إليوت: بدأت بمحاكاة رباعيات الخيام... وباوند حذف كثيراً من «الأرض اليباب»

رأى أن في فترته لم يكن هناك شعراء مهمون أحياء

إزرا باوند
إزرا باوند
TT

إليوت: بدأت بمحاكاة رباعيات الخيام... وباوند حذف كثيراً من «الأرض اليباب»

إزرا باوند
إزرا باوند

من حوار نشرته مجلة «باريس ريفيو» عام 1959 مع ت. س. إليوت، الشاعر والناقد الأنغلو أميركي المعروف والحاصل على جائزة «نوبل» عام 1948. الحوار أعادت المجلة نشره ضمن كتاب صدر عام 2006. أجرى الحوار الشاعر والناقد الأميركي دونالد هول (ت. 2018)، الذي كان أول محرر للشعر في «باريس ريفيو»، وذلك في شقة الناشرة لويس هنري كون بنيويورك بحضور زوجة إليوت. كان الزوجان عائدين من إجازة في جزر البهاماز وفي طريقهما إلى لندن.
يتضمن الحوار إشارة إلى دور الشاعر والناقد الأميركي إزرا باوند في تطور شعر إليوت، ولكن تلفت النظر أيضاً علاقة إليوت المبكرة، وغير الشائعة عند نقاده في الغرب، برباعيات عمر الخيام، كما أشاعها في اللغة الإنجليزية مترجم «الرباعيات» الإنجليزي روبرت فيتزجيرالد في القرن التاسع عشر.
> المحاور: لعله يمكنني البدء من البدايات. هل تذكر الظروف التي بدأت فيها تكتب الشعر في سانت لويس (عاصمة ولاية ميسوري) حين كنت صبياً؟
- إليوت: بدأت في اعتقادي عند الرابعة عشرة من عمري أكتب، بإلهام من «عمر الخيام» لفيتزجيرالد، عدداً من الرباعيات الكئيبة والملحدة واليائسة بالأسلوب نفسه. حجبتها تماماً لحسن الحظ - تماماً إلى درجة أنها لم تعد موجودة. لم أرِها لأي شخص. القصيدة الأولى التي ظهرت هي قصيدة نشرت أولاً في «سجل أكاديمية سميث»، وبعد ذلك في (صحيفة) «هارفرد أدفوكيت»، التي كتبت على أنها تمرين طلبه معلم الإنجليزية، وكانت محاكاة لبن جونسون (الشاعر الإنجليزي من القرن السادس عشر). رآها جيدة جداً بالنسبة لصبي في الخامسة أو السادسة عشرة. بعد ذلك كتبت القليل في هارفرد، فقط ما يكفي لكي أنتخب للتحرير في صحيفة «هارفرد أدفوكيت»، التي استمتعت بها. ثم عشت انفجاراً أثناء سنواتي الأولى والأخيرة في الجامعة. صرت أكثر إنتاجاً، تحت تأثير بودلير، وبعد ذلك (الشاعر الفرنسي الآخر) جول لافورغ، الذي اكتشفته في سنواتي الأولى في هارفرد.
> المحاور: هل كنت أثناء سنواتك الجامعية تدرك الحضور المهيمن لأي شعراء أكبر سناً؟ اليوم يكتب الشاعر الشاب في عصر إليوت وباوند وستيفنز. هل تتذكر كيف كنت ترى العصر من الناحية الأدبية؟ أتساءل عما إذا كان وضعك مختلفاً جداً؟
- إليوت: أعتقد أنه لحسن الحظ لم يكن هناك شعراء أحياء في إنجلترا أو أميركا يمكن أن يكونوا ذوي أهمية خاصة للمرء. لا أدري كيف كان الوضع سيكون، ولكني أعتقد أن انشغالاً مزعجاً كان سيحدث لو أن عدداً من المهيمنين، كما تسميهم، كانوا حاضرين. لحسن الحظ أننا لم يهتم أحدنا بالآخر.
> المحاور: هل كان هناك أصدقاء قرأوا قصائدك وساعدوك؟
- إليوت: نعم، كان هناك صديق لأخي، رجل اسمه توماس هـ. توماس يسكن في كيمبرج، ورأى بعض قصائدي في «هارفرد أدفوكيت». كتب لي رسالة مملوءة بالحماسة انتشيت بها. أتمنى لو أنني ما زلت أحتفظ بالرسالة. كنت ممتناً له لمنحي ذلك التشجيع.
> المحاور: أعرف أن كونراد أيكن هو الذي عرفك بباوند.
- إليوت: نعم هو. كان أيكن صديقاً بالغ الكرم. حاول أن يعطي قصائدي في لندن، حين كان هناك ذات صيف، لهارولد مونرو وآخرين. لم يهتم أحد بنشرها. أعادها إليَّ. بعد ذلك في 1914، كما أعتقد، كنا معاً في لندن في الصيف. قال: اذهب أنت إلى باوند. اعرض عليه قصائدك. كان يعتقد أن باوند سيعجب بها. أيكن أحبها، مع أنها كانت مختلفة جداً عن قصائده.
> المحاور: هل تذكر الظروف المحيطة بلقائك الأول بباوند؟
- إليوت: أظن أنني ذهبت لزيارته أولاً. أظن أنني تركت انطباعاً جيداً، في غرفة جلوسه الصغيرة المثلثة. قال: أرسل لي قصائدك. وكتب لي بعدها: هذا من أفضل ما قرأت. تعال لنتحدث. بعد ذلك أرسلها إلى (الشاعرة الأميركية ومحررة مجلة «شعر») هارييت مونرو، الأمر الذي استغرق بعض الوقت.
> المحاور: ذكرت في نص منشور أن باوند اختصر «الأرض اليباب» من أصلها الأطول بكثير إلى شكلها الحالي. هل أفدت من نقده لقصائدك بصفة عامة؟ هل اختصر قصائد أخرى؟
- إليوت: نعم. في تلك الفترة، نعم. كان ناقداً رائعاً لأنه لم يردك أن تكون نسخة منه. حاول أن يرى ما كنت تريد فعله.
> المحاور: هل ساعدت أياً من أصدقائك بإعادة كتابة قصائدهم؟ قصائد باوند، مثلاً؟
- إليوت: لا أستطيع تذكر أي حالات كهذه. بالتأكيد قدمت اقتراحات لا حصر لها على مخطوطات لشعراء شبان في الخمسة وعشرين عاماً الماضية.
> المحاور: هل النسخة الأصلية غير المختصرة من «الأرض اليباب» موجودة؟
- إليوت: لا تسألني. هذه من الأشياء التي لا أعرف عنها شيئاً. إنها حكاية غامضة. بعتها لجون كوين. وأعطيته أيضاً دفتر ملاحظات فيه قصائد لم تنشر، لأنه كان لطيفاً معي في عدة أمور. تلك كانت آخر مرة أسمع عنها. ثم توفي ولم تظهر ضمن المبيعات.
> المحاور: ما الذي حذفه باوند من «الأرض اليباب»؟ هل حذف مقاطع بأكملها؟
- إليوت: نعم مقاطع بأكملها. كان فيها مقطع طويل عن غرق سفينة. لا أدري ما علاقة ذلك بأي شيء آخر، لكنه كان مستوحى من فصل «يوليسيس» في «الجحيم» (لدانتي)، كما أظن. كما كان هناك مقطع آخر كان محاكاة (لقصيدة أليكساندر بوب) «اغتصاب الضفيرة». قال باوند: إنه لا فائدة من محاولة فعل ما فعله الآخرون من قبل بالمستوى نفسه من الجودة. اصنع شيئاً مختلفاً.
> المحاور: هل غيّر الحذف البنية الفكرية للقصيدة؟
- إليوت: لا. أعتقد أنها كانت بالقدر نفسه من غياب البنية، فقط كانت أكثر لا جدوى، من النسخة الأطول.
> المحاور: لدي سؤال حول القصيدة يتعلق بكتابتها. في (كتاب) «أفكار حول لامبث» أنكرت اتهامات النقاد الذين قالوا إنك عبرت عن «خيبة أمل جيل» في «الأرض اليباب»، أو إنك أنكرت أن ذلك كان قصدك. (الناقد الإنجليزي) ف. ر. ليفيز، كما أظن، قال إن القصيدة لا تنمو؛ ومع ذلك، من ناحية أخرى، وجد بعض النقاد المحدثين، الذين كتبوا عن شعرك الأخير، «الأرض اليباب» مسيحية. أتساءل إن كان ذلك جزءاً مما قصدت؟
- إليوت: لا، لم يكن جزءاً من أي قصد واعٍ. أعتقد أنني في «أفكار حول لامبث» كنت أتحدث عن النوايا بطريقة سلبية أكثر مما هي إيجابية، وأنا أتحدث عما لم أقصده. إنني أتساءل ماذا يعني «القصد»! يود المرء أن يخرج شيئاً من صدره. لا يدري المرء بالضبط ما الذي يود أن يخرجه من صدره إلى أن يخرجه. لكن ليس بإمكاني أن أوظف كلمة «قصد» بإيجابية في أي من قصائدي. أو في أي قصيدة أخرى.
> المحاور: لدي سؤال آخر حول حياتكما المبكرة، أنت وباوند. قرأت في مكان ما أنكما قررتما، في فترة المراهقة، أن تكتبا رباعيات، لأن الشعر الحر وصل حد الإفراط؟
- إليوت: أظن أن ذلك ما قاله باوند. واقتراح كتابة رباعيات كان اقتراحه. جعلني أقرأ (قصيدة الشاعر الفرنسي غوتييه) «زخرفات ونقوش».
> المحاور: أتساءل عن آرائك حول علاقة الشكل بالمضمون. هل كنت في تلك الفترة ستختار الشكل لأنك كنت تدري بالضبط ما كنت ستكتب فيه؟
- إليوت: نعم، إلى حد ما. يدرس المرء الأعمال الأصلية. درسنا قصائد غوتييه وخطر ببالنا عندئذٍ: أليس لدي ما يصلح قوله في هذا الشكل؟ فجربنا. منحَنا الشكلُ الحافزَ إلى المحتوى.



أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد. كشفت أعمال التصنيف العلمي الخاصة بهذه اللقى عن مجموعة من القطع العاجية المزينة بنقوش تصويرية، منها عدد كبير على شكل أسود تحضر في قالب واحد جامع. كذلك، كشفت هذه الأعمال عن مجموعة من القطع المعدنية النحاسية المتعدّدة الأحجام والأنساق، منها 4 قطع على شكل أسود منمنمة، تحضر كذلك في قالب ثابت.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وتنقسم حسب نقوشها التصويرية إلى 3 مجموعات، فمنها ما يمثّل قامات أنثوية، ومنها ما يمثّل قامات آدمية مجرّدة يصعب تحديد هويتها الجندرية، ومنها ما يمثّل بهائم من الفصيلة السنورية. تزين هذه البهائم قطع يتراوح حجمها بين 3 و4.5 سنتيمترات عرضاً، حيث تحضر في تأليف تشكيلي ثابت، مع اختلاف بسيط في التفاصيل الجزئية الثانوية، ويوحي هذا التأليف بشكل لا لبس فيه بأنه يمثّل أسداً يحضر في وضعية جانبية، طوراً في اتجاه اليمين، وطوراً في اتجاه اليسار. يغلب على هذا الأسد الطابع التحويري الهندسي في تصوير سائر خصائصه الجسدية، من الجسم العضلي، إلى الرأس الكبير، إلى الأرجل الصغيرة. نراه فاتحاً شدقيه، رافعاً قائمتيه الأماميتين، وكأنه يستعدّ للقفز، ويظهر ذيله من خلفه وهو يلتف ويمتد إلى أعلى ظهره.

ملامح الوجه ثابتة لا تتغيّر. العين دائرة كبيرة محدّدة بنقش غائر، يتوسّطها ثقب يمثّل البؤبؤ. الأذنان كتلتان مرتفعتان عموديتان، والأنف كتلة دائرية موازية. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان في بعض القطع عن أسنان حادة مرصوفة بشكل هندسي. تحدّ الرأس سلسلة من النقوش العمودية المتوازية تمثل اللبدة، وهي كتلة الشعر الكثيف الذي يغطي الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة، تعلوها سلسلة من النقوش الغائرة تمثل الفراء. يتبنى تصوير القائمتين الخلفيتين نسقين متباينين؛ حيث يظهر الأسد جاثياً على هاتين القائمتين في بعض القطع، ومنتصباً عليها في البعض الآخر. في المقابل، تظهر القائمتان الأماميتان ممدّدتين أفقياً بشكل ثابت. أرجل هذه القوائم محدّدة، وهي على شكل كف مبسوطة تعلوها سلسلة من الأصابع المرصوفة. الذيل عريض للغاية، وتعلو طرفه خصلة شعر كثيفة تماثل في تكوينها تكوين أرجله.

عُثر على سائر هذه القطع العاجية في قبور حوت مجموعة كبيرة من اللقى شكّلت في الأصل أثاثها الجنائزي. للأسف، تبعثر هذا الأثاث، وبات من الصعب تحديد موقعه الأصلي. كانت القطع العاجية مثبّتة في أركان محدّدة، كما تؤكد الثقوب التي تخترقها، غير أن تحديد وظيفتها يبدو مستحيلاً في غياب السند الأدبي الذي من شأنه أن يكشف عن هذه الوظيفة الغامضة. تحضر الأسود إلى جانب القامات الآدمية، والأرجح أنها تشكّل معاً علامات طوطمية خاصة بهذه المدافن المحلية.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية

إلى جانب هذه القطع العاجية، يحضر الأسد في 4 قطع معدنية عُثر عليها كذلك ضمن أثاث جنائزي مبعثر. تعتمد هذه القطع بشكل أساسي على النحاس، وهي قطع منمنمة، تبدو أشبه بالقطع الخاصة بالحلى، واللافت أنها متشابهة بشكل كبير، ويمكن القول إنها متماثلة. حافظت قطعتان منها على ملامحها بشكل جلي، وتظهر دراسة هذه الملامح أنها تعتمد نسقاً مميزاً يختلف عن النسق المعتمد في القطع العاجية، بالرغم من التشابه الظاهر في التكوين الخارجي العام. يحضر هذا الأسد في كتلة ناتئة تبدو أشبه بالقطع المنحوتة، لا المنقوشة، ويظهر في وضعية جانبية، جاثياً على قوائمه الـ4، رافعاً رأسه إلى الأمام، ويبدو ذيله العريض في أعلى طرف مؤخرته، ملتفاً نحو الأعلى بشكل حلزوني. العين كتلة دائرية ناتئة، والأذن كتلة بيضاوية مشابهة. الفكان مفتوحان، ممّا يوحي بأن صاحبهما يزأر في سكون موقعه. اللبدة كثيفة، وتتكون من 3 عقود متلاصقة، تحوي كل منها سلسلة من الكتل الدائرية المرصوفة. مثل الأسود العاجية، تتبنى هذه الأسود المعدنية طابعاً تحويرياً يعتمد التجريد والاختزال، غير أنها تبدو أقرب من المثال الواقعي في تفاصيلها.

يظهر هذا المثال الواقعي في قطعة معدنية من البرونز، مصدرها موقع سمهرم، التابع لمحافظة ظفار، جنوب سلطنة عُمان. عُثر على هذه القطعة في ضريح صغير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، واللافت أنها وصلت بشكلها الكامل، وتتميز بأسلوب يوناني كلاسيكي يتجلّى في تجسيم كتلة الجسم وسائر أعضائها. يظهر الأسد واقفاً على قوائمه الـ4، مع حركة بسيطة تتمثل في تقدم قائمة من القائمتين الأماميتين، وقائمة من القائمتين الخلفيتين، وفقاً للتقليد الكلاسيكي المكرّس. يحاكي النحات في منحوتته المثال الواقعي، وتتجلّى هذه المحاكاة في تجسيم مفاصل البدن، كما في تجسيم ملامح الرأس، وتبرز بشكل خاص في تصوير خصلات اللبدة الكثيفة التي تعلو كتفيه.

يبدو هذا الأسد تقليدياً في تكوينه الكلاسيكي، غير أنه يمثّل حالة استثنائية في محيطه، تعكس وصول هذا التقليد في حالات نادرة إلى عمق شمال شرقي شبه الجزيرة العربية.