلي في الجنوب أفقدها صوتها لأسابيع (سمية بعلبكي)
تفجير منزلها العائلي في الجنوب أفقدها صوتها لأسابيع (سمية بعلبكي)
TT

سمية بعلبكي: خسرت صوتي لأسابيع بعد تفجير منزلنا في الجنوب

تفجير منزلها العائلي في الجنوب أفقدها صوتها لأسابيع (سمية بعلبكي)
تفجير منزلها العائلي في الجنوب أفقدها صوتها لأسابيع (سمية بعلبكي)

بعد نحو 30 عاماً من مسيرة غنائية رصّعتها الفنانة سمية بعلبكي بالطرب الأصيل، جرى تكريمها أخيراً، في حفل جائزة الـ«موركس دور»، ولكنها تلقّتها بغصّة في القلب. فهي جاءت مباشرة بعد حرب دامية شهدها لبنان، وإثر تفجير منزل بعلبكي العائلي في قريتها العديسة الجنوبية. اختلط طعم فرح النجاح بمرارة خسارة ذكريات الطفولة، فتمنت لو أن هذه المناسبة جاءت في وقت ثانٍ كي تشعر بسعادة التقدير الحقيقية. وتقول بعلبكي لـ«الشرق الأوسط»: «أنبذ الحروب بكل أوجهها حتى المقدّسة منها. فهي مبنية على صراعات تبحث عنها البشرية عبر التاريخ، ولكنها لم تحمل يوماً إلا النتائج السلبية في طيّاتها».

تصف سمية بعلبكي خسارة منزل العائلة كمن فقد قطعة من وجدانه. «إنه يمثّل الذكريات والهوية ومسافة أمان في الوطن. عندما تلقيت الخبر أحسست بالفراغ وكأن سقفاً اقتلع من فوق رأسي، صارت السماء مكشوفة. داهمني الشعور بالغربة، لأن لكل منّا بيتين، أحدهما منزل نقيم فيه، والثاني هو الوطن. وعندما نفقد بيتنا الصغير يتزعزع شعور الأمان بمنزلك الكبير».

أثناء تسلّمها جائزة {موركس دور} (سمية بعلبكي)

في تكريمها بجائزة «موركس دور» تقديراً لمسيرتها وعطاءاتها الفنية، خلعت بعلبكي لبس الحداد على بيتها للحظات. وتعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كنت بحاجة إلى الأمل وإلى غد أفضل. رحلتي هي كناية عن جهد وتعب وتحديات جمّة. فرحت بالجائزة لأنها تكرّم مسيرة صعبة. فالموسيقى بالفعل تشفي من الجراح، لا سيما أن قلبي كان مكسوراً على وطني وأرضي. يا ليت هذا التكريم جاء في توقيت مغاير لكان وقعه أفضل عليّ».

تألقت سمية بعلبكي وهي تتسلّم جائزتها وفرحة ملامح وجهها كانت بادية على وجهها. وتوضح: «لقد سألت نفسي عند مصابي كيف أستطيع تجاوزه ولو للحظات. كانت الموسيقى هي الجواب الشافي. خرجت بعبارة (سنغني قريباً) لعلّ الجرح يطيب. تأثري بفقدان منزلنا العائلي ترك بصماته عليّ. ولا أعتقد أنني أستطيع تجاوز هذا الحزن ولو بعد حين. فإثر إعلامنا بخبر تفجير البيت بقيت لأسابيع طويلة فاقدة القدرة على الغناء. صمت صوتي وما عدت أستطيع ممارسة أي تمارين غنائية لصقله. الألم كان كبيراً، لا سيما أننا لم نتمكن بعد من لمس المصاب عن قرب. لم نر ما حصل إلا بالصور. أرضنا لا تزال محتلة ولا نستطيع الوصول إليها كي نلملم ما تبقى من ذكرياتنا، فنبحث عنها بين الردم علّها تبلسم جراحنا».

الانسلاخ عن الفن طيلة هذه الفترة، لم تستطع سمية بعلبكي تحمّل وزره. «إننا شعب يحب الحياة ويكره الحروب. وأنا بطبعي لا أنكسر أو أستسلم للكآبة والإحباط. نفضت غبار الحرب عني، وقررت إكمال الطريق رغم كل شيء».

تقول بعلبكي إن أحلاماً كثيرة تراودها ولم تستطع تحقيقها بعد. «أحياناً يقف الزمن حاجزاً بيني وبينها. مرات أخرى لا تأتي الفرصة المناسبة لاقتناصها. هناك العديد من أبناء جيلي أقفلوا باب الغناء وراءهم وغادروا الساحة بسبب مصاعب واجهوها. ولكن من ناحيتي، حبّ الناس كان عزائي الوحيد. لقد أحياني وأسهم في إكمالي المشوار».

تمسّكت سمية بعلبكي بالأغنية الأصيلة فاتخذتها هوية لا تتنازل عنها. جميع أعمالها الفنية تتسّم بالرقي والطرب الأصيل. يحلّق معها سامعها في سماء يكمن ازرقاقها بصوتها الشجي. هل شكّلت هويتها هذه عائقاً لانتشار أوسع؟ ترد: «لقد تربيت في منزل فني بامتياز يقوم على الأصالة. والدي ووالدتي الراحلان زرعا في داخلي حب الفن الحقيقي غير المستهلك، فكانا أول من شجعني على دخول الفن. تمحور حلم والدي على رؤيتي فنانة تعتلي المسرح وتغني الأصالة. وما أقوم به ينبع من داخلي ومن شغفي للفن، ولا أستطيع يوماً تغيير هويتي هذه».

تحضّر أغنية جديدة من ألحان الراحل إحسان المنذر (سمية بعلبكي)

وما تلاحظه اليوم على الساحة هو توارث هذا الفن عند مواهب الغد. «يلفتني غناء مواهب صغيرة في برامج الهواة للأغنية الطربية. هم يؤدونها بأسلوب رائع يستوقفني. فهو أمر يفرّحني بحد ذاته؛ كون الأغنية الطربية لها مكانتها في هذا النوع من البرامج، ويتربى الجيل الجديد عليها. أصوات رائعة سمعناها في السنوات الأخيرة. وأتمنى أن تلاقي الفرص المناسبة كي تبدع وتتألّق».

ولكن هل شعرت بالإحباط أو الخيبة في لحظات معينة؟ «لكل منا لحظات من هذا النوع. أصبت بخيبات كثيرة وواجهت معاكسات مختلفة وفقدان فرص مؤاتية، وأصعب هذه اللحظات هي تلك التي يغيب فيها التقدير. ولكنني أعود وأنتصب دائماً وأبذل الجهد من جديد. لم أعرف يوماً (البزنس) في الفن لأني مسكونة بالموسيقى الأصيلة. فهي جزء لا يتجزأ من كياني ووجودي».

سبق وتم تكريم سمية بعلبكي بجوائز عدة، ولكن لجائزة الـ«موركس دور» نكهتها الخاصة لا سيما أنها جاءت بعد حرب منهكة. في بداية مسارها حازت على جائزة «الميكروفون الذهبي» في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون. كان ذلك في عام 1994 في تونس. جرى تكريمها إلى جانب مجموعة من المغنين مثل أنغام وصابر الرباعي وأمل عرفة وغيرهم.

وتختم: «كانت روح المنافسة الحلوة تحضر في تلك الحقبة، وكانت الجوائز التكريمية قليلة وتحمل معاني كثيرة. ولكن اليوم مع جائزة (موركس دور) وفي حفل لبناني بامتياز النكهة تختلف. أهديتها لوالدي الراحلين تكريماً لعطائهما الفني، فانطبع الحدث بالأمل والشعور بغدٍ أفضل نترقبه رغم كل شيء».

تستعد سمية بعلبكي لإصدار مجموعة أغنيات جديدة. وتخبر «الشرق الأوسط» عنها: «قبل الحرب كنت أحضّر لأغنية بعنوان (يعني ارتحت)، من كلمات منير بو عساف وألحان بلال الزين. وعندما انتهينا من تصويرها اندلعت الحرب، فامتنعت عن إصدارها في ظروف مماثلة. وهي تتناول قصة المرأة المعنّفة. وأفكّر بإطلاقها قريباً في الأشهر القليلة المقبلة. كما أن هناك قصيدة للراحل نزار قباني أنوي غناءها. وهي من ألحان المبدع الراحل إحسان المنذر. كما ندرس وأخي المايسترو لبنان بعلبكي إمكانية إقامة حفل موسيقي في بيروت احتفالاً بلبنان الصلابة».