حياة ملايين السوريين عالقة بين السياسي والإغاثي

TT

حياة ملايين السوريين عالقة بين السياسي والإغاثي

يقترب موعد التصويت على تجديد قرار مجلس الأمن 2504 المتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، لملايين السوريين في الشمال السوري.
يعد هذا التصويت هو السادس من نوعه على تمديد القرار 2165 الذي تم تبنيه في عام 2014 بنسخه المختلفة التي تم التصويت عليها في الأعوام السابقة: 2258 (2015)، و2332 (2016)، و2393 (2017)، و2449 (2018). وقد تعرض التصويت على هذا القرار في بداية عام 2020 إلى مخاض عسير، بعد أن قوبلت نسخته الأولى بـ«فيتو» روسي يهدف إلى إعادة توجيه قيادة العمليات الإنسانية إلى دمشق، ولم يتم التوافق سوى على مسودة معدلة لمشروع تقتصر على معبري باب السلام وباب الهوى في شمال غربي سوريا، كما أنها خفضت ولاية القرار إلى ستة أشهر بدلاً من اثني عشر شهراً تنتهي في 10 يونيو (حزيران) 2020، كما أن مجلس الأمن قد رفض أيضاً تعديلاً شفهياً مقترحاً من قبل البعثة الروسية لتضمين قرار الجمعية العامة 46 - 182 ضمن ديباجة القرار.
تتضمن الرغبة الروسية بالإشارة إلى القرار 24 - 182 إشارة إلى أن كافة الأعمال الإغاثية والإنسانية للأمم المتحدة يجب أن تتم مع احترام سيادة الدول ذات الشرعية الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي تعتبر روسيا أن قرار المساعدات عبر الحدود قد تجاوزه، ذلك عبر إيصال المساعدات الإنسانية دون أن يشترط موافقة السلطات السورية على المساعدات؛ بل يكتفي بـ«إخطارها» بدخول تلك المساعدات.
في دراسة شيقة نشرتها شبكة الممارسات الإنسانية، يبحث كل من هيوغو سليم وإيمانويلا غيارا - غيلارد في المشروعية القانونية لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود التي ترتكز إلى جزئيتين هما: موافقة الدولة المعنية، والطبيعة الإنسانية الصرف للأعمال المنفذة عبر الحدود، إضافة إلى موافقة كل من دول الجوار والجماعات المسلحة التي تتحكم في المناطق التي يقطن ضمنها السكان المستهدفون. من المهم جداً التنويه إلى أن قرار الدولة المعنية بإعطاء الموافقة على عبور المساعدات أو رفضها ليس مطلقاً، بمعنى أن هناك حاجة لتوفير أسباب مقنعة حيال الرفض، وإلا اعتبر اعتباطياً ولا يتم الأخذ به. كما أن محكمة العدل الدولية تقرر أنه وفي حال توفير المساعدات بشكل يحترم المبادئ الإنسانية، فإنها وإن أدت إلى خرق مبدأ السيادة، فإن تمريرها لا يستوجب إجراءات عقابية وفق القانون الدولي.
قسم الباحثان المدخلات الإنسانية عبر الحدود إلى ثلاثة أنواع:
- حالات لم توافق عليها الدول المعنية؛ لكن وافقت عليها الجماعات المسلحة في الدول المجاورة (كما في حالة الحرب الأهلية الإثيوبية في الثمانينات التي تم فيها إيصال مساعدات عبر الحدود من السودان دون موافقة السلطات الإثيوبية).
- حالات وافقت عليها كل من الدول المعنية والدول المجاورة والجماعات المسلحة (عملية «شريان الحياة» التي استهدفت جنوب السودان بالمساعدات عبر الحدود من كينيا في التسعينات).
- حالات تم فرضها بالقوة من قبل مجلس الأمن بموافقة الدول المجاورة (كما كانت الحالة في المنطقة الآمنة ومنطقة حظر الطيران في شمال العراق عام 1991، بعد حرب الخليج الأولى، ووافقت عليها كل من تركيا وإيران).
