التعديلات الدستورية في روسيا تتوّج «زعيم الأمة» حتى 2036

الشعب أمام خياري «الاستقرار السياسي» أو «فوضى البحث عن خليفة»

التعديلات الدستورية في روسيا تتوّج «زعيم الأمة» حتى 2036
TT

التعديلات الدستورية في روسيا تتوّج «زعيم الأمة» حتى 2036

التعديلات الدستورية في روسيا تتوّج «زعيم الأمة» حتى 2036

لم يسبق أن أثار استحقاق سياسي داخلي في روسيا الجدل الكبير المثار الآن، والسجالات التي لم تهدأ منذ أن بدأت مسيرة إقرار التعديلات الدستورية في مارس (آذار) الماضي.
يدور السجال بين موقفين، يرفع أولهما لواء «الاستقرار السياسي»، وأن الرئيس فلاديمير بوتين هو الشخص القادر على إمساك الأمور بيد قوية والمحافظة على الإنجازات التي تحققت على مدار سنوات. كما أنه الزعيم القادر على مواجهة خطط الغرب المتواصلة لإضعاف روسيا وتطويقها عسكرياً وإنهاكها اقتصادياً. في حين ترى أوساط المعارضة، أن هذا الاستحقاق يغلق مرحلة الإصلاحات السياسية في روسيا نهائياً، ويفتح على مرحلة جديدة، يتحول فيها «زعيم الأمة» المتوّج، منذ 20 سنة في الكرملين، إلى شخصية تمسك مقاليد الحكم بقوة ولفترة غير محددة، سواء بقي في الكرملين أم قرّر التنحي لاحقاً، وقرر تسليم السلطة إلى رئيس آخر يواصل المحافظة على «النظام» كما أرسى قواعده بوتين بنفسه.
الرئيس الروسي نفسه، فضّل أن يترك النقاش في هذا الاتجاه للخبراء و«الماكينة» الإعلامية الضخمة، وأعلن أنه يثق بإرادة الناس. لكنه أدار كفة النقاش بقوة قبل يومين، عندما أعلن أنه لا يستبعد ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية في العام 2024.
بدا التحول مثيراً، إذ تحدث الرئيس الروسي فلاديمير عن احتمال ترشحه من جديد، حتى قبل مرور التعديلات الدستورية المقترحة، في امتحان التصويت العام، الذي يجري مطلع الشهر المقبل، ما عكس ثقة لدى الكرملين بأن النتيجة محسومة لصالح التعديلات. إلا أن الأهم والأكثر إثارة هو المبرّر الذي طرحه الرئيس لهذا التوجه، فهو استند إلى «تجارب سابقة» عندما كانت تحدث بعض التغييرات، ويبدأ جيش من الموظفين والمسؤولين البحث عن ترتيبات للمحافظة على مكتسباتهم وعلى مصالحهم، مع إطلاق التكهنات الكثيرة حول الخليفة المحتمل للرئيس الحالي.
هكذا أوضح بوتين ببساطة وبشكل مباشر المدخل المناسب والعنوان الأبرز لهذه التعديلات الدستورية، لا تضيعوا وقتكم في البحث عن تكهنات، ولا في محاولات المحافظة على كراسيكم... لأن النظام باقٍ وراسخ!

