الزراعة الذكية كربونياً... بين زيادة الإنتاج ومواجهة تغيُّر المناخ

الزراعة الذكية كربونياً... بين زيادة الإنتاج ومواجهة تغيُّر المناخ
TT

الزراعة الذكية كربونياً... بين زيادة الإنتاج ومواجهة تغيُّر المناخ

الزراعة الذكية كربونياً... بين زيادة الإنتاج ومواجهة تغيُّر المناخ

مع أول ضربة محراث في الأرض قبل آلاف السنين، أخذ النشاط الزراعي يطلق ثاني أوكسيد الكربون في الجو. وفيما كانت الانبعاثات الناتجة عن الزراعة تقتصر في البدء على التفاعل بين المواد العضوية التي يجري تقليبها مع الهواء المحيط، ارتفعت البصمة الكربونية للزراعة مع استخدام المكننة، واتساع سلاسل النقل والتوريد.
وتشير تقديرات نُشرت قبل 3 سنوات إلى أن التربة حول العالم خسرت 133 مليار طن من الكربون منذ بدأ البشر يزرعون الأرض قبل نحو 12 ألف سنة. وتعادل هذه الكمية التي انطلقت إلى الجو ربع إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري منذ بدء الثورة الصناعية.
وساهم التطور التقني في زيادة انبعاثات الزراعة على نحو مطرد بدءاً من القرن الماضي. فاستخدام الوقود الأحفوري في آلات الزراعة ومركبات نقل المنتجات، إلى جانب الحاجة للطاقة في إنتاج الأسمدة وضخ المياه، جعل انبعاث غازات الدفيئة من القطاع الزراعي يزيد على 10 في المائة من مجمل الانبعاثات العالمية السنوية.
وتدفع إضافة السماد الكيميائي الأحياء الدقيقة في التربة إلى إطلاق غاز أوكسيد النيتروز، وهو من غازات الدفيئة القوية، حيث يعادل مكافئه الكربوني نحو 300 ضعف ثاني أوكسيد الكربون. ووفقاً لوكالة حماية البيئة الأميركية، يُعد أوكسيد النيتروز مسؤولاً عن 6 في المائة من الاحترار العالمي.
- حفظ الكربون في التربة
يقترح بعض علماء التربة، مثل الدكتور راتان لال من جامعة ولاية أوهايو، أن تؤدي التغيرات في الممارسات الزراعية وإدارة التربة إلى إقلال فقد التربة للكربون بمقدار الثلثين نظرياً، مما يعني توفير كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون المنطلق إلى الغلاف الجوي.
ويوصي لال وآخرون باتباع الممارسات التي تزيد من كمية المواد العضوية الحاوية على الكربون في طبقات التربة العليا، بما في ذلك تجنب عملية الحراثة التي تعرض كربون التربة للهواء، وتغطية الحقول بمخلفات المحاصيل، وزراعة محاصيل التغطية. وتُزرع محاصيل التغطية، كالحبوب والبقوليات وغيرها من الخضراوات، ليس بغرض الحصاد فحسب، وإنما لإثراء التربة بالمغذيات والمواد العضوية الغنية بالكربون، والحد من تآكلها.
وتثير حراثة الأراضي في المناطق القاحلة والجافة عواصف الغبار المدمّرة، مما يؤدي إلى إفقار التربة وتصحرها، مثلما حصل في مناطق واسعة من بادية الشام، وكذلك في المناطق الغربية من الولايات المتحدة. وترصد وزارة الزراعة الأميركية تحولاً وطنياً في تجنب حراثة الأرض، إذ تشير إحصاءاتها إلى أن أكثر من ثلث الأراضي الزراعية الأميركية تُزرع حالياً من دون حراثة، وأن ثلثاً آخر تجري إدارته باتباع حراثة محدودة.
وتعاني ثلث التربة حول العالم من تدهور بنسب تتراوح بين المتوسط والمرتفع، حيث يقع أربعون في المائة منها في أفريقيا، في حين توجد معظم النسبة المتبقية ضمن مناطق منكوبة بالفقر وانعدام الأمن الغذائي. وتتطلب العلاقة المتداخلة بين التربة والصحة والأمن الغذائي إجراءات استراتيجية وفورية، خاصة على المستوى المحلي، لوقف تراجع نوعية التربة، وزيادة إنتاج الغذاء، وإنقاص انبعاث غازات الدفيئة.
ويشهد العالم انتشار ممارسات زراعة «ذكية كربونياً»، تقوم على زراعة الغطاء النباتي بهدف محاربة التغير المناخي، إذ تقوم شركات بشراء أرصدة الكربون المخزن في التربة الزراعية، فيحقق المزارعون عوائد مالية إضافية، ويحسنون من نوعية تربة حقولهم، ويوفرون في استهلاك المياه.
وكان تقرير «احترار عالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية» الذي صدر سنة 2018، عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، قد أكد أهمية استخدام تقنيات الانبعاث السلبي لخفض حرارة الكوكب عند تجاوزها عتبة 1.5 درجة مئوية زيادة عن حرارة الأرض قبل النهضة الصناعية. ويعد تخزين الكربون في التربة أحد تقنيات الانبعاث السلبي المجدية، من حيث الكلفة وسهولة التنفيذ.
