الحياد يخفف عن لبنان أكلاف «قانون قيصر»

واشنطن ستراقب رد الفعل الرسمي والشعبي على العقوبات المفروضة على دمشق

TT

الحياد يخفف عن لبنان أكلاف «قانون قيصر»

سأل مصدر سياسي يتموضع في منتصف الطريق بين الموالاة والمعارضة، كيف سيتعامل لبنان الرسمي والقوى السياسية، خصوصاً المشاركة في حكومة الرئيس حسان دياب مع «قانون قيصر» الأميركي الذي يدخل اليوم حيز التنفيذ ويرفع منسوب العقوبات المفروضة على النظام السوري؟ وهل سينأى بنفسه عن تداعياته السلبية على الوضع الداخلي، أم أنه سيبادر إلى التصرف حياله وكأنه يستهدفه، وبالتالي ستنسحب عليه هذه العقوبات؟
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن لبنان يدخل مع سريان تطبيق العقوبات على سوريا في مرحلة جديدة غير تلك التي كانت قائمة قبل وضعه على سكة التطبيق، ورأى أنه يجب على لبنان أن يتعاطى حيالها بحذر شديد لأنها تتزامن واستمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مالي لتمويل خطة التعافي لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي.
وعزا السبب إلى ما للإدارة الأميركية من نفوذ على صندوق النقد، وقال إن على قوى المعارضة أن تتعاطى بحيادية مع العقوبات حتى لو بادر محور «الممانعة» بقيادة «حزب الله» إلى التصدّي لها وأعلن انخراطه في الدفاع عن النظام السوري؛ لأنها تأتي في سياق الضغوط الأميركية على الرئيس بشار الأسد والنظام في إيران.
وقال المصدر، إن لا مصلحة للبنان الرسمي والأطراف السياسية في محور «الممانعة» أن يتصرف وكأنه في توأمة تجمعه بالنظام السوري يتقاسم معه الأضرار المترتبة على فرض «قانون قيصر»، ورأى أن من السابق لأوانه استقراء الموقف الرسمي من هذا القانون من دون أن يقلل من الموقف الذي أعلنه أمس الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله والذي يفرض عليه عدم الاستهانة به والتعاطي معه وكأنه لم يكن.
ولفت المصدر السياسي إلى أن لبنان الرسمي أكان على مستوى الحكم أو الحكومة لا يزال يلوذ بالصمت ويفضّل التريُّث إلى حين مقاربته لمضامين العقوبات الواردة في القانون، مع أن رد فعل الحكومة حين بادرت نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر إلى توزيع نسخة عنه على الوزراء اقتصر على ضرورة تجنُّب الآثار السلبية الناجمة عن بدء تنفيذه وقطع الطريق على أن يتضرر منها لبنان.
وقال إن الحكومة والحكم سيبادران إلى النظر في رزمة العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري للتأكد ما إذا كانت تشمل شراء الطاقة الكهربائية من سوريا لسد النقص الذي يعاني منه لبنان لتأمين تغذية عدد من المناطق بالتيار الكهربائي للحد من التقنين المفروض عليها.
واعتبر أن المجتمع الدولي أو بعضه على الأقل سيتفاعل إيجاباً مع رزمة العقوبات لما لواشنطن من تأثير على عدد من الدول الأوروبية والعربية، إضافة إلى المؤسسات والمنظمات الدولية، وقال إن الإدارة الأميركية ستراقب عن كثب رد فعل لبنان الرسمي والشعبي وأن لا مصلحة للمعارضة في أن تقدّم نفسها وكأنها وراء فرض هذه العقوبات.
وقال أن الموقف اللبناني على المستويين الشعبي والرسمي لن يقدّم أو يؤخّر في تطبيق العقوبات، وإن كان الأمر يتطلب من الحكومة ممارسة أقصى درجات الحذر وعدم تقديم نفسها على أنها جزء من مشروع العقوبات.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم