هل رغبت يوماً في تغيير شخصيتك؟ تعكس الأبحاث الجديدة أنه يمكنك ذلك، وبطريقة سريعة سهلة بشكل مثير للدهشة، بأكثر مما كنت تعتقد. ففي دراسة حديثة أجريت لدى جامعة زيوريخ الألمانية، خلص الباحثون إلى أن الأشخاص الذين يريدون فرض مزيداً من الانضباط الذاتي على حياتهم، يمكنهم تحقيق مثل هذا التغيير في غضون فترة لا تتجاوز أسبوعين فقط، وذلك بالاستعانة بأحد تطبيقات الهواتف الذكية الذي يواصل إرسال التذكيرات بذلك مرتين بصفة يومية. كما حققت العملية نفسها نجاحاً لدى الأشخاص الذين يريدون أن يكونوا أكثر انفتاحاً على التجارب والخبرات الحياتية الجديدة، إذ يمكنك الاستعانة بهذه المعلومات في إحداث التغيير المنشود على شخصيتك أو على عاداتك الشخصية.
وخلص الباحثون منذ فترة إلى أن شخصية الإنسان ليست مكوناً ثابتاً طوال الحياة، تماماً كما يوضح الدكتور بنيامين هاردي، عالم النفس مؤلف الدراسة البحثية التي نُشرت في دورية «علم النفس اليوم». فبدلاً من ذلك، يقول الدكتور بنيامين هاردي إنه من المفيد النظر إلى شخصية الإنسان على أنها نقاط متعددة على طول الطيف، حيث تكون النقاط أكثر أو أقل انحرافاً عن الطيف، أو أكثر أو أقل قبولاً، على سبيل المثال. وأضاف أن السمات الشخصية قد تتغير مع مرور الوقت، استناداً إلى التجارب الشخصية المكتسبة. كما يؤكد أيضاً أن الشخصية في حد ذاتها عبارة عن مهارة من المهارات التي يمكن اكتسابها وتعلمها.
بيد أن هذه الأطروحة تختلف اختلافاً كبيراً عن الطريقة التي يفكر بها أغلب الناس حول شخصية الإنسان. ومع ذلك، تشير الأبحاث الجديدة، وبقوة، إلى أنها أطروحة صحيحة تماماً. فمن خلال تجربة الدراسة، كان هناك 255 شخصاً، منهم الطلاب والموظفون الذين يعملون بدوام كامل، جرى تقسيمهم إلى مجموعتين، اعتماداً على التغييرات التي قالوا إنهم يرغبون في إدخالها على شخصيتهم. وتخير الباحثون التركيز على تغييرين اثنين مطلوبين بصورة شائعة: رفع مستوى الانضباط الذاتي، ورفع مستوى الانفتاح على التجارب والخبرات الجديدة.
وفي كل مجموعة، تلقى المشاركون رسالتين نصيتين تلقائيتين بصفة يومية عبر تطبيق التدريب المثبت على الهاتف؛ كانت الرسالة الأولى تأتي في الصباح، وتذكر المشاركون بالنوايا (الخطط) التي كانوا قد حددوها لأنفسهم لذلك اليوم، والتي ربما تشمل الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أو تجربة تنفيذ وصفة جديدة. كما كانت الرسائل الصباحية تعرض قدراً من التشجيع، مع تذكير المشاركين بالقدر الذي أنجزوه حتى الآن. وكانت الرسالة الثانية تأتي في المساء، وتطلب من المشاركين ملء استبيان موجز بشأن ما إذا كانوا قد حققوا نواياهم (خططهم) لذلك اليوم من عدمه. وبعد مرور أسبوعين، تظهر شخصية مختلفة تماماً.
ومع نهاية الأسبوعين، كانت شخصيات المشاركين في التجربة قد تغيرت. وفي التقييم الذاتي، قال أفراد المجموعة الأولى الذين رغبوا في رفع مستوى الانضباط الذاتي إنهم أصبحوا أكثر انضباطاً بالفعل. وقال أفراد المجموعة الثانية الذين أعربوا عن رغبتهم في رفع مستوى الانفتاح على التجارب الجديدة إنهم صاروا بالفعل أكثر انفتاحاً عن ذي قبل. وبصورة ملحوظة، قام ثلاثة أشخاص ممن يعرفون كل مشارك من المشاركين في التجربة بملء استبيان خاص، قبل وبعد إجراء التجربة التي استمرت لمدة أسبوعين، يصفون فيه مدى التغيير الملحوظ على شخصيات المشاركين. ورغم أن هؤلاء المراقبين كانوا فعلاً يعرفون أن أصدقائهم أو شركائهم منخرطين ضمن أبحاث تتعلق بشخصيتهم، فإنهم لم يعلموا بالتغييرات التي كان المشاركون يأملون في تنفيذها. ومع ذلك، وفي نهاية الأسبوعين، لحظ المراقبون استحداث التغييرات نفسها: أولئك الذين أرادوا رفع مستوى الانضباط الذاتي تمكنوا من تحقيق ذلك الهدف، وأولئك الذين رغبوا في رفع مستوى المغامرة نجحوا في بلوغ ذلك الهدف. وعندما خضع المشاركون في التجربة للتقييم مرة أخرى، بعد مرور 6 أسابيع من نهاية التجربة، كانت تلك التغييرات المسجلة ما تزال من الأدلة الثابتة.
ومن المثير للاهتمام في هذا السياق أن نقف على ما تخبرنا به مزيد من الدراسات والأبحاث حول مقدرتنا على تغيير شخصياتنا. وفي الأثناء ذاتها، هناك درس واضح يهمنا جميعاً، ألا وهو: يمكنك تغيير سلوكك، وتغيير شخصيتك تماماً. وللقيام بذلك، لا بد من تحديد نوايا (أهداف أو خطط) يومية، يتبعها اتخاذ إجراءات يومية صوب التغيير الذي تنشده، مع التذكير اليومي المستمر لما تهدف إلى إنجازه، مع التحقق اليومي المستمر أيضاً للوقوف على ما إذا كنت قد نجحت فعلاً في تنفيذ ما خططت إليه مسبقاً.
وهذه كلها من الأمور التي يمكنك القيام بها بنفسك، أو الأفضل من ذلك، التي يمكنك القيام بها أنت رفقة صديق أو شريك أحدكما للآخر. ولست في حاجة حقيقية لأن تكون جزءاً من تجربة أو دراسة بحثية حتى تفعل ذلك، بل إنك قد لا تحتاج بالأساس إلى وجود تطبيق ذكي للتدريب والمتابعة، بل إنك في حاجة فعلية إلى عقد العزم على التغيير. كما يمكنك البدء في ذلك في أي وقت تريد، بما في ذلك... الآن!
- خدمة «تريبيون ميديا»