بوتين يوجه رسائل داخلية وخارجية من الساحة الحمراء

موسكو تعرض قدراتها العسكرية في ذكرى الانتصار على النازية

قاذفات «سوخوي 24» بسماء موسكو في ذكرى يوم النصر على النازية (رويترز)
قاذفات «سوخوي 24» بسماء موسكو في ذكرى يوم النصر على النازية (رويترز)
TT

بوتين يوجه رسائل داخلية وخارجية من الساحة الحمراء

قاذفات «سوخوي 24» بسماء موسكو في ذكرى يوم النصر على النازية (رويترز)
قاذفات «سوخوي 24» بسماء موسكو في ذكرى يوم النصر على النازية (رويترز)

عكست احتفالات النصر على النازية التي أقامتها موسكو أمس، وتوجت بعرض عسكري ضخم في الساحة الحمراء، توجه الكرملين نحو حشد تأييد واسع لسياساته قبل أسبوع من حلول موعد التصويت على تعديلات دستورية تمنح الرئيس فلاديمير بوتين فرصة البقاء على رأس هرم السلطة حتى عام 2036. ووجَّه الرئيس الروسي في خطاب مكرس للمناسبة رسائل داخلية وخارجية، أكد فيها على أهمية «مواجهة التحديات المعاصرة»، وشدد على تعزيز التحالف مع جمهوريات الفضاء السوفياتي السابق.
وشهدت تحضيرات العرض العسكري في هذا العام استعدادات غير مسبوقة، خشية أن يتسبب في نكسة كبيرة على صعيد تفشي وباء «كورونا» في البلاد. وكان العرض مقرراً كالمعتاد في التاسع من مايو (أيار) الماضي، وتم تأجيل موعده ليتزامن أمس مع ذكرى أول عرض عسكري للقوات السوفياتية التي حققت النصر في عام 1945. ووضعت وزارة الدفاع خطة طوارئ لتنظيم العرض، وأعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو أن المشاركة فيه سوف تقتصر بشكل رئيسي على جنود يتمتعون بالحصانة ضد العدوى. وتم قبل أسابيع حظر العسكريين المشاركين ومنع اتصالهم بالمدنيين. كما خضع الجنود لاختبار الفيروس التاجي، وتم قياس درجة حرارتهم بانتظام.
هذه التدابير كانت لها أهمية خاصة، بسبب مخاوف الكرملين من مواجهة نكسة جدية في معدلات التفشي، وهو أمر يهدد خطط إجراء التصويت على الاستفتاء بعد أسبوع. وشارك في العرض الضخم أكثر من 13 ألف فرد عسكري، وأكثر من 200 وحدة من المعدات العسكرية الأرضية، و75 طائرة ومروحية. وعبرت أرتال الجنود والمدرعات والآليات الساحة الحمراء أمام منصة ضخمة جلس عليها الضيوف، وبُنيت بشكل مناسب لإخفاء ضريح مؤسس الدولة السوفياتية فلاديمير لينين؛ لكن في المقابل كان لأعلام وشعارات الدولة السوفياتية حضور لافت، كما شاركت للمرة الأولى في تاريخ العروض المماثلة وحدات عسكرية من بلدان مثل أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا وأوزبكستان والهند وكازاخستان وقيرغيزستان والصين ومولدوفا ومنغوليا وصربيا وطاجيكستان وتركمانستان.
وحملت عبارات بوتين في خطابه تأكيداً على الأهمية الخاصة التي توليها بلاده لتعزيز التحالف مع بلدان الفضاء السوفياتي السابق. وشكلت هذه الرسالة الأولى التي حملها خطاب بوتين؛ حيث ركَّز على أن «الشعوب السوفياتية كان لها الفضل الأكبر في تحرير أوروبا، والقضاء على النازية». وأشار إلى أنها «تحملت الجزء الأعظم من الضغوط؛ لأنها كانت تواجه في عام 1944 نحو 85 في المائة من قدرات الجيش النازي التي تم توجيهها نحو بلادنا».
