عكست احتفالات النصر على النازية التي أقامتها موسكو أمس، وتوجت بعرض عسكري ضخم في الساحة الحمراء، توجه الكرملين نحو حشد تأييد واسع لسياساته قبل أسبوع من حلول موعد التصويت على تعديلات دستورية تمنح الرئيس فلاديمير بوتين فرصة البقاء على رأس هرم السلطة حتى عام 2036. ووجَّه الرئيس الروسي في خطاب مكرس للمناسبة رسائل داخلية وخارجية، أكد فيها على أهمية «مواجهة التحديات المعاصرة»، وشدد على تعزيز التحالف مع جمهوريات الفضاء السوفياتي السابق.
وشهدت تحضيرات العرض العسكري في هذا العام استعدادات غير مسبوقة، خشية أن يتسبب في نكسة كبيرة على صعيد تفشي وباء «كورونا» في البلاد. وكان العرض مقرراً كالمعتاد في التاسع من مايو (أيار) الماضي، وتم تأجيل موعده ليتزامن أمس مع ذكرى أول عرض عسكري للقوات السوفياتية التي حققت النصر في عام 1945. ووضعت وزارة الدفاع خطة طوارئ لتنظيم العرض، وأعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو أن المشاركة فيه سوف تقتصر بشكل رئيسي على جنود يتمتعون بالحصانة ضد العدوى. وتم قبل أسابيع حظر العسكريين المشاركين ومنع اتصالهم بالمدنيين. كما خضع الجنود لاختبار الفيروس التاجي، وتم قياس درجة حرارتهم بانتظام.
هذه التدابير كانت لها أهمية خاصة، بسبب مخاوف الكرملين من مواجهة نكسة جدية في معدلات التفشي، وهو أمر يهدد خطط إجراء التصويت على الاستفتاء بعد أسبوع. وشارك في العرض الضخم أكثر من 13 ألف فرد عسكري، وأكثر من 200 وحدة من المعدات العسكرية الأرضية، و75 طائرة ومروحية. وعبرت أرتال الجنود والمدرعات والآليات الساحة الحمراء أمام منصة ضخمة جلس عليها الضيوف، وبُنيت بشكل مناسب لإخفاء ضريح مؤسس الدولة السوفياتية فلاديمير لينين؛ لكن في المقابل كان لأعلام وشعارات الدولة السوفياتية حضور لافت، كما شاركت للمرة الأولى في تاريخ العروض المماثلة وحدات عسكرية من بلدان مثل أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا وأوزبكستان والهند وكازاخستان وقيرغيزستان والصين ومولدوفا ومنغوليا وصربيا وطاجيكستان وتركمانستان.
وحملت عبارات بوتين في خطابه تأكيداً على الأهمية الخاصة التي توليها بلاده لتعزيز التحالف مع بلدان الفضاء السوفياتي السابق. وشكلت هذه الرسالة الأولى التي حملها خطاب بوتين؛ حيث ركَّز على أن «الشعوب السوفياتية كان لها الفضل الأكبر في تحرير أوروبا، والقضاء على النازية». وأشار إلى أنها «تحملت الجزء الأعظم من الضغوط؛ لأنها كانت تواجه في عام 1944 نحو 85 في المائة من قدرات الجيش النازي التي تم توجيهها نحو بلادنا».
وفي إشارة مباشرة إلى السجالات التي برزت أخيراً مع بلدان أوروبية حول دور الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية، وسط اتهامات لموسكو بأنها «وفرت فرصة للجيش النازي لاجتياح أوروبا، من خلال توقيع اتفاق عدم اعتداء مع هتلر في بداية الحرب» وجَّه بوتين رسالته الثانية إلى أوروبا التي شدد فيها على أن المقاتلين السوفيات «حرروا الدول الأوروبية من الغزاة، ووضعوا نهاية لمأساة المحرقة الرهيبة، وأنقذوا شعب ألمانيا من النازية، ومن آيديولوجيتها القاتلة. ومن المستحيل حتى تخيل ما كان سيحدث للعالم لو لم يقف الجيش الأحمر السوفياتي بوجه هتلر». ورأى أن «هذه هي الحقيقة الرئيسية، الصادقة حول الحرب، التي يجب أن نحميها وندافع عنها، وننقلها إلى أطفالنا وأحفادنا. إن العرض العسكري اليوم هو تكريم لهذه الحقيقة المقدسة، تكريماً لجيل المنتصرين البارزين الذين حددوا نتيجة الحرب العالمية الثانية بأكملها».
وفي إطار الرسائل الخارجية أيضاً، تطرق بوتين إلى «مواجهة التحديات التي يتعرض لها العالم اليوم»؛ مؤكداً على «أهمية تعزيز الصداقة والثقة بين الشعوب، ونحن منفتحون على الحوار والتعاون بشأن القضايا الأكثر إلحاحاً في جدول الأعمال الدولي». وشدد على ضرورة «إنشاء نظام أمني مشترك موثوق به، يحتاج إليه العالم الحديث المعقد وسريع التغير. فقط معاً يمكننا حمايته من التهديدات الجديدة الخطيرة».
داخلياً، عكس الإصرار على تنظيم الاحتفالات والعرض العسكري الكبير رغم المخاوف من تفشي الوباء مجدداً، رسالة بأن السلطات الروسية بدأت تسيطر على الأوضاع، وأن البلاد تجاوزت أزمة «كورونا». ورغم أن هذا الرأي كان مثار خلافات واسعة داخل المؤسسات الفيدرالية وفي الأقاليم الروسية، وهو ما انعكس في امتناع 35 إقليماً روسياً عن تنظيم احتفالات بهذه المناسبة، تتزامن عادة مع الاحتفال الكبير في موسكو؛ فإن خبراء رأوا أن بوتين سعى إلى توجيه إشارة قوية، بأن البلاد «تمكنت من تجاوز الوضع الصعب». وأهمية هذه الإشارة في أن المعارضة ركزت خلال الأسابيع الأخيرة على أن الكرملين، قرر «منح الأفضلية للاستحقاق السياسي المتمثل في تنظيم التصويت على التعديلات الدستورية، مغامراً بمواجهة موجة تفشي جديدة للوباء». وهو أمر رد عليه الكرملين بتأكيد اتخاذ كل التدابير اللازمة لمواجهة أي نكسة على صعيد انتشار العدوى. ورغم ذلك لا يخفي مسؤولون روس أن الاستحقاق الأهم الذي يتطلع إليه بوتين هو حشد أوسع إقبال ممكن على صناديق التصويت في مطلع الشهر المقبل، وسط إشارات من جانب مراكز استطلاع، بأن «الخشية الأساسية تكمن في التوقعات بعزوف الناخبين عن التوجه إلى مراكز الاقتراع».
لذلك عكس الخطاب الحماسي لبوتين في الساحة الحمراء تكراراً للرسالة التلفزيونية التي وجَّهها قبل يومين إلى المواطنين الروس، وحثهم فيها على الإقبال بكثافة على التصويت، واستخدام كل الآليات المتوفرة لذلك، بما في ذلك آليات التصويت عن بعد التي وضعتها لجنة الانتخابات.
بوتين يوجه رسائل داخلية وخارجية من الساحة الحمراء
موسكو تعرض قدراتها العسكرية في ذكرى الانتصار على النازية
بوتين يوجه رسائل داخلية وخارجية من الساحة الحمراء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة