طهران تختبر صاروخ «أرض ـ بحر» شمال المحيط الهندي

في أول تدريبات للجيش الإيراني منذ مقتل 19 بحاراً الشهر الماضي بـ«نيران صديقة»

الجيش الإيراني يختبر صاروخ «كروز» محلي الصنع خلال مناورات في شمال المحيط الهندي أمس (رويترز)
الجيش الإيراني يختبر صاروخ «كروز» محلي الصنع خلال مناورات في شمال المحيط الهندي أمس (رويترز)
TT

طهران تختبر صاروخ «أرض ـ بحر» شمال المحيط الهندي

الجيش الإيراني يختبر صاروخ «كروز» محلي الصنع خلال مناورات في شمال المحيط الهندي أمس (رويترز)
الجيش الإيراني يختبر صاروخ «كروز» محلي الصنع خلال مناورات في شمال المحيط الهندي أمس (رويترز)

أجرت إيران تجربة إطلاق صواريخ «كروز»؛ «من الجيل الجديد»، أمس، وفق ما أعلن سلاح البحرية التابع للجيش الإيراني، في أول تدريبات عسكرية من نوعها في شمال المحيط الهندي وقرب مدخل الخليج، منذ مقتل 19 بحاراً الشهر الماضي بـ«نيران صديقة».
وتأتي تجربة إطلاق الصاروخ في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تمديد حظر سلاح تفرضه الأمم المتحدة على إيران ويحل أجله في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بموجب اتفاق إيران النووي الموقع عام 2015 مع القوى العالمية. وانسحبت واشنطن من الاتفاق بهدف التوصل لاتفاق أشمل يحد من الأنشطة الصاروخية والإقليمية الإيرانية.
ونقلت «رويترز» عن وكالة «تسنيم»؛ المنبر الإعلامي لجهاز استخبارات «الحرس الثوري»، أن «إطلاق صواريخ قصيرة المدى وطويلة المدى (أرض – بحر) و(بحر – بحر) من الساحل ومن على سفن، تم بنجاح أثناء التدريبات، وأصابت أهدافها بدقة كبيرة».
وأضافت الوكالة أن الجيل الجديد من صواريخ «كروز» الذي يبلغ مداه 280 كيلومتراً اختبر أثناء تدريبات البحرية الإيرانية في خليج عُمان الواقع قرب مضيق هرمز عند مدخل الخليج العربي وفي شمال المحيط الهندي.
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن الموقع الإلكتروني للقوات المسلحة نشر صوراً للتدريبات في خليج عُمان تظهر إطلاق صواريخ من سفينة حربية ومن على ظهر شاحنة، وانفجار سفينة في البحر.
وقال بيان للقوات المسلحة إن الصواريخ «دمرت الأهداف المحددة لها على بعد 280 كيلومتراً، ويمكن زيادة مداها إلى مسافة أكبر».
وقامت وزارة الدفاع وسلاح البحرية بتصميم وإنتاج الصواريخ، وفق البيان الذي لم يضف أي تفاصيل أخرى. وذكر فيديو نشره التلفزيون الرسمي على موقعه أن بعض الصواريخ تم تصنيعها على أساس «منصات أقدم تم تحديثها».
وقالت إيران في أبريل (نيسان) الماضي إنها زادت مدى صواريخها البحرية إلى 700 كيلومتر.
وقال مراسل التلفزيون الرسمي إن «الصواريخ تتمتع بدقة وقوة قاتلتين لأعداء إيران»، وذلك في رسالة من شاطئ حيث أجريت تجارب إطلاق من شاحنة.
وتأتي تدريبات البحرية بعد «حادث» خلال مناورات مشابهة في 10 مايو (أيار) الماضي تعرضت خلاله سفينة حربية لضربة من صاروخ في المياه نفسها، فقتل 19 من أفراد الطاقم، وأصيب 15 آخرون بجروح، في الحادثة، وفق ما أعلن الجيش آنذاك.
وذكرت وسائل إعلام «الحرس الثوري» حينذاك أن الصاروخ أطلقته سفينة حربية أخرى في حادث «نيران صديقة».



سوريون اعتقلوا في سجون المخابرات العسكرية يصفون «اليأس» من زنزانات الماضي

سوري يسير على طول ممر الزنازين في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)
سوري يسير على طول ممر الزنازين في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)
TT

سوريون اعتقلوا في سجون المخابرات العسكرية يصفون «اليأس» من زنزانات الماضي

سوري يسير على طول ممر الزنازين في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)
سوري يسير على طول ممر الزنازين في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)

بعد أيّام من سقوط بشار الأسد، عاد محمد درويش إلى الزنزانة رقم 9 في «فرع فلسطين» أحد فروع المخابرات العسكرية السورية في دمشق؛ حيث أوقف قيد التحقيق لأكثر من 120 يوماً قبل سنوات، متحدثاً عن «اليأس» الذي راوده خلف القضبان.

في الزنزانة الواقعة تحت الأرض في المبنى الكبير المؤلف من طوابق عدة، تنتشر رائحة العفن ومياه الصرف الصحي الجارية في الأروقة بين الزنزانات.

الصحافي السوري محمد درويش عاد ليزور زنزانته في «فرع فلسطين» (أ.ف.ب)

لا نافذة تُدخل الضوء من الجدران السوداء المليئة بالبق في الغرفة الضيقة التي بالكاد اتسعت لأكثر من 100 شخص.

وهذا الفرع الذي يخشاه السوريون كثيراً، كان يستقبل خصوصاً موقوفين بتهم «الإرهاب»، لكنّ كثراً يدخلونه على قيد التحقيق وتنقطع أخبارهم تماماً عن ذويهم.

ودخل الصحافي محمد درويش (34 عاماً) إلى السجن في فرع فلسطين لمدة 120 يوماً قيد التحقيق في عام 2018 بتهمة «تمويل الإرهاب بالمعلومات، والترويج للإرهاب»، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

سوريون يدمرون لافتة تصور بشار الأسد ووالده حافظ الأسد في «فرع فلسطين» (أ.ف.ب)

«تهمة الإعلام»

في الزنزانة رقم 9، يتذكّر البقعة الضيقة التي حُجز فيها مع 50 آخرين لإصابتهم بالسلّ. يتذكّر الشاب التركي الذي كان موقوفاً معهم وأصيب بـ«الجنون» على حدّ قوله من كثرة الضرب.

ويروي الشاب: «أنا من أكثر الأشخاص الذين حققوا معهم؛ لأن تهمتي بالنسبة لهم كانت كبيرة جداً، تهمة الإعلام، كانوا يحققون معي مرة في الصباح ومرة في المساء».

ويضيف: «كانوا يقولون لي إن المسلح برصاصة يقتل شخصاً واحداً، بينما أنا بكلمتي أقتل الآلاف»، بينما يقول إنه كان يصور تقارير عن الواقع الخدمي في دمشق. وبعدما نُقل إلى سجن آخر، خرج بعد عام وأكثر من «التوقيف العرفي».

سوريون يتجمعون في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)

ويصف الشعور خلف القضبان «بشعور فقدان الأمل واليأس، عندما يغلقون هذا الباب عليك، تفقد الأمل بالغد، هذه البقعة شهدت مآسي، عائلات فقدت مُعيلها، فقدت أبوها، فقدت أخوها».

ويتابع: «يكفي كنتيجة لهذه الثورة كلها، إنهاء الاعتقال القسري والعرفي من دون أي تهمة واضحة».

وفرع «فرع فلسطين» أو الفرع 235 في المخابرات العسكرية، تماماً من كلّ العناصر الأمنية التي كانت موجودة فيه منذ الأحد. لكنّ زواره الآن على غرار محمد، هم موقوفون سابقون جاءوا تحدياً للألم الذي عانوه هنا، أو تحدياً للخوف.

«اليائس يبحث عن أي خيط»

آخرون قرروا زيارة المكان للبحث في الوثائق والأوراق والملفات التي تُركت فيه علّهم يجدون قريباً لهم فُقد في السجون السورية ولم يسمعوا عنه خبراً، كما فعل كثر منذ سقط حكم «حزب البعث» قبل أيام.

سوريون يبحثون في الملفات داخل «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)

في غرفة سوداء توزعت فيها آلاف الأوراق والملفات، وقفت امرأة وهي تقلب بين بطاقات هوية بحثاً عن قريب لها. وتقول وهي تغطي وجهها بوشاح رمادي إن «اليائس يبحث عن أي خيط» يوصله إلى ما يريد، مفضلة عدم كشف اسمها.

