مصر وإثيوبيا والسودان تحسم اليوم مصير مفاوضات «سد النهضة»

القاهرة تشكو «تعنت» أديس أبابا... والأخيرة ترد برفض «المعاهدات الاستعمارية»

الإنشاءات مستمرة في «سد النهضة» رغم العثرات التي تعترض طريق المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان (أ.ف.ب)
الإنشاءات مستمرة في «سد النهضة» رغم العثرات التي تعترض طريق المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان (أ.ف.ب)
TT

مصر وإثيوبيا والسودان تحسم اليوم مصير مفاوضات «سد النهضة»

الإنشاءات مستمرة في «سد النهضة» رغم العثرات التي تعترض طريق المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان (أ.ف.ب)
الإنشاءات مستمرة في «سد النهضة» رغم العثرات التي تعترض طريق المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان (أ.ف.ب)

يلتقي وزراء المياه مصر وإثيوبيا والسودان، اليوم (الاثنين)، لحسم مصير مفاوضات «سد النهضة»، التي استؤنفت الأسبوع الماضي، بحضور مراقبين دوليين، غير أنها تواجه عثرات عدة. وقال المتحدث باسم وزارة الري والموارد المائية المصرية، محمد السباعي، لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده تواجه «تعنتاً إثيوبياً»، وإن اجتماع اليوم «سيتم خلاله تقييم مسار المفاوضات».
في المقابل، أصدرت إثيوبيا، أمس، بيانا رداً على التصريحات المصرية، مؤكدة أنها «ترفض الرضوخ للضغط عليها عبر معاهدات قديمة تعود لحقبة الاستعمار لم تكن طرفا فيها»، في إشارة لاتفاقيات تقدمها مصر لإثبات «حصتها التاريخية» في مياه نهر النيل، والتي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب.
ويوم الثلاثاء الماضي استأنفت الدول الثلاث محادثاتها عبر الفيديو كونفرانس، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا (رئيسة الاتحاد الأفريقي)، غير أن الخلافات ما زالت تهيمن على المحادثات، خاصة إزاء «المرجعية الأساسية» للقضايا محل النقاش.
وتسعى مصر، ومعها السودان، للتوصل إلى اتفاق شامل لملء وتشغيل السد، قبل بدء إثيوبيا ملء الخزان المقرّر في يوليو (تموز) المقبل. لكن المشاورات التي جرت بين الدول الثلاث، على مدار الأسبوع الماضي، عكست وجود العديد من القضايا الرئيسية «لا تزال محل رفض من الجانب الإثيوبي، وفي مقدمتها اعتراض إثيوبيا على البنود التي تضفي الصبغة الإلزامية قانوناً على الاتفاق، أو وضع آلية قانونية لفض النزاعات التي قد تنشب بين الدول الثلاث، بالإضافة إلى رفضها التام للتعاطي مع النقاط الفنية المثارة من الجانب المصري بشأن إجراءات مواجهة الجفاف والجفاف الممتد وسنوات الشح المائي»، بحسب بيان لوزارة الموارد المائية المصرية.
وتؤكد مصر، وفقا للبيان الصدر أول من أمس، «ضرورة تضمين الاتفاق هذه العناصر باعتبارها عناصر أساسية في أي اتفاق يتعلق بقضية وجود تمس حياة أكثر من مائة وخمسين مليون نسمة هم قوام الشعبين المصري والسوداني».
وعبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية المصرية، عن «عدم تفاؤله بتحقيق أي اختراق أو تقدم» في المفاوضات الجارية، بسبب ما وصفه بـ«استمرار التعنت الإثيوبي». وأوضح المتحدث أن بلاده «أبدت المزيد من المرونة خلال المباحثات وقبلت بورقة توفيقية أعدها السودان تصلح لأن تكون أساساً للتفاوض بين الدول الثلاث، بينما إثيوبيا تقدمت بمقترح مثير للقلق يتضمن رؤيتها لقواعد ملء وتشغيل السد»، مضيفا أنه «مخل من الناحيتين الفنية والقانونية».
واعتبر المتحدث، في بيان له، أن «المقترح الإثيوبي، الذي رفضته كل من مصر والسودان، يؤكد مجدداً على أن إثيوبيا تفتقر للإرادة السياسية للتوصل لاتفاق عادل حول سد النهضة ويكشف عن نيتها لإطلاق يدها في استغلال الموارد المائية العابرة للحدود دون أي ضوابط ودون الالتفات إلى حقوق ومصالح دول المصب التي تشاركها في هذه الموارد المائية الدولية».
وعدد أسباب رفض الطرح الإثيوبي، منها أنها تأمل أن يتم التوقيع على ورقة غير ملزمة تقوم بموجبها دولتا المصب بالتخلي عن حقوقهما المائية والاعتراف لإثيوبيا بحق غير مشروط في استخدام مياه النيل الأزرق بشكل أحادي وبملء وتشغيل سد النهضة وفق رؤيتها المنفردة، وإهدار كافة الاتفاقات والتفاهمات التي توصلت إليها الدول الثلاث خلال المفاوضات الممتدة لما يقرب من عقد كامل، بما في ذلك مفاوضات واشنطن التي أجريت مؤخراً بمشاركة الولايات المتحدة والبنك الدولي.
كما أن الورقة الإثيوبية، وفقا للمتحدث، «لا تقدم أي ضمانات تؤمن دولتي المصب في فترات الجفاف والجفاف الممتد ولا توفر أي حماية لهما من الآثار والأضرار الجسيمة التي قد تترتب على ملء وتشغيل سد النهضة».
واعتبرت مصر أن إثيوبيا تحاول «فرض الأمر الواقع على دولتي المصب... إرغام مصر والسودان إما على التوقيع على وثيقة تجعلهما أسرى لإرادة إثيوبيا، أو أن يقبلا بقيام إثيوبيا باتخاذ إجراءات أحادية كالبدء في ملء سد النهضة دون اتفاق مع دولتي المصب».
وسبق أن أعلنت وزارة الري السودانية أن الدول الثلاث «توافقت على معظم القضايا الفنية، عدا بعض التفاصيل المحدودة». وأشار البيان إلى تكليف السودان إعداد مسودة وثيقة توافقية جديدة بناءً على ملاحظات البلدان الثلاثة».
يأتي ذلك فيما أعلنت إثيوبيا أنها ستلتزم التزاما كاملا بقواعد تعبئة وتشغيل السد والتي ستوقعها مع دولتي المصب، وأكدت وزارة الموارد المائية الإثيوبية في بيان صحافي، أمس، أنه تم التوصل إلى تفاهمات بشأن المرحلة الأولى من تعبئة خزان سد النهضة وقواعد إدارة الجفاف، مشيرة إلى استمرار المفاوضات الثلاثية بشأن المبادئ التوجيهية والقواعد المتعلقة بالتعبئة الأولى.
وقالت وزارة الري الإثيوبية إنه ومع الاعتراف بالتقدم المحرز في الأيام السابقة للمفاوضات، فإنها تشدد على رفض أي محاولة لإرباك المجتمع الدولي، أو ممارسة أقصى ضغط على إثيوبيا لقبول المعاهدات التي ليست طرفا فيها، والتي تمس حقها المشروع في استخدام النيل الأزرق.
وجددت إثيوبيا «عدم اعترافها بالمعاهدات الاستعمارية لتحد من حقها في استخدام مياه النيل الأزرق. وذكرت وزارة الري الإثيوبية، في بيانها، أن «الاتفاق الذي نسعى لإبرامه سيستند فقط لإعلان المبادئ الذي تم توقيعه في مارس (آذار) 2015».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم