كيف غيّر «كورونا» قواعد لعبة «الإنفلونسرز»؟

كيف غيّر «كورونا» قواعد لعبة «الإنفلونسرز»؟
TT

كيف غيّر «كورونا» قواعد لعبة «الإنفلونسرز»؟

كيف غيّر «كورونا» قواعد لعبة «الإنفلونسرز»؟

حتى وقت قريب، كان أسلوب حياة من يعرفون باسم «المؤثرين» (Influencers) على الإنترنت يسير على ما يرام بميزانيات هائلة وأسلوب حياة مرفه يذهب معه أصحابه إلى مواقع خلابة لتصوير لقطات إعلانية للملايين من متابعيهم، ويحصلون مقابل ذلك على ملايين أخرى من الدولارات في حساباتهم؛ هذه المعادلة تحطمت تماماً بعد وصول فيروس «كوفيد-19»، وفتكه بعشرات الآلاف من البشر حول العالم.
من ناحية، تقلصت ميزانيات الإعلان بشكل كبير، خصوصاً أن الأغلبية كانت مقيدة بالبقاء في المنازل. كما أن قدرات الأشخاص على الإنفاق تراجعت بشكل كبير، مع فقدان الوظائف بالجملة. أيضاً، توقفت تماماً رحلات السفر الجوي التي كان «المؤثرون» يعتمدون عليها في تصوير لقطاتهم في أجواء خلابة. وأخيراً، اكتشفت الشركات أن استمرار النمط السابق في تسويق منتجاتها وخدماتها عبر «المؤثرين» قد يأتي بنتائج عكسية، حيث نفسية المستهلك المقيد في منزله لم تعد تحتمل رؤية آخرين في مواقع طبيعية ساحرة بينما هو لا يستطيع أن يقضي عطلة هذا الصيف في أي موقع.
لم تعد الشركات راغبة في رعاية «مؤثرين» أو غيرهم حتى تنزاح غمة هذا الفيروس. وقد تعرضت آخر حملة لـ«مؤثرة» مشهورة إلى ردود فعل سلبية من المتابعين بعد لقطات في حمام سباحة ساحلي في جزيرة بالي لعرض ملابس بحر لموسم الصيف، وهي تقول لمتابعيها إنها تراعي التباعد الاجتماعي حتى في هذا الموقع. وتعرض الإعلان لمئات من الانتقادات اللاذعة، مما دعا الشركة المعلنة لوقف الإعلان.
ويعترف معظم «المؤثرين» أن نشاطهم مجمد حالياً، وأن حصيلة دخلهم الشهري تراجعت بنسب وصلت إلى 95 في المائة على الأقل. واعترف بعضهم بهجرة هذا النشاط إلى مجالات أخرى تغطي تكاليف معيشتهم.
ولكن متاعب «المؤثرين» لم تبدأ مع «كوفيد-19»، فمن قبل انتشار الفيروس كانت الجهات المشرفة في بريطانيا تنظر في تنظيم هذا المجال، وتحديد قواعد وشروط الإعلان على الإنترنت. فهناك الآلاف الذين يتبعون توصيات وتسويق «المؤثرين» على أساس أنها نصائح محايدة مجربة، إلا أن ما لا يعرفونه أن «المؤثرين» يتقاضون في بعض الحالات أموالاً أو هدايا أو تخفيضات خاصة من الشركات لقاء النصائح التي يوجهونها إلى متابعيهم، وهو ما يعد إعلانات مدفوعة يجب الإفصاح عنها.
ومن الجهات المعنية بهذا الخلط بين النصائح المجانية والإعلانية هيئة الإشراف على مستويات الإعلان (ASA)، وهيئة الأسواق والمنافسة (CMA). وقد أصدرت الهيئتان قواعد التعامل الخاصة من «المؤثرين» لا بد من الالتزام بها عند الكتابة على الإنترنت لمتابعيهم. وجاءت هذه الخطوة بعد التطور الذي حدث في مجال التواصل الاجتماعي وتقنيات الإنترنت والهاتف الجوال في السنوات الأخيرة.
وتشير هيئات الرقابة إلى أنه عندما يتلقى «المؤثر» حوافز مالية أو نوعية من شركات أو علامات تجارية معينة، فإنه يصبح مسؤولاً أمام هيئات الرقابة الإعلانية، ولا بد للمستهلك أن يكون على علم تام بأن المادة التي تبث إليه هي مادة إعلانية، وليست رأياً مستقلاً. وإذا لم يوضح «المؤثر» الجوانب الإعلانية في رسائله وتعليقاته على الإنترنت، فإنه يصبح مسؤولاً أمام الجهات الرقابية، وقد يتعرض للمساءلة والغرامة. وهناك كثير من الحالات التي أصبحت قضايا شهيرة في عالم «المؤثرين» يمكن عدها نموذجاً لما قد يحدث في حالة عدم الإفصاح عن المحتوى الإعلاني.
ولا تكتفي هيئة «CMA» الحكومية البريطانية بتلقي الشكاوى من المستهلكين بشأن المواد الإعلانية المخالفة، بل تقوم بتحقيقات ميدانية للكشف عن حالات التلاعب في الرسائل المنشورة على الإنترنت. وشمل أحد التحقيقات المشاهير أيضاً، إلى جانب «المؤثرين». ويمكن للهيئة أن تطبق القانون على المخالفين، ولكنها في معظم الحالات تكتفي بمنع الإعلانات المخالفة أو المتخفية في صيغة توصيات شخصية من المؤثرين، وتحذر المخالفين برفعها وعدم تكرارها. وتعد قواعد النشر من «المؤثرين» على وسائل التواصل الاجتماعي أن عدم الإفصاح عن الصفة الإعلانية للمحتوي هو أمر غير قانوني، ولا بد من وجود كلمة «إعلان» فوق النص لتعريف المستهلك بأن المادة المنشورة مدفوعة من الشركة المنتجة أو برعايتها، ولا يسمح باستخدام عبارات تحايل على المستهلك مثل «بالتعاون مع» أو «شكراً لشركة كذا».
وتنظر هيئات الرقابة إلى الوضع الحالي بجدية نظراً لأن آلاف المتابعين لـ«المؤثرين» يستشيرونهم أحياناً حول أفضل وجهات السفر أو أفضل المطاعم أو المشتريات المفضلة. وإذا لم يتم التوضيح بأن المادة المنشورة مدفوعة الأجر، فسوف يكون ذلك بمثابة خداع للمستهلكين. فالثقة الموضوعة في المنتجات على أساس أنها مفضلة من «المؤثرين» لن تكون في موضعها مع منتج له إعلان مدفوع بغرض ترويجه.
«المؤثرون» الآن ملزمون بالتقيد بالقواعد الجديدة وإلا تعرضوا إلى وقف كل منشوراتهم على الإنترنت بقوة القانون. ويعتقد «المؤثرون»، من ناحيتهم، أن المسألة غير خطيرة لأن الأبحاث تثبت أن وضع كلمة «إعلان» فوق بعض ما ينشرونه لا يحد من تأثيره على المتابعين، كذلك يعتقدون أن العلاقة بينهم وبين متابعيهم تعتمد على الثقة والشفافية، ولذلك فإن توضيح طبيعة المادة الإعلانية مفيد لكل الأطراف.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.