اتهام بـ«جرائم حرب» يلاحق رئيس كوسوفو

بريشتينا تنسحب من مفاوضات مع بلغراد برعاية أميركية

رئيس الوزراء الكوسوفي عبد الله هوتي (يسار) مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في بروكسل أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الكوسوفي عبد الله هوتي (يسار) مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في بروكسل أمس (إ.ب.أ)
TT

اتهام بـ«جرائم حرب» يلاحق رئيس كوسوفو

رئيس الوزراء الكوسوفي عبد الله هوتي (يسار) مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في بروكسل أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الكوسوفي عبد الله هوتي (يسار) مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في بروكسل أمس (إ.ب.أ)

يتولّى قاضٍ في المحكمة الخاصة بكوسوفو النظر في التهم الموجهة ضد الرئيس الكوسوفي هاشم تاجي، الزعيم السابق للمقاتلين الانفصاليين، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع مع صربيا أواخر تسعينات القرن الماضي، لاتخاذ قرار بشأن تأكيدها، في خطوة من شأنها أن تؤدي إلى توجيه الاتّهام رسميا.
وأعلنت المحكمة، أول من أمس (الأربعاء)، أن تاجي يواجه عشر تهم قُدِّمَت لوائحها في 24 أبريل (نيسان)، والمحكمة الخاصة بكوسوفو التي أُنشئت في 2015 مفوّضة التحقيق في جرائم يُشتبه في أن مقاتلين انفصاليين من ألبان كوسوفو ينتمون إلى «جيش تحرير كوسوفو»، ارتكبوها واستهدفت خصوصاً الصرب، وغجر الروما، ومعارضين إبان النزاع الذي دار بين عامي 1989 و1999، وبعده.
واتهم مدعي عام المحكمة في لاهاي الأربعاء تاجي بـ«ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما فيها القتل والإخفاء القسري والاضطهاد والتعذيب»، خلال النزاع مع صربيا. واعتبرت الولايات المتحدة أن الأمر يتعلق بـ«خطوة نحو العدالة والمصالحة». وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية «إن هذا الإعلان ضروري لتعزيز سيادة القانون والعدالة للضحايا في كوسوفو، وللسماح للبلاد بقلب صفحة هذه الفترة الرهيبة».
وكان من المقرر أن يلتقي تقي ورئيس الوزراء عبد الله هوتي مع وفد صربي في جولة أولى من المفاوضات بوساطة أميركية بهدف تطبيع العلاقات.
وقال هوتي على صفحته على «فيسبوك»: «بسبب التطورات الجديدة... يتوجب علي العودة إلى بريشتينا للتعامل مع الموقف”. وأضاف هوتي، الذي كان في بروكسل لمقابلة مسؤولين من الاتحاد الأوروبي، إنه أخطر الوسيط الأميركي ريتشارد جرينيل. وقطع زيارته إلى واشنطن، وإنه سيعود إلى كوسوفو، كما جاء في تقرير «الصحافة الفرنسية».
وتشمل الاتّهامات قدري فيسيلي، القائد الحالي لحزب كوسوفو الديمقراطي، فضلاً عن أشخاص آخرين.
كان الموفد الأميركي ريتشارد غرينيل قال في وقت سابق، في تغريدة، إن «المحادثات التي كانت مقررة السبت» في البيت الأبيض، والرامية إلى إحياء حوار السلام المتوقّف منذ نهاية 2018. ستجري بين الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، ورئيس الوزراء الكوسوفي عبد الله هوتي. وكان غرينيل أعلن الأسبوع الماضي أن بلغراد وبريشتينا وافقتا على عقد لقاء في البيت الأبيض في محاولة لإحياء الحوار المتعثر بينهما منذ أكثر من عام. وبحسب لائحة الاتهام، يتحمّل تاجي وفيسيلي والمشتبه بهم الآخرون مسؤولية جزائية عن نحو مائة جريمة قتل.
وأشارت المحكمة الخاصة إلى أنّ تاجي وفيسيلي «قادا حملة سرية لإبطال القانون الذي أنشأ المحكمة وإعاقة عملها»، وذلك لضمان عدم مثولهما أمام القضاء.
ورفض فيسيلي الاتهامات. وقال إن «بيان المدعي العام محاولة جديدة لإعادة كتابة التاريخ»، متهماً إياه بأن لديه دوافع «سياسية». وسبق أن نفى تاجي وفيسيلي أي تورّط لهما في جرائم حرب خلال النزاع الذي دار في أواخر التسعينات.
وبين عامي 1998 و1999، أسفرت حرب كوسوفو بين الانفصاليين الألبان والقوات الصربية عن أكثر من 13 ألف قتيل، منهم نحو 11 ألف كوسوفي ألباني وألفي صربي.
واعتبر رئيس جمعية المحاربين القدامى في كوسوفو حسني غوكاتي أن المحكمة «ارتكبت خطأ» بالإعلان عن الاتهام قبيل قمة بين كوسوفو وصربيا، واصفا الخطوة بأنها «مسيّسة بالكامل».
واعتبر فيغان كورولي بروفسور الحقوق في جامعة بريشتينا أن الإعلان عن التهم قد يكون مرتبطاً بالقمة المقررة في 27 يونيو (حزيران) «حيث يمكن أن تشمل المحادثات حل المحكمة الخاصة».
وشدّد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش قبضته على السلطة الأحد بعد تحقيق حزبه فوزاً كبيراً في الانتخابات التشريعية على حساب المعارضة.
ولم يصدر رد فعل حتى الآن من بلغراد. ولا تعترف صربيا بكوسوفو التي انفصلت عنها في عام 2008. ويجري الجانبان محادثات منذ عام 2011 دون تقدم يُذكر. ولم يصدر رد فعل أميركي على انسحاب كوسوفو من المحادثات.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».