آلاف فعلوا مثلها منذ الأحد، حين فتحت أبواب السجون والمقرات الأمنية في مناطق مختلفة من سوريا، لا سيما سجن صيدنايا السيئ الصيت.

عند مدخل «فرع فلسطين»، شاحنة عسكرية متوقفة، وفرش مبعثرة، وأوراق خضراء وصفراء صغيرة رُميت على الأرض. تركت بعض البدلات العسكرية والأحذية في مكانها.

«نخرج الموتى من الزنزانات»

عاد أدهم بجبوج (32 عاماً) أيضاً لزيارة زنزانته السابقة، الزنزانة رقم 7.

ويقول الشاب المتحدر من درعا، الذي سُجن في 2019 لانشقاقه عن الجيش مع بداية خروج المظاهرات المناهضة للسلطة في عام 2011: «قيل لنا إن دخولنا هنا إلى (فرع) فلسطين، من الشرطة العسكرية، لن يتعدى السؤال والجواب، لكنني بقيت 35 يوماً، أو 32 يوماً، لم أعد أذكر، في الزنزانة هذه».

سوري يتجول في «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية (أ.ف.ب)

يقاطعه شقيقه الذي كان يقف قربه قائلاً: «دخل وزنه 85 كيلوغراماً، وخرج 50 كيلوغراماً».

كانت وظيفة القابعين في هذه الزنزانة تحديداً هي «السخرة»، وفق أدهم. ويقول: «نخرج من الخامسة صباحاً، نمسح الأرضيات، ننظف مكان التعذيب، نخرج الموتى من الزنزانات، ننظف الحمامات والمكاتب».

ويضيف أدهم النحيل الجسد أنه عاد إلى هنا الآن تحدياً للخوف الذي كان يشعر به من هذه الأروقة. ويروي الرجل: «بعدما خرجت من هنا... بتّ أخاف أن أمرّ من قربه، حتى لو كان على طريقي، أبدّل الطريق وأختار طريقاً أطول لكيلا أمر من أمامه».

ويتذكر اللحظة الأولى التي دخل فيها الفرع قائلاً: «ضربونا ضربتين أو ثلاثاً بالكرباج... يحتاج المرء لعلاج يومين من بعدها من شدّة قوتها».

«مأساة»

في الطابق الأعلى، «غرف التعذيب» كما يصفها المساجين السابقون. غرف معتمة رمادية، على أحد جدرانها نافذة زجاجية كبيرة، لكن «كانوا يعذبوننا في الرواق أيضاً»، وفق قول أحدهم.

في الجناح الآخر من المبنى الضخم، مكاتب وغرف الضباط والمسؤولين التي حُرقت بالكامل. تنبعث رائحة دخان قوية من المكان الذي خُلّعت أبوابه وتحوّل أثاثه إلى رماد.

مكتب مدير «فرع فلسطين» التابع للمخابرات العسكرية السورية يظهر محترقاً بعد اقتحامه (أ.ف.ب)

في غرفة بالكاد فُتح بابها، تظهر رفوف وُزّعت عليها آلاف الأوراق المحروقة التي يعتقد زوار المقر أنها أوراق «مهمة» و«سرية» أحرقها المسؤولون قبل فرارهم.

من بين تلك الأوراق، رسالة من القيادة العامة للجيش إلى «النيابة العامة المختصة بمعالجة قضايا الإرهاب» تحتوي على تفاصيل توقيف مجند في الجيش لملاحقته «بجرم علاقته بالمجموعات الإرهابية المسلحة وبكل جرم يظهر بحقه خلال مرحلتي التحقيق والمحاكمة»، موقعة من رئيس شعبة المخابرات في عام 2022.

يقول وائل صالح (42 عاماً) الذي جاء أيضاً لزيارة زنزانته رقم 9: «جرّموني بالإرهاب، حتى اللحظة أنا مجرم بالإرهاب».

ويضيف الرجل وهو يحدّق بسجنه السابق: «كانت مأساة، حتى هذه اللحظة أتذكر الأيام التي كنا فيها هنا، كنا 103 أشخاص، كنا نقف نحن ونترك الكبار في السن ينامون».