مشهدية السودان... من الجهاد الميداني إلى الاجتهاد البرهاني

فؤاد مطر يكمل ثلاثيته عن البلد بكتاب عن الانتفاضة

مشهدية السودان... من الجهاد الميداني إلى الاجتهاد البرهاني
TT

مشهدية السودان... من الجهاد الميداني إلى الاجتهاد البرهاني

مشهدية السودان... من الجهاد الميداني إلى الاجتهاد البرهاني

عن «الدار العربية للعلوم»، بيروت، يصدر نهاية شهر يونيو (حزيران) من هذه السنة، للكاتب الصحافي فؤاد مطر، الكتاب المعنون بـ«الحاكم إذا استبد... والشعب إذا انتفض» عنواناً رئيساً، و«مشهدية السودان الخائر.. الثائر.. الحائر» عنواناً فرعياً، مع «رؤية استشرافية» للصادق المهدي، وتقديم لجمال محمد إبراهيم.
يقع الكتاب في (462) صفحة، ويضم (22) فصلاً، يتوزع كل فصل منها على عدة عناوين تعكس المشهد السوداني، وتعقيداته، وتطوراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ارتباطاً بالوضع العربي والأفريقي والعالمي. وقد عززت الفصول والوثائق بعشرات الصور قديمها وحديثها «وبذلك، بدت الصورة توضح معنى النص، أو إن النص يفسر ملامح وجوه الذين باتوا جزءاً من التاريخ المصور للمرحلة»، كما جاء في التقديم.
وفي بضع صفحات، أوضح فؤاد مطر ظروف تأليف كتابه الجديد، مركزاً على التميز الذي عرفته الانتفاضة السودانية دون سائر الانتفاضات العربية الأخرى، بالقول: «إنها أدخلت صيغة الانقلاب الثنائي، أو ثنائية الانقلابات على حتمية التغيير. ولقد رأيْنا كيف أن التغيير من جانب الطيف المدني على درجة من الاستحالة، ومن أجْل ذلك لم يُكتب لكل من الجزائر وتونس ولبنان الفوز، وإن كان الصوت الاحتجاجي سُمع في أكثرية دول العالم التي إما تعيش في ظل مناخ الحريات، وإما أنها تواقة إلى نسائم من الديمقراطية تُخفف بعض الشيء من هجير السُلْطة وسلاطينها... لقد أثمرت الانتفاضة السودانية، بعد أن اقتربت أيادي بعض عساكر السودان من أيادي رموز الطيف المدني، وبدا هذا الاقتراب مثل تلاقي النيل الأبيض مع النيل الأزرق متحابيْن إلى آخر الزمن. في البداية، كان الحذر سيد الموقف، ثم اقتنع هذا الطيف، بمَن ينتسب إليه من أساتذة جامعات وطلاب وتجار وأطباء ومهندسين وكتاب وصحافيين وصناعيين، أنه باليد الواحدة لن يستطيع التصفيق، فنزل من عليائه الرافض إلى رحاب الموضوعية مرحباً في البداية. وبعد قبول بمبدأ المحاصصة، ارتضى صيغة الكفتين المتوازيتين من ميزان الطبعة الجديدة للنظام في السودان».
وفي «رؤيته الاستشرافية»، يرى الصادق المهدي أنه «في تقديري، إن تجاربنا في مواجهة الطغيان، وفي مكافحة تمكين الحكم الديمقراطي، مع ما فيها من آلام واضطرابات، لم تذهب سدى، بل أورثتنا دروساً غالية في إدارة التنوع، تناولتها في كتابي (الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك)، وأورثتنا دروساً في ضرورة أقلمة النظام الديمقراطي، ثقافياً واجتماعياً.
الفترة الانتقالية الحالية أشبه ما تكون بحقل تجارب، تنشط فيه جبهتان إسلاموية منكفئة وعلمانوية مستلبة لتخطف المصير الوطني، وتحوم رؤى غالباً وافدة لثورة مضادة أشبه بتلك التي أجهضت كثيراً من ثورات الربيع العربي. ولكن التركيبة العسكرية السودانية بعيدة من هذا الدور، ودون خوض في التفاصيل فهي غير مستعدة لمثل هذا الدور.
المعمعة السياسية السودانية، في تقديري، سوف تسفر عن تغلب نهج سياسي يكفل الحريات وحقوق الإنسان والمشاركة في الحكم والعدل الاجتماعي، ويلبي مطالب السلام العادل الشامل والتوازن في العلاقات الخارجية، بلا محورية. هذا النهج ليس هلامياً، بل مسلح بفكر واضح، وليس فوقياً، بل مجدر بسند شعبي عتيق، ومسنود بقوى شبابية ونسائية جديدة. هذا النهج يطرح ديمقراطية توافقية وفكراً يوفق بين التأصيل والتحديث، وينازل ويغلب التحديات الإسلاموية والعلمانوية والانقلابية، ويمثل في قراءة التاريخ المضاد للثورة المضادة».
وجاء في تقديم الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم أنه «حفزت الانتفاضة السودانية في صيغتها المبتكرة، حيث بدأت شعبية واكتملت بوقفة عسكرية إلى جانب الطيف المدني المنتفض، الكاتب الصحافي فؤاد مطر لتأليف كتاب عنها يكمل به ثلاثيته السودانية التي تحمل تسمية (حلو مر السودان.. تاريخ ما لن يهمله التاريخ عن العسكر والأحزاب). وكان أول هذه الثلاثية كتاب (المصالحة الوطنية في السودان انتكسوها أم انتكست)، بتقديم من الصحافي السوداني العريق الراحل محمد الحسن أحمد. ثم جاء الكتاب الثاني بتسمية (سنوات نميري... بحلوها ومرها)، بتقديم من الكاتب السياسي الراحل ربيع حسنين. ولكل من محمد الحسن أحمد وربيع حسنين رؤاه التي لا تخلو من التحفظات الموضوعية على أهل الحكم في السنوات التي شغلها نميري ورفاقه ضباط (ثورة مايو) التي بدأت بيضاء، ثم دخل الدم نتيجة محاولات انقلابية وإعدامات بفعل أحكام متسرعة يصبغ كثيراً من ملامحها.
بالكتاب الجديد المعنون بـ(الحاكم إذا استبد... والشعب إذا انتفض) عنواناً رئيساً، و«مشهدية السودان الخائر.. الثائر.. الحائر» عنواناً فرعياً، يكمل فؤاد مطر ثلاثيته السودانية التي، إلى جانب كتابه المعنون بـ(الحزب الشيوعي السوداني نحروه أم انتحر) الذي كانت صحيفة (النهار) قد أصدرته في شهر أغسطس (آب) 1971، يكون بها -على حد قوله- في تعريفه لهذه المؤلفات قد أسدى إلى (السودان الوطن والشعب ما هو حق لهما علي كصحافي وكاتب ومؤلف)».
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن اهتمام فؤاد مطر بالشأن السوداني بدأ منذ سنواته «النهارية» الثلاثين، ثم من خلال سنواته بصفته واحداً من الكتاب في مجلة «المستقبل» في باريس، تلي ذلك سنواته بصفة ناشر لمجلة «التضامن» في لندن، ثم بصفته أحد كتاب الرأي في صحيفة «الشرق الأوسط»، وفي صحيفة «اللواء» اللبنانية. ويتسم كتاب «الحاكم إذا استبد... والشعب إذا انتفض» بالتحليل الموضوعي للانتفاضة السودانية، وإرفاق التحليل بالمعلومة المؤجل نشْرها المتوفرة في إضبارات أرشيفه الشخصي، وكذلك بالوثيقة التي تدعم التطورات. ولقد توزعت صفحات كتابه اﻟ(462) على (22) مشهداً؛ والمشهد هنا بمعنى الفصل. كما أن الوثائق والصور بين حديثها وقديمها تتوزع على صفحات داخل هذه المشاهد. وهكذا، نرى السودان تحت المجهر من زمن المجلس العسكري، وقائده الجنرال إبراهيم عبود، أي زمن «السودان الخائر» على نحو توصيف الكاتب فؤاد مطر للمراحل التي مرت على السودان. وبعد «السودان الخائر»، نراه يطلق على المرحلة التالية توصيف «السودان الثائر»، وصولاً إلى المرحلة الراهنة، وهي «السودان الحائر».
وتوضح حالة الحيرة هذه عبارة «من الجهاد الميداني... إلى الاجتهاد البرهاني»، أي اللقاء الصادم الذي تم في أوغندا بين الرئيس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، نتيجة حض من جانب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على إتمام هذا اللقاء، تمهيداً -أو شرطاً- لرفع العقوبات الدولية عن السودان، وهو أمر عطلت الفوضى الناشئة عن «كورونا» ليس فقط تنفيذ الوعد أو التعهد به، وإنما حتى تلبية البرهان الدعوة لزيارة واشنطن، والتحادث مع الرئيس ترمب.
وعلى نحو تيسيري لقراءة الكتاب، أوجز فؤاد مطر لكل فصل (أو مشهد) على نحو التسمية التي اعتمدها. كما أنه عزز الفصول والوثائق بعشرات الصور، قديمها وحديثها، وبذلك بدت الصورة توضح معنى النص، أو إن النص يفسر ملامح وجوه الذين باتوا جزءاً من التاريخ المصور للمرحلة.