مضمون التعديلات
اللافت أنه في زحمة السجالات حول الشقّ المتعلق بـ«تصفير العداد الرئاسي»، ما يعني أن بوتين وفقاً للتعديلات الدستورية سيكون له الترشح مجدداً لولايتين رئاسيتين جديدتين، تستمران حتى عام 2036، غابت عن النقاش العام تفاصيل كثيرة، أثارت جدلاً، لا يقل عنفاً، بينها فقرات حول تعريف روسيا والشعب الروسي، وتضع روابط دينية وتاريخية، لا يبدو كل الروس متفقين عليها.
وفضلاً عن فكرة الانتماء إلى «الأسلاف الذين نقلوا إلى الأجيال الإيمان الحي بالله»، وهي فكرة قال بعضهم إنها لا تنطبق على روسيا التي اعتنقت المسيحية قبل 1000 سنة فقط، وإشارة أخرى إلى روسيا الحالية، التي تعد «وريثة من الاتحاد السوفياتي»، وهي أيضاً مختلَفٌ عليها، لأن البعض رأى فيها أمراً وقتياً مرتبطاً بمعالجة ملفات سياسية وطموحات محددة، ولا يمكن أن تكون في وثيقة تشكّل العقد الأساسي للمجتمع والدولة في المستقبل.
على أي حال، تركز الحملات الدعائية على الشق المعيشي الاقتصادي في التعديلات، التي تمنح السلطات التنفيذية آليات لتوسيع محفظة الرعاية للنظام الصحي والتعليمي وحماية الأطفال والمتقاعدين وبعض العناصر الأخرى المماثلة. هنا يقول خبراء إن تقديم التعديلات كرزمة واحدة للتصويت هدف إلى تمرير الأهداف السياسية من التعديلات، في قالب عملية إصلاح دستورية شاملة.
في المقابل، لا تكاد تهدأ اعتراضات الطرف الآخر، الذي رأى أن تعجّل الكرملين في حسم عملية تمرير الوثيقة بهدف حسم ملف بقاء بوتين في السلطة، ستكون له تداعيات كثيرة، ليس فقط من بوابة عودة روسيا إلى النموذج السوفياتي لزعماء يحكمون إلى الأبد، مع إغلاق الطريق نهائياً في هذه المرحلة أمام أي محاولة لإصلاح سياسي في البلاد. فالأخطر من ذلك، من وجهة نظرهم، أن التسرع في تمرير الوثيقة وهي محملة بألغام وأعباء جدلية، ستحمل عواقب لاحقاً، وستكون روسيا مضطرة في غضون سنوات للعودة مجدداً إلى تعديل الدستور لإصلاح ما تم وضعه، أو لوضع دستور جديد كامل للبلاد. والأمر الأخير، اقتُرح غير مرة خلال السنوات الأخيرة، انطلاقاً من فكرة أن الدستور الحالي وُضع إبان فترة فوضى شاملة في البلاد، وأن تبدلات كثيرة طرأت على روسيا والعالم منذ ذلك الحين. لكنّ بوتين عارض بحزم طرح فكرة وضع دستور جديد.

الاستفتاء يتحدى «كوفيد - 19»
من ناحية أخرى، في إطار التحذير من تعرض البلاد لنكسة كبرى على صعيد تفشي جائحة «كوفيد - 19»، أثناء عمليات التصويت الواسعة، واتهام الكرملين أنه «لا يبالي بهدف تمرير الاستحقاق السياسي بالمخاطر التي قد تترتب على تنظيم فعاليات كبرى من هذا النوع»، لفت خبراء روس إلى ما وصف بأنه «قائمة مخاطر». ومن هذه المخاطر احتمال احتشاد تجمّعات كبيرة أمام مراكز الاقتراع، وكذلك التدابير المتخذة لتوفير الأمن الصحي لنحو مليون موظف ومراقب في لجان الدوائر الانتخابية في كل البلاد. وبرزت اقتراحات في وقت سابق بضرورة إخضاع هؤلاء لفحص إلزامي وعزل المصابين منهم أو الذين يعانون من أمراض مزمنة، كونهم يدخلون في إطار «فئات الخطر»، وكان من شأن هذا فتح الباب على مشكلة أخرى، إذ سيكون من الصعب في كثير من الحالات ضمان حضور العدد الكافي من الموظفين في الدوائر المختلفة لحظة بدء عمليات التصويت.
وبالنتيجة، جرى التخلي جزئياً عن فكرة الاختبار الشامل لأعضاء اللجنة. واستعيض عنها بإجراء الفحوص «إذا لزم الأمر» وإذا تطلب الوضع الوبائي في المنطقة ذلك. لكن هذا الحل أثار مزيداً من التشكيك... إذ ما هي ضمانة عدم وجود حاملين للفيروس بين 900 ألف عضو في اللجان، بما في ذلك حاملو المرض من دون ظهور الأعراض؟
يبدو السؤال وكأنه يلقي تهمة على الجهات المختصة، غير أن عدداً من لجان الانتخابات الفرعية سارعت إلى تبرير موقفها، كما حدث في جمهورية بشكيريستان، الذاتية الحكم، التي ذكرت لجنة الانتخابات فيها أنه من «غير الواقعي» اختبار 33000 عضو من أعضاء لجنة الانتخابات المحلية، واتضح أنه لا توجد أصلاً موازنات مخصصة لذلك.
في هذه الظروف، تساءل معارضون، مَن يتحمل إذن مسؤولية وقوع أخطاء، أو مواجهة موجة جديدة من تفشي الجائحة بسبب الإصرار على التصويت في هذا الوقت؟

استفتاء... أم تصويت عام
عنصر خلافي آخر برز في مرحلة التحضيرات لهذا التصويت المثير للجدل، إذ تحدث خبراء في القانون عن ثغرة مهمة، مفادها أن الدستور الروسي لا ينص أصلاً على إجراء استفتاء على تعديل دستوري. وأن الاستفتاء ينبغي أن يكون بعد إعداد دستور جديد للبلاد. لذلك اندفع برلمانيون إلى تبرير هذا الأمر، تحسباً لاستغلال المعارضة هذا السجال للتشكيك بشرعية التصويت والنتائج التي ستسفر عنه.
وقالت اللجنة القانونية في مجلس الفيدرالية (الشيوخ) إن «ما لدينا اليوم ليس دستوراً جديداً، فهذه بعض التغييرات على نص الدستور الحالي، ولهذا ليس من الضروري إجراء استفتاء. إذ يجري الحديث عن تصويت عام وليس عن استفتاء».
لكن المواطن الروسي البسيط لا يفهم الفرق بين التصويت العام والاستفتاء... و«هل يوجد فرق أصلاً»؟ هكذا كتب المعارض ديمتري غودكوف بلهجة مستنكرة.
يشير قانونيون إلى أن قرارات مجلسي «الدوما» (النواب) والفيدرالية (الشيوخ) والبرلمانات المحلية في الأقاليم الفيدرالية الـ85 كافية تماماً لإدخال تعديلات على فقرات من الدستور، ولكن نظراً لأن نطاق التغييرات كبير جداً، قرر الكرملين «سد الثغرات» كي لا يقال إنه تمت «فبركة» تعديلات تمنح الرئيس فرصة للبقاء في السلطة إلى الأبد. وهذا الأمر أوضحه بوتين بضرورة «التوجه مباشرة إلى الشعب». وعليه، فالمطلوب موافقة شعبية واسعة، وليس مهماً أن تحمل العملية صفة تصويت عام أم استفتاء.

تعقيدات وظروف
كان من المقرر التصويت على التعديلات في عموم روسيا خلال أبريل (نيسان) الماضي، لكن «كوفيد - 19» أطاح بالعملية، وحُدد موعد لاحق لها في أول يوليو (تموز) المقبل. لكن في الواقع، بدأ التصويت قبل ذلك بأسبوع. وبهدف تجنب تجمّعات ضخمة، فُتحت مراكز التصويت أبوابها أمام المواطنين في 25 يونيو (حزيران). بالإضافة إلى ذلك، سيتمكن سكان موسكو ومنطقة نيجني نوفغورود من الإدلاء بأصواتهم إلكترونياً عن بعد خلال أسبوع كامل.
هذا الإجراء تسبب في مشكلة جديدة، إذ سرعان ما ادّعى معارضون ومراقبون أنهم قاموا بتجربة ذاتية للتصويت مرتين. وذكر الصحافي التلفزيوني بافل لوبكوف، الذي يعمل مقدماً لبرنامج في قناة «دوجد» المعارضة، أنه صوّت في مركز الاقتراع قرب منزله، وصوّت مرة أخرى إلكترونياً بعد مرور ساعة واحدة. وما أن انتشر الخبر حتى سارع كثيرون إلى القول إنهم شهدوا خروقاً مماثلة في عدد من مراكز الاقتراع. وصحيح أن لجنة الانتخابات المركزية سارعت بدورها إلى إعلان نيتها معاقبة المقصّرين في اللجان الانتخابية الذين تجاهلوا شطب اسم الناخب من اللوائح بعد تسجيله إلكترونياً، لكن الواقعة ألقت بظلال ثقيلة على عملية التصويت حتى قبل انتهائها وحسم النتائج.

تصويت «للمحافظة على النظام»
الخبراء يحاولون تلمس المرحلة المقبلة، ولا سيما ما يريده الرئيس بوتين، وسط الجدالات الساخنة الكثيرة حول نيته الترشح لفترة رئاسية جديدة، بعد انتهاء ولايته الحالية في العام 2024. ومنها الجدال بين أنصار «نعم للاستقرار السياسي» و«لا لتقويض أسس تبادل السلطة». وهل تخلّى فلاديمير بوتين عن فكرة البحث عن خليفة له.
بوتين نفسه أعطى الجواب «موارباً» من خلال حديثه عن احتمال ترشحه: «إذا لم يحدث هذا، فأنا أعرف ذلك من تجربتي الخاصة، أنه بدلاً من العمل الإيقاعي العادي على مستويات كثيرة جداً من السلطة، سيبدأ التثاؤب خلال البحث عن خلفاء محتملين».
ويذكر خبراء أن تصريحات مماثلة صدرت عن بوتين عام 2017. عندما سعى باستمرار لمواجهة سؤال ما إذا كان سيرشّح لولاية رابعة. وقال الرئيس حينذاك إنه بعد الإعلان عن بدء الحملة الانتخابية «توقف الجميع على الفور عن العمل وانشغلوا بالتفكير في كيفية الحفاظ على كراسيهم».
هذه العبارة اللافتة فسرتها صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» في افتتاحية نارية بأنها «تعكس معيار بوتين الذي يعتقد أنه يجب الحفاظ على النظام في حالة جيدة، أي في حالة بعيدة من أي توتر».
وأوضحت أن كلمات بوتين حول «التثاؤب» هي «إعلان صادق تماماً عن مخاوف ونوايا الرئيس الحالي في السلطة منذ 20 سنة، وهو يعرف تماماً النظام الذي بناه، ويرى تحولاته الداخلية، ويفهم منطق البيروقراطية على جميع المستويات. والأشخاص المشاركون في السلطة يشكلون مجموعة من (مراكز النفوذ)، وينمون الطموحات. ويمكن أن يتحول صدام الطموحات إلى حتمية يصعب السيطرة عليها بمجرد أن يصبح معروفاً بالتأكيد أن رأس الهرم سيغادر. هذا لا ينبغي أن يحدث. بل أكثر من ذلك، يجب أن يعتقد الجميع أن بوتين لن يذهب إلى أي مكان».