وفي إشارة مباشرة إلى السجالات التي برزت أخيراً مع بلدان أوروبية حول دور الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية، وسط اتهامات لموسكو بأنها «وفرت فرصة للجيش النازي لاجتياح أوروبا، من خلال توقيع اتفاق عدم اعتداء مع هتلر في بداية الحرب» وجَّه بوتين رسالته الثانية إلى أوروبا التي شدد فيها على أن المقاتلين السوفيات «حرروا الدول الأوروبية من الغزاة، ووضعوا نهاية لمأساة المحرقة الرهيبة، وأنقذوا شعب ألمانيا من النازية، ومن آيديولوجيتها القاتلة. ومن المستحيل حتى تخيل ما كان سيحدث للعالم لو لم يقف الجيش الأحمر السوفياتي بوجه هتلر». ورأى أن «هذه هي الحقيقة الرئيسية، الصادقة حول الحرب، التي يجب أن نحميها وندافع عنها، وننقلها إلى أطفالنا وأحفادنا. إن العرض العسكري اليوم هو تكريم لهذه الحقيقة المقدسة، تكريماً لجيل المنتصرين البارزين الذين حددوا نتيجة الحرب العالمية الثانية بأكملها».
وفي إطار الرسائل الخارجية أيضاً، تطرق بوتين إلى «مواجهة التحديات التي يتعرض لها العالم اليوم»؛ مؤكداً على «أهمية تعزيز الصداقة والثقة بين الشعوب، ونحن منفتحون على الحوار والتعاون بشأن القضايا الأكثر إلحاحاً في جدول الأعمال الدولي». وشدد على ضرورة «إنشاء نظام أمني مشترك موثوق به، يحتاج إليه العالم الحديث المعقد وسريع التغير. فقط معاً يمكننا حمايته من التهديدات الجديدة الخطيرة».
داخلياً، عكس الإصرار على تنظيم الاحتفالات والعرض العسكري الكبير رغم المخاوف من تفشي الوباء مجدداً، رسالة بأن السلطات الروسية بدأت تسيطر على الأوضاع، وأن البلاد تجاوزت أزمة «كورونا». ورغم أن هذا الرأي كان مثار خلافات واسعة داخل المؤسسات الفيدرالية وفي الأقاليم الروسية، وهو ما انعكس في امتناع 35 إقليماً روسياً عن تنظيم احتفالات بهذه المناسبة، تتزامن عادة مع الاحتفال الكبير في موسكو؛ فإن خبراء رأوا أن بوتين سعى إلى توجيه إشارة قوية، بأن البلاد «تمكنت من تجاوز الوضع الصعب». وأهمية هذه الإشارة في أن المعارضة ركزت خلال الأسابيع الأخيرة على أن الكرملين، قرر «منح الأفضلية للاستحقاق السياسي المتمثل في تنظيم التصويت على التعديلات الدستورية، مغامراً بمواجهة موجة تفشي جديدة للوباء». وهو أمر رد عليه الكرملين بتأكيد اتخاذ كل التدابير اللازمة لمواجهة أي نكسة على صعيد انتشار العدوى. ورغم ذلك لا يخفي مسؤولون روس أن الاستحقاق الأهم الذي يتطلع إليه بوتين هو حشد أوسع إقبال ممكن على صناديق التصويت في مطلع الشهر المقبل، وسط إشارات من جانب مراكز استطلاع، بأن «الخشية الأساسية تكمن في التوقعات بعزوف الناخبين عن التوجه إلى مراكز الاقتراع».
لذلك عكس الخطاب الحماسي لبوتين في الساحة الحمراء تكراراً للرسالة التلفزيونية التي وجَّهها قبل يومين إلى المواطنين الروس، وحثهم فيها على الإقبال بكثافة على التصويت، واستخدام كل الآليات المتوفرة لذلك، بما في ذلك آليات التصويت عن بعد التي وضعتها لجنة الانتخابات.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».