خمسة تراجعات لـ«الصحة العالمية» تكشف صعوبة التعامل مع «كوفيد ـ 19»

مواقفها تغيّرت تجاه الكمامة وآليات انتقال الفيروس وبعض الأدوية

مدير منظمة الصحة العالمية لدى مشاركته في إعادة تدشين «نافورة الماء» بجنيف (إ.ب.أ)
مدير منظمة الصحة العالمية لدى مشاركته في إعادة تدشين «نافورة الماء» بجنيف (إ.ب.أ)
TT

خمسة تراجعات لـ«الصحة العالمية» تكشف صعوبة التعامل مع «كوفيد ـ 19»

مدير منظمة الصحة العالمية لدى مشاركته في إعادة تدشين «نافورة الماء» بجنيف (إ.ب.أ)
مدير منظمة الصحة العالمية لدى مشاركته في إعادة تدشين «نافورة الماء» بجنيف (إ.ب.أ)

بعد يوم واحد فقط، غيّرت «منظمة الصحة العالمية» رأيها بشأن عدم انتقال فيروس كورونا المستجد بواسطة الأشخاص المصابين والذين لا يحملون أي أعراض.
وقالت ماريا فان كيرخوف، رئيسة وحدة الأمراض حيوانية المنشأ في منظمة الصحة العالمية الاثنين الماضي، إن انتقال العدوى دون أعراض «نادر للغاية»، ثم عادت وتراجعت منتصف الأسبوع الماضي، واعترفت بأن نسبة كبيرة من العدوى يمكن أن تنتقل عن طريق الأشخاص الحاملين للفيروس ولكن دون أعراض. وقالت كيرخوف خلال مؤتمر صحافي في جنيف الاثنين الماضي إنه «لا يزال من النادر أن ينقل شخص عديم الأعراض العدوى إلى شخص ثانوي»، وعادت لتؤكّد الثلاثاء بعد جدل عالمي أثاره تصريحها أن بعض الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض يمكنهم نقل الفيروس. ثم أمسكت العصا من المنتصف في محاولة لتفسير التصريح السابق، وقالت إن «معظم حالات انتقال المرض التي نعرفها هي لأشخاص يعانون من أعراض، وينقلون الفيروس إلى أشخاص آخرين من خلال قطرات معدية، ولكن هناك مجموعة فرعية من الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض وينقلون الفيروس».
ويعدّ هذا التراجع في آراء منظمة الصحة العالمية هو الأحدث في سلسلة التراجعات، والذي يكشف بحسب خبراء عن «صعوبة هذا الفيروس، ونقص المعلومات حوله حتى الآن».
تراجع آخر شهدته المنظمة بشأن قضية ارتداء الكمامات، وكان موقفها الأول مبنيا على اعتقاد بأن «الفيروس لا ينتقل إلا من الأشخاص الذين لديهم أعراض»، كما ذهبت ماريا فان كيرخوف في البداية، ولذلك كانت إرشادات المنظمة تقصر عملية ارتداء الكمامة على الفرق الطبية المخالطة للمرضى، ثم عادت المنظمة وتراجعت عن هذا الموقف. وفي تحديث المنظمة لإرشاداتها حول الكمامة يوم 7 يونيو (حزيران) الحالي، ذهبت إلى ضرورة استخدام الكمامات في إطار استراتيجية شاملة من تدابير كبح انتقال العدوى وإنقاذ الأرواح، وأوصت بأن يرتديها الأشخاص المعرضين لخطر العدوى عندما يوجدون في مناطق يتفشى فيها المرض على نطاق واسع ولا يمكنهم ضمان الابتعاد عن الآخرين مسافة متر واحد على الأقل.
أما التراجع الثالث، والذي حظي بجدل عالمي كبير، فكان يتعلق بدواء «هيدروكسي كلوركين»، والذي أعلنت المنظمة وقف التجارب السريرية التي تجرى عليه ضمن تجارب التضامن التي تجريها بمشاركة أكثر من 400 مستشفى في 35 بلداً. وكانت المنظمة قد أعلنت في 25 مايو (أيار) الماضي، تعليقا مؤقتا لتجربتها للدواء بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، وجاء هذا الإعلان بعد أيام من دراسة نشرتها المجلة الطبية الشهيرة «ذي لانسيت»، والتي وجدت أن مرضى (كوفيد - 19) الذين عولجوا بهيدروكسي كلوروكوين كانوا أكثر عرضة للوفاة من أولئك الذين لم يتناولوه. وتلقت «ذي لانسيت» خطابا من 140 عالما حول العالم سجلوا فيه 10 أخطاء وقعت فيها الدراسة، واستنكروا ردود الفعل العنيفة من منظمة الصحة العالمية التي اتخذت عقب نشر الدراسة، معتبرين أنه من الخطأ اتخاذ قرار بناء على دراسة مليئة بالبيانات غير الدقيقة.
وأحدثت هذه الرسالة صدى كبير في الأوساط الطبية، واضطرت الدورية إلى تغيير بعض البيانات في الدراسة، وتبع ذلك إنهاء المنظمة للتعليق المؤقت للتجارب السريرية.