مقالات ذات صلة

كتب شركة ناشئة تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)

وسط اعتراض كتّاب ودور نشر… شركة ناشئة تسعى لإنتاج 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي

ينتقد كتّاب وناشرون إحدى الشركات الأميركية الناشئة التي تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أميتاف غوش و«خيال ما لا يمكن تصوره»

غوش
غوش
TT

أميتاف غوش و«خيال ما لا يمكن تصوره»

غوش
غوش

حصل الكاتب الهندي أميتاف غوش، يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني)، على جائزة إراسموس لعام 2024 ومبلغ نقدي قدره 150 ألف يورو، لمساهمته الملهمة في موضوع هذا العام «خيال ما لا يمكن تصوره». وذلك من خلال أعماله التي تهتم بمواضيع الساعة؛ من بينها الأسباب الرئيسية لتغير المناخ.

وغوش (ولد عام 1956)، في كلكتا، عالم أنثروبولوجيا اجتماعية من جامعة أكسفورد، ويعيش بين الهند والولايات المتحدة. تتضمن أعماله روايات تاريخية ومقالات صحافية. وتعتمد كل أعماله على بحث أرشيفي شامل، وهي تتجاوز الزمن والحدود المكانية. ومن بين المواضيع الرئيسية، التي يتطرق إليها، الهجرة والشتات والهوية الثقافية، دون إغفال، طبعاً، البعد الإنساني.

في كتابيه الأخيرين «لعنة جوزة الطيب» و«الدخان والرماد: التاريخ الخفي للأفيون»، يربط غوش بين الاستعمار وأزمة المناخ الحالية، مع إيلاء اهتمام خاص لشركة الهند - الشرقية الهولندية.

وكان الاستعمار والإبادة الجماعية، وفقاً لغوش، من الأسس التي بنيت عليها الحداثة الصناعية. علاوة على ذلك، فإن النظرة العالمية، التي تنظر إلى الأرض كمورد، تذهب إلى ما هو أبعد من الإبادة الجماعية والإبادة البيئية. التي تستهدف كل شيء - الناس والحيوانات والكوكب نفسه، والسعي وراء الربح، قد استنزف الأرض وحوّل الكوكب إلى موضوع للاستهلاك.

المخدرات أداة استعمارية

ويدور موضوع كتاب «الدخان والرماد» حول الرأسمالية التي تفتقد أي وازع أخلاقي. وبداية، يفند المؤلف الكتابات التي تدعي أن الأفيون كان يستخدم في الصين بشكل واسع، ويعتبر ذلك من الكليشيهات التي لا أساس لها من الصحة، إذ لم يكن إنتاج الأفيون نتيجة للتقاليد الصينية، بل «كانت المخدرات أداة في بناء قوة استعمارية». وكان النبات يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد في مستعمرة الهند البريطانية. وفي كتابه «لعنة جوزة الطيب»، يستدعي غوش المذبحة التي اقترفها جان بيترزون كوين (1587 - 1629)، في جزر باندا في عام 1621 للسيطرة على احتكار جوزة الطيب. يطبق قوش الآن هذه الطريقة أيضاً على الأفيون. وكان قد سبق له أن كتب عن تاريخ الأفيون «ثلاثية إيبيس»؛ وتتضمن «بحر الخشخاش» (2008)، و«نهر الدخان» (2011)، و«طوفان النار» (2015). وروى فيها قصة سفينة العبيد، إيبيس، التي كانت تتاجر بالأفيون بين الهند والصين خلال حرب الأفيون الأولى (1839 - 1842).

يقول جان بريمان (1936) عالم اجتماع الهولندي والخبير في مواضيع الاستعمار والعنصرية وما بعد الكولونيالية، عن «لعنة جوزة الطيب»: «ما الذي ألهم هؤلاء الهولنديين من (VOC) شركة الهند - الشرقية، بقيادة كوين لذبح جميع سكان جزر - باندا قبل أربعة قرون؟». هذا السؤال يطرحه أيضاً الكاتب الهندي غوش في كتابه «لعنة جوزة الطيب». علماً بأن جوزة الطيب لا تنمو إلا في هذه الجزر. ويضيف بريمان: «ليس من باب الاهتمام بما نعتبره نحن في هولندا النقطة السيئة في تاريخنا الاستعماري، ولكن لأن، عقلية شركة الهند - الشرقية الهولندية ما تزال منذ 400 عام تحركنا، بل إنها تغرقنا مباشرة في أزمة المناخ. وباختصار، تعتبر قصة الإبادة الجماعية في جزر - باندا بمثابة مَثَل لعصرنا، وهي قصة يمكن تعلم الكثير».

دولة المخدرات لشركة الهند - الشرقية

كانت هولندا أول من اعترف بالقيمة التجارية للأفيون، وهو المنتج الذي لم يسبق له مثيل من قبل. ولضمان توفر ما يكفي من الأفيون للتجارة، تم استخدام المزيد من المناطق في جزيرتي جاوة ولومبوك لزراعة الخشخاش. وتبين أن احتكار شركة الهند - الشرقية للأفيون كان بمثابة إوزة تضع بيضاً ذهبياً، فقد عاد الحاكم العام إلى هولندا في عام 1709 ومعه ما يعادل الآن «ثروة بيل غيتس» وقد يعود جزء من ثروة العائلة الملكية الحالية لهذه التجارة، بحسب غوش، نتيجة استثمارها الأموال في شركات الأفيون. وهكذا أصبحت هولندا «دولة المخدرات الأولى». ولكن تبين أن ذلك كان لا شيء، مقارنة بما فعله البريطانيون في الهند؛ وفقاً لغوش، فقد أتقنوا إدارة أول «كارتل عالمي للمخدرات».

ففي الهند، أجبر البريطانيون المزارعين على تحويل أراضيهم إلى حقول خشخاش والتخلي عن المحصول بأسعار منخفضة. ثم قاموا ببناء المصانع حيث كان على (العبيد) معالجة الأفيون وسط الأبخرة. ولم تكن السوق الهندية كبيرة بما يكفي، لذلك كان على الصينيين أيضاً أن يتكيفوا. ومع ذلك، يبدو أن الصينيين لم يكونوا مهتمين على الإطلاق بالتجارة مع البريطانيين. ويقتبس غوش رسالة من تشيان لونغ، إمبراطور الصين آنذاك، الذي كتب في رسالة إلى الملك البريطاني جورج الثالث في عام 1793: «لم نعلق أبداً أي قيمة على الأشياء البارعة، ولم تكن لدينا أدنى حاجة لمنتجات من بلدك».

لعب الأفيون دوراً مركزياً في الاقتصاد الاستعماري منذ عام 1830 فصاعداً. وتم إنشاء المزيد والمزيد من المصانع في الهند لتلبية احتياجات «المستهلك الصيني»، كما كتب الكاتب البريطاني Rudyard Kipling روديارد كبلنغ عام 1899 في تقريره «في مصنع للأفيون»؛ فرغم الرائحة الخانقة للأفيون، كان «الدخل الكبير» الذي حققه للإمبراطورية البريطانية أهم.

تضاعفت مساحة حقول الخشخاش في الهند إلى ستة أضعاف. ويوضح غوش بالتفصيل ما يعنيه هذا لكل من المجتمع الهندي والطبيعة في القرون التي تلت ذلك. فلا يحتاج نبات الخشخاش إلى الكثير من الرعاية فحسب، بل يحتاج أيضاً إلى الكثير من الماء، مما يؤدي إلى الجفاف واستنزاف التربة. كما شكلت تجارة الأفيون جغرافية الهند المعاصرة بطرق أخرى. وأصبحت مومباي مدينة مهمة كميناء عبور للأفيون في عهد البريطانيين. ولا تزال المناطق التي تم إنشاء معظم حقول الأفيون فيها في ذلك الوقت من بين أفقر المناطق في الهند.

يوضح قوش كيف يعمل التاريخ، وبالتالي يميز نفسه عن معظم الكتاب الذين تناولوا الموضوع ذاته.

كما أنه يرسم أوجه تشابه مع الحاضر، التي لا يجرؤ الكثير من المؤلفين على تناولها. ووفقاً له، لا توجد مبالغة في تقدير تأثير تجارة الأفيون الاستعمارية على الأجيال اللاحقة. فما أنشأه البريطانيون في المناطق الآسيوية لا يختلف عن عمل منظمة إجرامية - حتى بمعايير ذلك الوقت، كما يكتب غوش، وهذا ما زال قائماً.

إن رؤية ذلك والاعتراف به أمر بالغ الأهمية لأولئك الذين يرغبون في العمل من أجل مستقبل أفضل.

يوم أمس منح ملك هولندا ويليام ألكسندر جائزة إيراسموس لأميتاف غوش في القصر الملكي في أمستردام، تقديراً لعمل غوش، الذي يقدم، بحسب لجنة التحكيم، «علاجاً يجعل المستقبل غير المؤكد ملموساً من خلال قصص مقنعة عن الماضي، وهو يرى أن أزمة المناخ هي أزمة ثقافية تنشأ قبل كل شيء من الافتقار إلى الخيال».