ما تأثيرات عقوبات «قانون قيصر» الأميركي على سوريا؟

أطفال سوريون يشاهدون مركبة روسية في بلدة ديرونا أرها بالقرب من الحدود السورية مع تركيا (أ.ف.ب)
أطفال سوريون يشاهدون مركبة روسية في بلدة ديرونا أرها بالقرب من الحدود السورية مع تركيا (أ.ف.ب)
TT

ما تأثيرات عقوبات «قانون قيصر» الأميركي على سوريا؟

أطفال سوريون يشاهدون مركبة روسية في بلدة ديرونا أرها بالقرب من الحدود السورية مع تركيا (أ.ف.ب)
أطفال سوريون يشاهدون مركبة روسية في بلدة ديرونا أرها بالقرب من الحدود السورية مع تركيا (أ.ف.ب)

يدخل قانون العقوبات الأميركي المعروف باسم قيصر حيز التنفيذ ليشكل آخر خطوات واشنطن في معركتها الاقتصادية على النظام السوري المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة خلال تسع سنوات من الحرب ويأمل اليوم في انطلاق ورشة إعادة الإعمار.
وإذا كانت العقوبات الجديدة وهي الأكثر قسوة على سوريا ستفاقم سوءاً الاقتصاد المنهك أساساً، فإن المواطنين سيكونون أولى الضحايا، وفق محللين، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
هل يحقق قانون قيصر أهدافه؟ وما تأثيره على الشعب وتداعياته على الدول الحليفة والمجاورة؟
ليست العقوبات جديدة على سوريا، إذ عرقلت الإجراءات الأميركية والأوروبية على حد سواء منذ سنوات قدراتها الاقتصادية، بعدما طالت شركات ورجال أعمال وقطاعات مختلفة.
لكن القانون الجديد يوسّع دائرة الاستهداف لتطال أذرعته أيضاً، عدا عن مسؤولين سوريين، كل شخص أجنبي يتعامل مع الحكومة السورية وحتى الكيانات الروسية والإيرانية في سوريا. ويشمل مجالات عدة من البناء إلى النفط والغاز.
وينص القانون على اتخاذ إجراءات خاصة بحق المصرف المركزي السوري إذا ثبت أنه «مؤسسة مالية أساسية في عمليات تبييض الأموال».
ويقول إدوارد ديهنيرت من وحدة «ذي إيكونوميست» للبحوث والمعلومات: «لا يزال على الولايات المتحدة أن توضح أين وإلى أي حدّ سيتم تطبيق العقوبات، لكن من الممكن القول إن قطاعات العقارات والإعمار والطاقة والبنى التحتية ستتأثر بشكل خاص».
وتشترط واشنطن لرفع العقوبات، وفق القانون، إجراءات عدة بينها محاسبة مرتكبي «جرائم الحرب» ووقف قصف المدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين.
ويرى ديهنيرت أن القانون «يُعدّ ظاهرياً آخر محاولة في جهود الولايات المتحدة لفرض تسوية سياسية والإطاحة بـ(الرئيس) بشار الأسد». إلا أنه يشرح في الوقت ذاته أن ذلك «لن يحدث في أي وقت قريب، كون موقع الأسد حالياً مضموناً». فهو يحظى بدعم إيران وروسيا ويسيطر بفضلهما على أكثر من 70% من مساحة البلاد.
وبالنتيجة، سيكتفي القانون بـ«عرقلة قدرة النظام وأزلامه على الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي ستوفرها عملية إعادة الإعمار» المكلفة.
ويرجّح ديهينرت أن واشنطن «ستنجح إلى حد ما في مساعيها، فقد صُممت العقوبات لإبقاء نظام الأسد منبوذاً، وسيكون تهديدها باتخاذ خطوات عقابية كافياً لإخافة غالبية تدفقات الاستثمارات الخارجية».
ومن دون استثمارات ودعم خارجي، ستعاني دمشق لإطلاق إعادة الإعمار.
نددت دمشق بالقانون وقالت إنه سيفاقم معاناة المدنيين في ظل اقتصاد مستنزف.
ويرى محللون أن الخشية من القانون، حتى قبل أسبوعين من تنفيذه، ساهمت إلى حدّ كبير في الانهيار التاريخي لليرة التي تخطى سعر صرفها خلال أيام قليلة عتبة الثلاثة آلاف مقابل الدولار في السوق الموازية.
وستفاقم العقوبات، وفق ديهنيرت، «عِلل» الاقتصاد و«للأسف سيكون الشعب أكثر من سيعاني» وسيرتفع معدل السوريين تحت خط الفقر.
ويعيش أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133% منذ مايو (أيار) 2019، حسب برنامج الأغذية العالمي.
ويتوقّع الباحث الاقتصادي أن تشهد البلاد «نقصاً في المواد الضرورية، وبالتالي سترتفع الأسعار وسيعاني السوريون من تآكل أكبر في قدراتهم الشرائية مع تراجع في فرص العمل» خصوصاً أن القدرة على استيراد السلع، وبينها المواد الغذائية والوقود، ستصبح أكثر تعقيداً.
وتشهد مناطق سيطرة الحكومة أساساً منذ نحو عامين أزمة وقود حادة وساعات تقنين طويلة في التيار الكهربائي.
وتصف هبة شعبان (28 عاماً)، طالبة الدراسات العليا في جامعة دمشق، قانون قيصر بأنه «وجه آخر للحرب». وتقول لوكالة الفرنسية: «عانينا كثيراً من العقوبات المفروضة حالياً، والتي تجددت وتتجدد، وتتسبب بشكل أو بآخر بارتفاع أسعار المواد التموينية». وتسأل: «لكن هل سنشهد هذه المرة ليالي باردة شتاءً وحارة صيفاً جراء انقطاع الكهرباء؟».
ولعل أكثر ما يثير خشية حسان توتنجي، مدير مستوصف في دمشق القديمة، هو أن تضع العقوبات «قيوداً على استيراد المعدّات والآلات التي يحتاج إليها أي مركز طبي والمواد الأولية الضرورية لصناعة الأدوية» في ظل شحّ عدد منها وارتفاع أسعارها مؤخراً.
وتستهدف العقوبات نفوذ إيران وروسيا في سوريا، في وقت تسعى الدولتان لتعزيز حضورهما في الاقتصاد وإعادة الإعمار. إلا أن النتائج قد لا تأتي على قدر آمال واشنطن نظراً لخبرة موسكو وطهران في الالتفاف على عقوبات اعتادتا عليها.
ولا يستبعد ديهينرت أن يكون «للإجراءات تأثير عكسي، إذ عبر إبعاد حركة الاستثمارات التقليدية، تُقلل الولايات المتحدة من التنافس على فرص الاستثمار في سباق تتفوق فيه روسيا وإيران أساساً».
أمّا لبنان، البلد الذي لطالما شكّل رئة سوريا خلال الحرب وممراً للبضائع ومخزناً لرؤوس أموال رجال أعمالها، فقد يشهد تدهوراً أكبر في اقتصاده المنهار أساساً إذا لم تستثنه العقوبات.
وتدرس لجنة وزارية تداعيات العقوبات على اقتصاد البلاد المنهك.
ويُرجّح أن تنعكس العقوبات، وفق ديهينرت، على عمل شركات البناء اللبنانية في السوق السورية وشركات النقل، عدا عن أن قدرة لبنان على تصدير المنتجات الزراعية عبر سوريا إلى الدول العربية ستصبح محدودة.
ويستنتج الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هيكو ويمان، أنّ القيام بأعمال تجارية مع سوريا «سيصبح أكثر صعوبة وخطورة، وبالتالي فإن احتمال أن يُدخل أي شخص أموالاً للاستثمار أو لأعمال تجارية سيتراجع وقد لا يكون ممكناً».



ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
TT

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)

دخلت مبادرة وساطة كينية - أوغندية على خط محاولات دولية وإقليمية لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا التي نشبت بعد مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض حكومة مقديشو.

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وهو ما رفضته الحكومة الصومالية بشدة.