البحث عن خليفة
وهل هذا يعني نهاية عملية «البحث عن خليفة» التي شغلت الأوساط السياسية طويلاً؟ يقول خبراء إنه على الأرجح بعد اعتماد التعديلات، سيترك بوتين لنفسه مجالاً كبيراً للمناورة السياسية. ومن المرجح أن يستمر في البحث عن خليفة، لكنه لن يتقيد بالأطر الزمنية. قد يعلن بوتين في نهاية عام 2023 أنه لن يقبل ولاية جديدة. ويمكن أن يذهب إلى ولاية جديدة لوضع الترتيبات اللازمة، ثم يقرر المغادرة في وقت مبكر. وأخيراً، يمكنه حقاً أن يظل في السلطة لمدة 6 سنوات أخرى كاملة. ومن ثم، إذا لم تتغير العملية، لكن تغيرت آليات التحرك، سيغادر بوتين عندما يهيئ بنفسه الظروف المناسبة لذلك، ولن يتسرع في إعداد رحيله في الوقت الذي ينص عليه القانون.
هكذا ينظر خبراء السياسة الروس الذي يتمتعون بدرجة كبيرة من الاستقلالية، إلى احتمالات تطور الموقف. ويستند بعضهم إلى أنه «لمدة 20 سنة، اعتاد المجتمع على خطوات غير متوقعة من بوتين. لم يتوقع أحد أن يصبح فيكتور زوبكوف رئيساً للوزراء عام 2007، لكنه أكمل مهمته وذهب إلى الظل. وبالطريقة ذاتها، لم يتوقع إلا قلة تعيين ميخائيل ميشوستين رئيساً للحكومة هذا الشتاء. يسترشد بوتين بمنطقه الخاص، ولا يهتم بالاستفسارات والتوقعات العامة».
ويقرّ الخبراء بأن «الاستقرار» المنشود من التعديلات الدستورية «ليس استقرار المؤسسات، باعتبار أن تلك «كان يمكن أن تحظى باهتمام أكبر لتطويرها في ظل السلطات الرئاسية الحالية». بل بدلاً من ذلك - كما يشير أحدهم - «يجري ضمان استقرار النظام الذي أنشئ، وتثبيت قواعد اللعبة الداخلية، والمحافظة على مبدأ السلطة الفردية. وهكذا، يفكر فلاديمير بوتين في خليفة يحمي مصالح الرئيس الحالي. أي بنفس المنطق بالضبط، الذي جعل منه خليفة بوريس يلتسين قبل 20 سنة».

المعارضة تدعو لرصد الانتهاكات
في المقابل، دعا السياسي المعارض، أليكسي نافالني، الروس إلى انتهاج استراتيجية تقوم على رصد عمليات التزوير في التصويت وتسجيل وقائع الإكراه للتصويت. ويعتقد نافالني أن التعديلات «اعتمدت بالفعل؛ حيث تدخل التعديلات على الدستور حيز التنفيذ بعد موافقة ثلثي البرلمانات الإقليمية». غير أنه دعا إلى مواجهة الموقف بنشر وقائع التزوير وعمليات الدفع الإلزامية للتصويت، عبر التأثير على موظفي الدولة إذا أجبروا على الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
ولقد استند نافالني، كما غيره من المعارضين، في الترويج لمقولة إن التعديلات باطلة وغير قانونية، إلى رأي قانوني رأى ضرورة أن يجري التصويت على كل بند من التعديلات الدستورية على حدة، لأن غالبية المواطنين قد تؤيد «إعادة النظر في قانون المعاشات التقاعدية» لكن يمكن أن ترفض «تصفير عداد الفترات الرئاسية لبوتين».



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.