وتدعم شركات مثل «مايكروسوفت» و«جنرال ميلز» ومؤسسة «ليوناردو دي كابريو» مبادرات التربة المناخية بملايين الدولارات، عبر إنشاء سوق لبيع أرصدة الكربون المخزن في التربة. وفي الولايات المتحدة، تعمل مدن مثل كولورادو وسان فرانسيسكو على إدراج تخزين الكربون في التربة ضمن خطط العمل الخاصة بالمناخ، كما توجد قوانين على المستوى الوطني لتشجيع المزارعين على تبني ممارسات صديقة للمناخ.
وتدفع أستراليا وولاية كاليفورنيا الأميركية ومقاطعتا ألبرتا وساسكاتشوان الكنديتان مساعدات للمزارعين في مقابل حبس الكربون في التربة. كما أطلقت الحكومة الفرنسية سنة 2015 مبادرة تهدف إلى زيادة مخزون الكربون في التربة بمعدل 0.4 في المائة سنوياً.
وفي جميع أنحاء أفريقيا، تستأجر الحكومات مساحات واسعة من الأراضي التي يستخدمها صغار المزارعين التقليديين لصالح الشركات الأجنبية من أجل زراعة الأشجار بصفتها مصارف للكربون، بهدف الحصول على أرصدة الكربون، حيث يخشى بعضهم من أن تتسارع هذه العملية، فتصبح التربة ذاتها بمثابة سلعة كربونية تحتكرها الشركات العابرة للقارات.
- منافع الممارسات المستدامة
تختلف كمية الكربون التي يمكن تخزينها في التربة حسب نوع الزراعة المطبقة، إذ تتراوح ما بين طنين في حالة زراعة محاصيل التغطية حتى 7 أطنان في حالة زراعة الأحراج لكل هكتار (عشرة آلاف متر مربع) من الأرض. وكانت دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي قد اقترحت تسعير طن الكربون بـ75 دولاراً في سنة 2030 لمواجهة التغيرات المناخية، مما يعني عائداً إضافياً سنوياً للزراعة الذكية كربونياً، يتراوح بين 150 و525 دولاراً لكل هكتار.
وفيما تشير بعض التقديرات إلى أن الدعم الحكومي للزراعة الذكية الكربونية قد يرفع سعر طن الكربون إلى ما فوق الألف دولار، فإن عدداً متزايداً من العلماء يبدي تحفظاً حول الاندفاعة العالمية للاحتفاظ بالكربون في التربة الزراعية لأسباب مختلفة، من بينها أن تراكم الكربون يحصل عادة ضمن ما يسمى بطبقة المحراث التي يبلغ عمقها 30 سنتمتراً، ويستتبع ذلك وجود عتبة فيزيائية عليا لمقدار الكربون المتراكم.
ومن ناحية أخرى، تعزز محاصيل التغطية والنباتات المعمرة ذات الجذور العميقة الأحياء الدقيقة في التربة، التي تطلق كميات كبيرة من الكربون المترسب، إلى جانب أوكسيد النيتروز. ويخلص باحثون من جامعة كاليفورنيا، في دراسة امتدت لـ19 سنة، إلى أن زراعة محاصيل التغطية تستلزم استخدام السماد العضوي لتخزين الكربون في التربة، ويظهر ذلك جلياً في أراضي حوض البحر المتوسط شبه القاحلة، مما يعني زيادة النفقات.
ومع ذلك، تؤكد ورقة علمية نُشرت السنة الماضية في دورية «نيتشر» أن المعطيات العلمية المتاحة حالياً تؤيد جدوى ممارسة الزراعة التجديدية في تخزين الكربون ضمن التربة، وإن كانت التقنيات لا تسمح بعد بقياس سرعة تراكم الكربون بدقة كافية.
وتهدف الزراعة التجديدية إلى المحافظة على النظم الغذائية والزراعية، وإعادة تأهيلها، من خلال تجديد التربة السطحية، وزيادة التنوع الحيوي، وتحسين دورة المياه، وتعزيز خدمات النظم البيئية، ودعم التفكك العضوي، وزيادة القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
وتتضمن الزراعة التجديدية كذلك ممارسات مستدامة تقوم على مبادئ الاقتصاد الدائري في إعادة تدوير أكبر قدر ممكن من مخلفات المزرعة، وإضافة سماد عضوي من خارجها. ومن الأمثلة التكامل القائم بين إدارة الثروة الحيوانية وزراعة المراعي، حيث توفر الأولى السماد، فيما توفر الثانية العلف.
وبعيداً عن الجدل حول قدرة التربة الزراعية على تخزين الكربون من أجل تخفيض درجة حرارة الكوكب، فإن ممارسة الزراعة الذكية كربونياً، عبر تجنب حراثة الأرض وزراعة محاصيل التغطية، أثبتت جدواها في تلطيف الآثار الحالية للتغيرات المناخية، من خلال إنقاص الجريان السطحي للمياه، والحد من تآكل التربة، وإقلال العواصف الغبارية. وهي إلى جانب ذلك تحسن إنتاجية بعض العمليات الزراعية، وتثمر ربحاً مباشراً يحفز المزارع على زيادة محتوى الكربون في التربة.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.