طلبت مصر عقد اجتماع لمجلس الأمن «في أقرب فرصة ممكنة» و«النظر فوراً» في الوضع الناجم عن عدم التوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا التي تستعد لتعبئة وتشغيل سد النهضة، معتبرة أن هذه القضية تمثل «خطراً وجودياً» بالنسبة إلى الشعبين المصري والسوداني، فضلاً عن أنها «تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين». ولمحت إلى حقها باستخدام الوسائل المشروعة دولياً من أجل «حماية مصالحها الوطنية الحيوية وضمان بقائها على قيد الحياة».
ووجه المندوب المصري الدائم لدى الأمم المتحدة محمد إدريس مذكرة من نحو 62 صفحة إلى رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير أحال فيها رسالة وزير الخارجية المصري سامح شكري، لافتاً انتباه المجلس إلى «التطورات الأخيرة المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي الكبير». وأضاف أن «الوضع يشكل تهديداً وشيكاً للسلم والأمن الدوليين، ويتطلب النظر الفوري» من قبل مجلس الأمن. وطلب تعميم الرسالة ومرفقاتها كوثيقة من وثائق مجلس الأمن ضمن بند «السلام والأمن في أفريقيا».
وحصلت «الشرق الأوسط» على نص رسالة الوزير شكري ومرفقاتها، وهي الثانية بعد رسالة قدمت في الأول من مايو (أيار) الماضي، في شأن ما سماه «العواقب العظمى» بالنسبة إلى مصر، بسبب إصرار إثيوبيا على «الشروع أحاديا في ملء سد النهضة أثناء موسم الأمطار في يوليو (تموز) المقبل، في تعارض مع واجباتها القانونية الدولية». وقال إنه «نظراً إلى خطورة الوضع، وفي ضوء استمرار تعنت إثيوبيا، مما يمكن أن يتضمن تهديداً للأمن والسلم الدوليين»، مضيفاً: «أكتب إلى سعادتكم أن تطلبوا من مجلس الأمن أن يعالج هذه القضية بإلحاح». وأوضح أن «مصر اختارت أن تجلب هذه القضية إلى عناية مجلس الأمن بعدما استكشفت واستنفدت كل السبل للتوصل إلى حل ودي لهذا الوضع عبر إنجاز اتفاق على سد النهضة يصون ويشجع حقوق ومصالح الدول الثلاث المتشاطئة على النيل الأزرق». وأكد أنه «خلافاً لتأكيدات» وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندار غاشيو في منتصف الشهر الماضي، فإن «فشل المفاوضات على سد النهضة سببه استمرار سياسة إثيوبيا في العرقلة والمراوغة».
وإذ تلافى «التفنيد المفصل» لما سماه «تشويهاً وتضليلاً للحقيقة» في رسالة نظيره الإثيوبي إلى مجلس الأمن، سلط الضوء على «حقيقة أن مصر انخرطت، بروح من حسن النيّة، لقرابة نحو عقد، في جولات عديدة من المفاوضات حول سد النهضة»، مشيراً إلى أن «هذه الجهود لم تؤد إلى ثمار بسبب أحادية إثيوبيا ورغبتها في (فرض) أمر واقع» عند جانبها من مجرى النهر. وأكد أنه «خلال تلك العملية، سعينا إلى تسوية يفوز فيها الجميع وتصون وتشجع الحقوق والواجبات للدول الثلاث المتشاطئة على النيل الأزرق. وعملنا بلا كلل من أجل التوصل إلى اتفاق يحقق أهداف التنمية لإثيوبيا فيما يقلل الآثار السلبية لهذا السد العملاق على الدول المتشاطئة المجرى». وذكّر بأنه «تأكيداً على إرادتها السياسية الصادقة في التوصل إلى اتفاق مفيد مشترك، دعت مصر أطرافاً ثالثة محايدة إلى المشاركة في المفاوضات وعبرت عن استعدادها للقبول بأي نماذج أو اتفاقات للتسوية تقترحها هذه الأطراف النزيهة»، مشيراً إلى توقيع مصر بالأحرف الأولى على اتفاق لملء وتشغيل السد برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي. وعبر عن الأسف لأن إثيوبيا «قوضت هذه الجهود (…) وواصلت إصرارها على البدء أحاديا في حجز المياه في خزان السد»، معتبراً أن هذا الأمر «مقلق للغاية سياسيا، لأنه يمثل محاولة مثيرة للقلق من إثيوبيا لممارسة سيطرة غير مقيدة على نهر حيوي عابر للحدود»، علما بأن ذلك يشكل أيضاً «انتهاكاً مادياً» لاتفاق إعلان المبادئ على سد النهضة الموقع بين البلدين عام 2015.
وكذلك قال شكري إن «موقف إثيوبيا المراوغ والمتعنت قاد أيضاً إلى فشل الجولات الأخيرة من المفاوضات التي عقدت بمبادرة من السودان»، متهماً إثيوبيا بأنها «اعتمدت موقفاً غير مستساغ قانونياً وغير بناء تقنياً خلال تلك المفاوضات»، إذ «رفضت التوصل إلى اتفاق يكون ملزماً بموجب القانون الدولي»، فضلاً عن «رفضها تطبيق إجراءات تخفيف فاعلة لمعالجة آثار الجفاف (…) على المجتمعات المحلية عند مجرى النهر». ورأى أن الموقف الإثيوبي «يعكس رغبتها في ملء السد وتشغيله من دون أي حماية ذات معنى يمكن أن تخفف الآثار السلبية لهذا السد على دول المجرى، وتكريس حق غير منظم وغير مقيد لبناء مشاريع مستقبلية (…) واستخدام أحادي لمياه النيل الأزرق، حتى لو كان على حساب حقوق الدول الواقعة على المجرى». ونبه إلى أنه «بالنسبة إلى مصر، بلد أكثر من 100 مليون نسمة يعتمدون كلياً على نهر النيل في وجودهم، فإن وضعاً كهذا لا يمكن التسامح معه»، مضيفاً أنه «من المقلق للغاية أن سد النهضة شيّد من دون استكمال الدراسات الضرورية على السلامة البنيوية الهيدرولوجية، مما يهدد أكثر من 150 مليون مواطن سوداني ومصري».
وإذ كرر التزام مصر «التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن»، شدد على أن «ميثاق الأمم المتحدة يعطي الدول الأعضاء حق حماية مصالحها الوطنية الحيوية وضمان بقائها على قيد الحياة»، موضحاً أن «ملء وتشغيل مشروع عملاق كسد النهضة من دون اتفاق وفي غياب أي وسائل حماية متوافق عليها (…) يشكل خطراً واضحاً وحاضراً بالنسبة إلى مصر». وطالب وفقاً للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة من أجل «إخطار مجلس الأمن بأي وضع يمكن أن يؤدي إلى خلاف دولي أو يمكن أن يعرض للخطر الأمن والسلم الدوليين». وطلب أن «ينظر مجلس الأمن بإلحاح في هذه القضية في أقرب فرصة ممكنة»، معتبراً أنه «يجب على مجلس الأمن، والمجتمع الدولي، أن يحضا إثيوبيا على التصرف كصاحب مصلحة مسؤول، من خلال اتفاق متوازن وعادل» في شأن سد النهضة.
«الشرق الأوسط» تحصل على الوثائق الكاملة لرسالة القاهرة إلى الأمم المتحدة
تتضمن 62 صفحة أشارت إلى خطر وجودي للشعبين المصري والسوداني
«الشرق الأوسط» تحصل على الوثائق الكاملة لرسالة القاهرة إلى الأمم المتحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة