تكريم فردوسي في أعمال شيرين نشأت لا يتناسب وما قاله عن العرب

مضمون معرض المصوّرة الإيرانية فات الهيئة المستضيفة

غلاف إحدى طبعات «شاهنامه» لفردوسي  -  تمثال فردوسي في إحدى الساحات بطهران  -  من رسومات الكتاب
غلاف إحدى طبعات «شاهنامه» لفردوسي - تمثال فردوسي في إحدى الساحات بطهران - من رسومات الكتاب
TT

تكريم فردوسي في أعمال شيرين نشأت لا يتناسب وما قاله عن العرب

غلاف إحدى طبعات «شاهنامه» لفردوسي  -  تمثال فردوسي في إحدى الساحات بطهران  -  من رسومات الكتاب
غلاف إحدى طبعات «شاهنامه» لفردوسي - تمثال فردوسي في إحدى الساحات بطهران - من رسومات الكتاب

تستضيف العاصمة القطرية الدوحة، حاليا، معرضا للمصوّرة الإيرانية الأميركية شيرين نشأت، المولودة بمدينة قزوين عام 1957، تحت عنوان «ما بعد»، تستلهم فيه الفنانة صورا من ملحمة «شاهنامه» (كتاب الملوك) الفارسية التي نظمها شعرا فردوسي في العصر العباسي المتأخر معظّما فيها مآثر ملوك الفرس ويندب حظ من سقط منهم على أيدي الفاتحين العرب المسلمين.
شيرين نشأت، التي درسـت الفن في الولايات المتحدة وتقيم وتعمل في نيويورك، وهي تحمل «جدول أعمال سياسيا»، إلى جانب نزعتها النسوية في فضح الواقع المزري الذي تعيشه المرأة في إيران في ظل هـيمنة ذكورية، ولا تزال شيرين نشأت مسلحة بذلك اليقين القومي الفارسي القديم.
وإن كانت حصلت على «جائزة الأسد الذهبي» في مهرجان البندقية السينمائي في إيطاليا اعترافا بانتقالها من عالم التصوير إلى عالم السينما، فإن معرض «ما بعد» يظهر بوضوح تأثرها بنشر ما تحويه روح «شاهنامه» من شعور الفرس القومي إزاء العرب ومنها إشارات كثيرة مسيئة لهم، ولقد تجاوز مهاجمة التضييق على المرأة، ليصل إلى استنهاض ماضي بلاد فارس وتلقينه لمن يجهله.
وهكذا، غيّب عرضها للفن المعاصر عن مستضيفيها رؤية غايتها الاستعلائية «من أنتم» التي ترمي إليها والإعراب عنها عبر فكر فردوسي وعمله، وهي هذه المرة تبلغ غاية سياسية دوافعها تحتقر العرب في أرضهم جهارا نهارا وبرضاهم.
لقد كتبت قبلها ومثلها الإمبراطورة فرح ديبا، زوجة الشاه محمد رضا بهلوي، آخر شاهات إيران، في كتاب مذكراتها Enduring Love «الحب الصامد» الصادر في نيويورك عام 1987، ما يلي: «يذكر جيلي من التلاميذ الصغار اكتشافهم تعلّقهم بأوطانهم من خلال الصفحات المبهرة لملحمة «الشاهنامه» (كتاب الملوك) لأعظم شعرائنا فردوسي، ومعه الهتاف المستمر لشخصية إيران وعزّتها، لقد تعلمت الشغف بفردوسي في المدرسة وكنت أقرأ مع ابن عمي رضا «الشاهنامه» التي تخلّد الملاحم القصصية لمؤسسي إيران والسلالات الـ4. وبعد مرور 10 قرون ما زالت قوة شعر فردوسي وبلاغته وجماله تبث في الحياة ومحافظة على الشخصية الوطنية لإيران».
والحقيقة أن «شاهنامه» وفردوسي مَدينان بمكانتهما المركزية في إذكاء الشعور القومي والعصبية الإيرانية حاليا لرضا عباس قلي (رضا شاه لاحقا) وابنه وخلفه بين 1925 و1979. ذلك أن رضا تأثر بـ«شاهنامه» ومضمونها القومي، فنبش تاريخ مؤلفها المُهمَل وجعل منه منهاجا لتعليم الجيل الجديد وتنشئتهم تنشئة قومية وطنية بعدما تسلّم مقاليد الحكم المطلق. ولقد سارع إلى نشر آثار فردوسي، والبحث عن قبره في بلدة طوس التي هي اليوم جزء من مدينة مشهد، عاصمة إقليم خراسان، ومن ثم شيّد له ضريحا فخما وأقام حفل تدشين كبيرا حضره شخصيا يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول) 1934 امتدت لأكثر من أسبوعين، كما أقام ندوة عالمية في طهران بمناسبة الذكرى الألفية لمولده، وأطلق اسمه على أهم شوارع المدينة الرئيسية ونصب في وسط ميدانه تمثالا له.
ولد فردوسي عام 940م - 329هـ وكان أبوه من الدهاقين من أصحاب الأراضي، وقد التحق بخدمة السلطان محمود الغزنوي (967 – 1030) «فاتح الهند» الذي امتدت سلطته من قزوين (بشمال غربي إيران اليوم) حتى شرق دلهي بشمال الهند، وجمع بلاطه في غزنة (بأفغانستان) العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين، ومنهم: أبو ريحان البيروني، والشاعر أبو نصر أحمد بن منصور الطوسي مؤلف ملحمة «كشتاسب نامه»، وكتاب «فرهناك أسدي»، وهو أستاذ فردوسي. وتذكر المراجع أن السلطان محمود قد كلّف الطوسي بكتابة «شاهنامه» لكن الأخير اعتذر بكبر سنه واعتلال صحته، وأوكل الطوسي المهمة لفردوسي، ولكن تحت إشرافه، وعند اقتراب فردوسي من إنجاز العمل عجز عن ذلك فتوسّل إلى أستاذه الطوسي كي يسعفه، فساعده بإكمال الجزء الأخير، وكان عدد الأبيات قد فاق الـ4 آلاف بيت من الشعر.
وللعلم، لم يُشتهر لفردوسي سوى «شاهنامه» التي تضم سيَر 50 ملكا بينهم 3 ملكات، ولقد بدأ بكتابتها بالبهلوية والفارسية في سن الـ40 وفرغ منها بعد 30 سنة، ويذكر أنها تسجيل شعري يبلغ 50 ألف بيت من الرباعيات لم يستعمل فيها أو يستعن فيها بلغة قرآنية أو إشادة إسلامية رغم كونه من أتباع الإسلام، كما لم يستعمل التقويم الإسلامي – الشائع حينذاك استخدامه – ككتّاب التاريخ في زمانه كالطبري والمسعودي وغيرهما، بل تجاهل كل ما يمتّ إلى الإسلام بصلة. وفي هذا دليل على ضعف إيمانه، بل يمكن اعتبار ملحمته الشعرية بداية الهجمة على العرب معتقَدا وسياسة وثقافة، وهو ما يثبته قوله مثلا عن حالة إيران: «العقيدة قد أعدمت وكسرى نُحر وأخذوا الحكم من الأكاسرة ليس بالشجاعة ولكن بالخديعة، وبها استولوا عليه (أي الحكم) وبالقوة أخذوا زوجات الرجال والغنائم والبساتين، فتصوّر البشاعة التي حملها هؤلاء الأوغاد إلى العالم وهي بشاعة لا مثيل لها، هؤلاء العرب العراة جعلوا عالمنا يغادر وكل ما أراه نماذج من الفاقة».
ومن يقرأ «شاهنامه» بمعرفة ودراية يجد أنها تعج بأساطير وخيال وتناقضات مزجت الحقائق بالأكاذيب، وهي في مجملها نتاج تفكير منزوٍ ومأزوم، زادته المبالغة المفرطة بكره الإسلام والعرب، كان بعمله مثل كيسان الكاتب، كما وصفه الجاحظ: «يكتب غير ما يسمع ويقول غير ما يكتب ويستملي غير ما يقرأ ويملي غير ما يستملي».
وما هو جدير بالذكر ذلك الجزء الذي كتبه في وصف رسالة رستم إلى سعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - وفيها يحقّر العرب على وضاعة أصلهم ودناءة معيشتهم ورثّ ثيابهم، ويحذّرهم من نيل القصاص، متباهيا بغنى الفرس وملوكهم وسيطرتهم على سائر الأمم، فيقول بالفارسية:
«زشير شترخوردن وسوسمار
عرب رابجائي رسيداست كار
كه تاج كيان راكند آروز
تفو باد بر جرخ كردون تفو»
وترجمتها إلى العربية:
«بلغ الأمر بالعرب بعد شرب حليب النوق وأكل الضباب أنهم صاروا يتمنّون تاج كسرى. ألا بصقا عليك أيها الفلك الدوّار».
وحقا، لا تزال «شاهنامه»، إلى يومنا هذا الهدية التي يقدّمها كبار المسؤولين في جمهورية إيران الإسلامية!! لمن يلتقونه في حلّهم وترحالهم، ولا فرق في ذلك بين ماضٍ غابر وحاضر عابر.



عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»
TT

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

بأسلوب شيّق، وحبكات متتالية، يسرد عبد الرحمن شلقم المسار الاستثنائي للقائد العسكري الإيطالي أميديو جوليت، الذي عرف ببطولاته، وانتصاراته، وشجاعته، وطارت شهرته، حتى صارت تفاصيل حياته مجالا للبحث والاهتمام.

يعيدنا وزير خارجية ليبيا السابق، في روايته الجديدة «القائد العاشق المقاتل»، الصادرة عن «دار الرواد للنشر والتوزيع» إلى فترة تاريخية، كان لا يزال للفروسية فيها دور بارز في قيادة المعارك، وللشهامة قيمة أخلاقية. تحكي الرواية سيرة مقاتل ليست ككل السير، حيث تختلط السياسة بالحب، والتاريخ بالمزاج الشخصي، والحكمة بالجسارة، والقتال بعشق الشرق وشغف المعرفة.

لم يكن أميديو مجرد قائد تقليدي، فبفضل شخصيته المتوثبة والكاريزما التي تمتع بها، وحبه للثقافات، أصبح صديقاً للعرب، يلبس على شاكلتهم، يتكلم لغتهم، يستمتع بشعرهم، يأنس لمجالسهم. وحين أنهى مهمته العسكرية عاد إليهم دبلوماسياً نشطاً، وسائحاً هائماً.

«القائد الشيطان»

تقول الرواية: «عشق أميديو السلاح كما عشق المرأة»، وتلك عبارة مفتاح، إذ تنسج الرواية خيوطها، بهذا الجانب الرومانسي للقائد المقدام الذي تقترن بطولاته بغرام دائم، وعشق لا ينقطع. ويتنقل القارئ بين الأحداث السياسية وشراسة الأطماع الاستعمارية، وحكايات أميديو مع عشيقاته اللواتي شغلن الجزء الذي لم تملأه الحروب من يومياته.

«القائد الشيطان»، هذا هو لقبه، الذي استحقه عن جدارة. فبعد أن خاض أميديو الحرب الأهليّة الإسبانيّة إلى جانب قوات الملكيّين قادته ظروف الحرب إلى ليبيا. وأضافت لتكتيكاته الفريدة في مقارعة أعدائه، حيث واجه البريطانيين، وحارب المقاومة الليبية، عاش قصة حب حارقة مع ممرضته الليبية اليهودية التي أنسته كل ما عداها، تعرف إليها أثناء علاجه في مستشفى في طرابلس، من إصابة تعرض لها. نعيش مع العقيد أميديو لحظات تحرّقه وعشقه لريزا بـ«قوامها الممشوق ووجهها الأبيض الوضاء وعينيها الواسعتين وهي تقدم له حبات الدواء وتصير صباح الشفاء والسعادة». ثم بعد ذلك، نكابد معه فراق ريزا، واختفاءها تحت وطأة تهديد النازيين لها ولعائلتها ولملتها، ومنع العقيد من الزواج بها بسبب القوانين العنصرية التي فرقت بينهما.

الحبيبة ريزا

ريزا هي كما غيرها من اليهود الذين «اضطروا إلى الهرب خارج العاصمة الليبية، وتغيير أسمائهم، وأماكن إقامتهم». لكن مهمة الضابط المغامر الذي يمتطي صهوة جواده، ويتقدم الفرسان، ويهاجم كما لو أنه نسي الموت، لا تتوقف هنا، بل نراه ينتقل إلى إثيوبيا وإريتريا، حيث يطور هناك أساليبه القتالية، وتتجلى مشاعره العشقية، حين يعيش قصة حب جديدة مع خديجة الإثيوبية، التي «بثت فيه عشقاً لم يعرفه أبداً». ابنة شيخ القبيلة مختار، صاحبة الجمال الخمري التي تحفظ الشعر العربي، تتسلل إلى خيمته كل ليلة، تجالسه، تحادثه بهمس، عن الفروسية، وصفات الخيل، وشجاعة المحاربين. يصف الكاتب خديجة «الطويلة الرشيقة، بلباسها الملون، وعطرها الفواح» بأنها «استولت على كل شيء فيه». أما هي، فقد افتتنت بفارسها بجنون. معها «نسي حبيبته الطرابلسية ريزا، التي صارت إلى المجهول في ليبيا يخنق حبل الفاشية العنصري يهودها، أما حبيبته الإيطالية بياتريس جوندولفو، ومشروع زواجه القديم منها، فقد طوتها عيون خديجة وقوامها وصوتها وشَعرها وشِعرها، وعطرها».

خديجة تشد أزره

على هذا النحو الآسر، يجعلنا شلقم نعيش مناخات الحرب العالمية الثانية، وما رافقها من اضطرابات، وتوترات وقلق، مع العقيد الذي يخوض غمار معاركه، مستعيناً على ذلك بنساء كنّ له الظهر والسند. غير أن خديجة هذه بقيت شيئاً آخر. و«لأول مرة يتمنى الفارس الصنديد، مدمن القتال، «أن تفارق الحرب عقول البشر إلى الأبد. وهو يطارح خديجة حديث الحب».

جاءته الأوامر من روما أن يستسلم، لكنه رفض، مع علمه أن الوضع قد أصبح ميئوساً منه. جهزت له خديجة فرساناً أشداء، وقالت له: «قاتل ولا تستسلم يا حبيبي، لقد خلقك الله لتكون الفارس الذي يفر من أمامه العتاة».

بين جبهات الحروب الشرسة، وجبهات الحب العاصفة، ينقلنا الكاتب، وهو يبدع في رسم علاقة أميديو مع عشيقاته، وتوصيف علاقته مع كل منهن، وكأن كل واحدة أنارت له جانباً مختلفاً من شخصيته، وأضافت لفضوله معارف جديدة، وفتحت أبواباً للضوء. فقد كان أميديو يتمتع بشخصية مغامرة وجذابة، مما جعله محبوباً بين النساء. يقول لخديجة وقد أنهكه القتال: «لم تعد لي القدرة على الاستمرار في محاربة البريطانيين. رجالي قتل بعضهم وجُرح معظمهم، لم يبق لي منهم سوى ثلاثين نفراً، أنت كل ما لدي من هذه الدنيا، ولكن الله غالب».

المرحلة اليمنية

ولما كانت العودة إلى إيطاليا شائكة بسبب تمرده على الأوامر، والوضع المتأزم هناك، يمم وجهه صوب اليمن، وقد صار اسمه أحمد عبد الله الرضائي. وصل إلى ميناء الحديدة، بعد مغامرات كادت تودي به وبرفيق الرحلة. طلب اللجوء السياسي، شك اليمنيون في أمره، وأخضعوه شهراً للسجن والاستجواب. محادثاته المتناسلة مع سجانيه وصلت إلى قصر إمام اليمن يحيى حميد الدين الذي طلب رؤيته. وكان صيته قد سبقه، ما سيجعل العلاقة الوطيدة سريعة مع الإمام وسيكلفه تدريب كتائب جيشه وشرطته.

المرحلة اليمنية من حياة أميديو، تفتح الباب أمام شلقم ليرسم لنا صورة بانورامية عن الحياة الاجتماعية، والأجواء السياسية في تلك المرحلة، في هذه المنطقة العربية. «سيلف أميديو حول خاصرته قطعة من القماش، ويضع الخنجر المقوس وسط حزامه. جلسة مع خلان سيتعرف عليهم، يخزنون القات معاً، ويسهرون الليالي في مطارحات شعرية إلى أن يدركهم الصباح، ويخرجون ليروا مباني المدينة الشاهقة المزخرفة بألوان، تضيف الانشراح إلى الأرواح». وفي اليمن أيضاً سيلتقي بياتريس.

لم يكن أميديو مجرد قائد تقليدي بل شخصية متوثبة وكاريزمية

صفحة حب جديدة

بياتريس الحبيبة الجديدة. هذه المرة هي مصرية، مسيحية وفارسة تعشق الخيول، تعزف على آلة البزق وتهرّب الأسلحة، حين يلزم الأمر. امرأة جذابة يلفها الغموض «عندها عصارة العصارة، ولها القدرة على قراءة ما سمعت، فهي مثقفة ودارسة متبحرة في عالم النفس، ولها القدرة على قراءة ما في فناجين الرؤوس».

لكن تلك الحياة الرغدة بعجائبيتها ومحنها، سرعان ما تنقلب في اليمن، وتطيح بالإمام، ويحلّ الجدري، وينفضّ الجمع، ولا يبقى لـ«القائد الشيطان» سوى الهرب.

بأسلوبه الرشيق والمشوق، يقصّ شلقم من خلال روايته، حكاية هذا القائد الإيطالي الذي تحول إلى أسطورة، وشبهه البعض بلورانس العرب، لتشابه بين سيرتيهما، مستفيداً من سيرته التي كتبها العقيد بنفسه، ومصادر أخرى، مضيفاً إليها حبكته ونكهته المستقاة من «ألف ليلة وليلة» التي يؤتى على ذكرها مرات عدة في النص. وقد عاش أميديو من العمر قرناً كاملاً وسنة، تمكن خلالها من الانتقال إلى حياة دبلوماسية، لا تقل أهمية عن حياته العسكرية. عين سفيراً لدى عدد من الدول العربية بينها الأردن الذي عشقته زوجته بياتريس التي ارتبط بها بعد تجواله ومغامراته العشقية. وعين الرجل سفيراً لدى المغرب، ويكتب له أن يشهد حادثة انقلاب الصخيرات الشهيرة، التي نقرأ تفاصيلها في الرواية كما عاشها أميديو، وكأننا في قلب الحدث.

التاريخ يعيد نفسه

مفاصل تاريخية كثيرة، عن فترة مفصلية من عمر العرب، والتدخلات الأجنبية على أرضهم، بحيث يبدو وجودهم السياسي هامشياً، في ما يطغى حضورهم الاجتماعي في الرواية، كل ذلك مشدود إلى أوتار عواطف جياشة، ومشاعر فياضة، تلهم القائد المقدام.

وفي الجزء الأخير من الكتاب، يتاح لنا أن نعيش مع أميديو، وقد استقر به الحال أخيراً متقاعداً يستعيد ذكرياته ويتأمل مشواره بهدوء ودعة. وتشاء الظروف أن يلتقي بالضباط والقادة الذين كان يقاتل في مواجهتهم، حيث يتحول أعداء الأمس وقد انتهت الحرب، إلى أصدقاء اليوم، يتبادلون الذكريات والاعترافات، وكأنما كل ذاك الدم الذي سال، كان عبثاً، أو كأنهم كانوا جزءاً من آلة تغيرت أدوارهم ورؤاهم، بمجرد تفكيكها.

الرواية تعيدني ثمانين سنة إلى الوراء، ولعالم غير الذي نعيشه اليوم، لكن بقليل من التدقيق، تشعر أن النزاعات في أعماقها لا تزال هي نفسها، والمآلات تبدو متشابهة وتستحق المقارنة والعبرة والتأمل.