برلمان ما بعد القذافي... انقسامات على وقع الحرب

برلمان ما بعد القذافي... انقسامات على وقع الحرب
TT

برلمان ما بعد القذافي... انقسامات على وقع الحرب

برلمان ما بعد القذافي... انقسامات على وقع الحرب

> بآيديولوجية متباينة، ومتباعدة أحياناً، انطلقت أعمال أول مجلس نواب في ليبيا عام 2014، بعد سنوات قاربت الأربعين من حكم القذافي، كانت السياسة فيها مجرمة.
في تلك الأثناء، اجتمع أعضاء البرلمان برئاسة عقيلة صالح، واتفقوا على ضرورة تعزيز جهودهم لإنقاذ ليبيا من أزماتها المتفاقمة، في وقت كانت فيه الجماعات المتشددة تتوافد على شرق البلاد وغربها، لتثبيت معاقلها في ليبيا.
وحل البرلمان الذي انعقد في مدينة طبرق، بشمال شرقي البلاد، محل «المؤتمر الوطني العام» (المنتهية ولايته)، وكان يفترض أن يصل عدد نوابه إلى 200 عضو؛ لكن لم ينتخب منهم سوى 188 نائباً. وللعلم، بقي 12 مقعداً مخصصاً لمدينة درنة (نحو 1350 كيلومتراً شرقي طرابلس) شاغرة؛ لكونها كانت خاضعة لـ«مجلس شورى مجاهدي درنة» الذي يحرم الانتخابات.
وجاء انعقاد البرلمان في طبرق على خليفة التدهور الأمني في طرابلس وبنغازي، إلا أنه مع أولى جلساته التي ترأسها النائب أبو بكر بعيرة، قاطعها النواب المقربون من التيارات الإسلامية - الذين كانوا يشكلون أقلية حينها - وبدأوا يشككون في دستورية المجلس لانعقاده في طبرق بدلاً من العاصمة.
مع هذا، ارتأى نواب المجلس مجتمعين حينذاك أن عقد الجلسة التي حضرها ممثلون عن جامعة الدول العربية وبعثة الأمم المتحدة بليبيا ومنظمة التعاون الإسلامي، شرعي، وفقاً للإعلان الدستوري.
على خلفية هذه الشكوك، قاطع أكثر من 50 نائباً اجتماعات البرلمان في طبرق مبكراً، وكان فتحي باشاغا، وزير الداخلية الحالي في «حكومة الوفاق»، وسليمان فقيه وخالد الأسطى وحمودة سيالة من أبرزهم.
من هذه النقطة، وضع النواب وخصوصاً المنتمين للتيار الإسلامي في الغرب الليبي، أول عصا في دواليب البرلمان، أتبعوها بمقاطعة تامة لجلساته مع بدء اندلاع العملية العسكرية على العاصمة في أبريل (نيسان) 2019. أدى ذلك إلى انشطار المجلس إلى فريقين: الأول في طبرق، والثاني اتخذ من فندق «ريكسوس» الشهير في طرابلس مقراً له، دعماً لـ«حكومة الوفاق»، وبالتالي، أعلن البرلمان إسقاط عضويتهم، وعلَّق عقيلة صالح يومذاك قائلاً: «هؤلاء الأشخاص ميؤوس من انتمائهم للوطن»!
ومع مطلع مايو (أيار) 2019، قاطع نحو 60 نائباً جلسات البرلمان المنعقد في طبرق، وباشروا عقد جلسات موازية بالعاصمة، وانتخب 49 منهم الصادق الكحيلي، رئيساً للبرلمان. ونفى صالح في حينها قيامه بأي محاولات للتواصل مع النواب المقاطعين، وخصوصاً بعد عقدهم بعض الاجتماعات وانتخابهم لرئيس ونائبين وإصدارهم لعدة قرارات، من بينها إقالة القائد العام المكلف من مجلس النواب، المشير خليفة حفتر.
غير أن صالح، مع ذلك، قال: «الباب مفتوح لمن يريد العودة إلى الحق، وهو خير من التمادي في الباطل. فإذا رأوا أن يعودوا إلى مجلس النواب فمرحباً بهم، أما نحن فإننا نراهم سعوا لتفتيت الوطن وإسقاط المؤسسات الشرعية. والمجلس اتخذ قراراً بإسقاط عضويتهم؛ لأنهم أخلوا بواجباتهم الأساسية».
وللمرة الثانية منذ مقاطعتهم، انتخب 52 نائباً من نواب طرابلس الـ60 المقاطعين رئيساً لمجلسهم ونائبين له في 20 فبراير (شباط) الماضي. وانتهى التصويت باختيار حمودة سيالة رئيساً، خلفاً للكحيلي، وجلال الشويهدي نائباً أول، ومحمد آدم لينو نائباً ثانياً له.
في أعقاب ذلك، تعمقت الانقسامات على خلفية تباين المواقف من الحرب على طرابلس، لا سيما مع تراجع «الجيش الوطني» عن تمركزاته في محاور الاقتتال، وبالتزامن أيضاً مع طرح صالح لمبادرته السياسية، وطلب حفتر التفويض، فظهر ما تبقى من المجلس كفريقين منقسمين.
ولم تفلح مساعي المبعوث الأممي حينذاك، برناردينو ليون، لإعادة فريق المقاطعين بعد سلسلة من اللقاءات معهم بمدينة غدامس (جنوب غربي البلاد).
ومع توقيع «اتفاق الصخيرات» (في المغرب) التحقت مجموعة من النواب المقاطعين بمجلس النواب في طبرق، مطلع عام 2016، تنفيذاً لبنود الاتفاق الذي أكد على ضرورة عودة المقاطعين إلى تمثيل دوائرهم في البرلمان، والتصويت على منح الثقة لـ«حكومة الوفاق».
غير أن هذه العودة لم تدم طويلاً، إذ كشف النائب باشاغا، بعد عشرة أشهر من حضور الجلسات أن النواب المقاطعين اشترطوا تطبيق مواد خاصة من «اتفاق الصخيرات»، وهو ما لم يحدث، فضلاً عن أن الاتفاق لم يحظَ أساساً بتأييد مجلس النواب.



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.