وعلى هامش اجتماعات قمة رؤساء دول شرق أفريقيا بتنزانيا، أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو، السبت، «اعتزامه التوسط بمشاركة نظيره الأوغندي يوري موسيفيني، لحل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا». وقال في مؤتمر صحافي، إنه «سيبحث عقد قمة إقليمية تضم زعماء الدول الأربعة (كينيا وأوغندا والصومال وإثيوبيا)، لمعالجة التوترات في منطقة القرن الأفريقي».

وأشار روتو إلى أن «أمن الصومال يُسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة». لكن خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن «التدخل الكيني الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً، في ظل عدم استجابة أطراف الخلاف لهذا المسار حتى الآن، بالإضافة إلى عدم وجود دعم إقليمي ودولي».

ومنذ توقيع مذكرة التفاهم، حشد الصومال دعماً دولياً لموقفه ضد إثيوبيا؛ حيث وقّع في فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا، ووقّع مع مصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو. كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل بوصفه جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وهو ما أثار غضب إثيوبيا، التي اتهمت مقديشو «بالتواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة استقرار الإقليم».

والتقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مع نظيريه الكيني والأوغندي، على هامش اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث عن وساطة محتملة، نقلت «رويترز» عن وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، أن «القرارات السابقة التي اتخذها زعماء إقليميون لم تلق آذاناً مصغية في أديس أبابا»، مشيراً إلى أنه «يثق بأن جهود الوساطة الجارية من جانب تركيا ستكون مثمرة».

وكانت العاصمة التركية أنقرة قد استضافت جولات من الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، لإنهاء الخلاف بين البلدين، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) الماضي، غير أن المحادثات دون التوصل لاتفاق.

وبينما تنظر مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، إلى التدخل الكيني - الأوغندي بـ«إيجابية»، ترى أن «نجاح تلك الوساطة مرهون بأبعاد أخرى تتعلّق بأجندة تحرك الوسطاء ومواقفهم تجاه الخلاف القائم بين مقديشو وأديس أبابا».

وقالت إن «القضية مرتبطة بموقفَي كينيا وأوغندا من السلوك الإثيوبي تجاه الصومال، ومن وحدة الأراضي الصومالية، وإلى أي مدى تؤيّد أو تعارض الاعتراف الإثيوبي بإقليم (أرض الصومال)».

وتعتقد أماني الطويل أن «التحرك الكيني - الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً في حلحلة الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، لأن الخلاف بين الطرفين معقد»، مشيرة إلى أن «الإشكالية في نهج الدبلوماسية الإثيوبية التي تركز على أهدافها دون الوضع في الاعتبار الأمن والتعاون الإقليميين».

ورفض الصومال مشاركة إثيوبيا في البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام، وأمهل أديس أبابا حتى نهاية العام الحالي، لانسحاب قواتها من البعثة الحالية التي ستنتهي مهامها بنهاية العام الحالي، وقال وزير الخارجية الصومالي، إن «بلاده ستعد وجود قوات إثيوبيا بعد نهاية العام، احتلالاً لأراضيها».

وترى أماني الطويل أن «الوساطة التركية قد تكون أكثر تأثيراً في النزاع بين الصومال وإثيوبيا». وقالت إن «أنقرة لديها تفهم أكثر للخلاف. كما أنها ليست دولة جوار مباشر للطرفين، وبالتالي ليست لديها إشكاليات سابقة مع أي طرف».

وباعتقاد الباحث والمحلل السياسي الصومالي، نعمان حسن، أن التدخل الكيني - الأوغندي «لن يحقّق نتائج إيجابية في الخلاف الصومالي - الإثيوبي»، وقال إن «مبادرة الوساطة يمكن أن تقلّل من حدة الصراع القائم، لكن لن تصل إلى اتفاق بين الطرفين».

وأوضح حسن أن «أديس أبابا لديها إصرار على الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، عبر الصومال، وهذا ما تعارضه مقديشو بشدة»، مشيراً إلى أن «العلاقات الكينية - الصومالية ليست في أفضل حالاتها حالياً، على عكس علاقاتها مع إثيوبيا»، ولافتاً إلى أن ذلك «سيؤثر في مسار التفاوض». واختتم قائلاً: إن «نيروبي تستهدف أن يكون لها دور إقليمي على حساب الدور الإثيوبي بمنطقة القرن الأفريقي».