تعكس هذه الأمثلة الأرضية القانونية التي استند إليها القرار 2165؛ ذلك نظراً لعدم توفير السلطات السورية حججاً مقنعة في رفض المساعدات عبر الحدود؛ خصوصاً مع توفر إثباتات تتعلق بعرقلة العمليات الإنسانية وتحويلها من أجل الاستفادة منها لأغراض غير إنسانية كما نشرت تقارير متعددة، وفي هذه الحالة يفترض بالوكالات الإنسانية التعامل مع الحكومة السورية بطريقة تضمن الحفاظ على المبادئ الإنسانية الموجهة من الحيادية وعدم الانحياز والاستقلالية.
يمكن القول بأن التذرع باستخدام المساعدات الإنسانية عبر الحدود كغطاء لدعم عمليات عسكرية هي حجة واهية للغاية، فتلك المساعدات تخضع لرقابة دقيقة ضمن المنافذ الحدودية المخصصة.
كنت أحد العمال الإنسانيين الذين رافقوا فرق التفتيش للأمم المتحدة عند بداية العمل بقرار المساعدات عبر الحدود في عام 2014. وكان من الواضح حسن التنظيم والمساحة الجديدة المخصصة للشاحنات المعدة، ومنع الدخول إليها إلا بموجب تصريح خاص. لقد كان المفتشون يقومون بإفراغ عديد من صناديق المساعدات بشكل عشوائي، ليتم فتحها ومطابقة كافة المواد أو الأدوات الموجودة فيها بالوصف المرفق بالشحنة. وقد أسر إليَّ أحد الخبراء العاملين مع الأمم المتحدة حينها بأن التوافقات السياسية وصلت إلى تحديد جنسيات أولئك المفتشين ليتم اختيارهم من دول محايدة بالنسبة للنزاع السوري لضمان النزاهة!
وقد كان التحدي الأكبر للشركاء الإنسانيين العاملين في الاستجابة السورية عبر الحدود هو تحقيق الشرط الثاني لاستكمال مشروعية المساعدات، والمتمثل في تقديم استجابة إنسانية نموذجية، وذلك عبر الخضوع لعديد من عمليات التحقيق لمتطلبات الحيطة الواجبة قبل الاستفادة من أي منح، بالإضافة لعمليات التدقيق المالي الصارمة على كافة العمليات النقدية وآليات الشراء، لضمان عدم استخدام الأموال في غير مكانها. كما كانت عمليات تقديم الخدمة مصحوبة دوماً بفرق رقابة من طرف ثالث حيادية، لتقدم نموذجاً رائداً في العمل الإنساني مقارنة مع عمرها الحديث نسبياً.
ساهمت هذه المساعدات غير المسبوقة إلى حدٍّ كبير في التخفيف من حدة المعاناة الإنسانية، فقد تم إدخال 36271 شاحنة محملة بالمواد الإغاثية منذ يوليو (تموز) عام 2014 وحتى 30 أبريل (نيسان) عام 2020، قدمت خلالها أكثر من 1.9 مليون خدمة تعليم، و6.1 مليون خدمة أمن غذائي، و29.7 مليون خدمة صحة، وغيرها الكثير.
ومع تجدد التصويت على القرار في مجلس الأمن يوم 10 يوليو القادم، تطفو إلى السطح مجدداً المتضادات السياسية لمحاولة إيجاد مخرج يحقق التوافق ما بين مبدأ سيادة الدول، ومبدأ الحياد الإنساني. ولتُجرى تفسيرات مختلفة للقانون الدولي من قبل الأطراف الفاعلة، كل حسب رؤيته وبما يتفق مع مصالحه. ويبقى مصير ملايين السوريين المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية عالقاً في تلك المنطقة المتداخلة بين حدود ما هو سياسي وما هو إغاثي.
* مدير شؤون المناصرة والتواصل في «الجمعية الطبية الأميركية – السورية» (سامز)



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».