وفي موقف مشابه لما حدث مع «هيدروكي كلوركين»، كان عقار «آيبوبروفين» بطلا لقصة أخرى من تراجعات المنظمة. وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير في 17 مارس (آذار) الماضي، إن الأشخاص الذين يشتبهون في أنهم مصابون بفيروس كورونا المستجد المسبب لمرض «كوفيد - 19» يجب ألا يتناولوا عقار «الأيبوبروفين» دون استشارة الطبيب، وأن البحث جار حاليا في الآثار السلبية المحتملة. وبعد يومين فقط سحبت «الصحة العالمية» تحذيرها بعدم تعاطي العقار، وقالت المنظمة في 19 مارس، إنها ليست على دراية بالبيانات العلمية المنشورة بشأن هذا الدواء، وأضافت أنها لم تر أي تقارير عن آثار سلبية خاصة بالدواء من أطباء قاموا بعلاج مرضى يعانون من «كوفيد - 19».
أما التراجع الخامس، فكان يتعلق بتكوين المتعافين من المرض لمناعة ضده، وذهبت «الصحة العالمية» في البداية إلى أنه «لا يوجد دليل على أن المتعافين من المرض يكتسبون مناعة من المرض»، ثم غيرت من رأيها في بيان في 25 أبريل (نيسان) الماضي، وقالت فيه «نتوقع أن معظم الأشخاص المصابين بفيروس كورونا تتكون لديهم استجابة للأجسام المضادة توفر مستوى من الحماية»، لكن المنظمة أردفت قائلة: «ما لا نعرفه حتى الآن ما هو مستوى الحماية أو الفترة التي تستمر فيها المناعة».
ربما قد تثير هذه التراجعات السريعة اتهامات للمنظمة بقصور في المهنية، ولكن دكتور تامر سالم، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، يرجعها إلى «صعوبة جائحة (كوفيد - 19)، ونقص المعلومات حول الفيروس». وفيروس كورونا المستجد المسبب لمرض «كوفيد - 19» من عائلة الفيروسات نفسها المسببة لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس»، ومتلازمة ضيق التنفس الحادة «سارس»، ولكن القدرات الخاصة لفيروس كورونا المستجد حولته لجائحة عالمية. ويقول سالم: «بسبب ضغط الجائحة، والرغبة في جمع المزيد من المعلومات عن الفيروس تظهر دراسات غير متكملة ولم تخضع لمراجعات من الأقران، وقد تتسبب هذه الدراسات في تبني مواقف يتم التراجع عنها عندما تظهر دراسات أخرى أكثر مهنية، وهذا أمر طبيعي لا يعيب منظمة الصحة العالمية».
ولم يستبعد سالم في الوقت ذاته، أن تكون «بعض التراجعات ناتجة عن تدخلات سياسية، لا سيما فيما يتعلق بالموقف من بعض الأدوية، ولذلك فإن الدول يجب ألا تأخذ آراء منظمة الصحة العالمية كأمور مسلم بها». ويضيف: «يمكن أن تسترشد الدول بآراء المنظمة، لكن السلطات الصحية الوطنية يجب أن تخضعها للفحص والدراسة»، مشيراً إلى أن «الفترة المقبلة ربما ستشهد أكثر من لقاح لـ(كوفيد - 19)، ويجب على كل دولة أن تختار بنفسها اللقاح الأنسب، ويكون رأي المنظمة في هذا الصدد استرشاديا مع آراء أخرى».


مقالات ذات صلة

الصحة العالمية: نزوح مليون شخص منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا

المشرق العربي سوريون ينتظرون في طابور للعبور إلى سوريا من تركيا في منطقة ريحانلي في هاتاي بتركيا في 10 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

الصحة العالمية: نزوح مليون شخص منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا

قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الثلاثاء، إن نحو مليون شخص نزحوا منذ بدء هجوم المعارضة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أن قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مصر تستعرض تجربتها في علاج الوافدين من «فيروس سي» خلال ورشة عمل بالتعاون مع المركز الأوروبي لعلاج الأمراض والأوبئة (وزارة الصحة المصرية)

مصر تعالج الوافدين ضمن مبادرات قومية رغم «ضغوط» إقامتهم

لم تمنع الضغوط والأعباء المادية الكبيرة التي تتكلفها مصر جراء استضافة ملايين الوافدين، من علاج الآلاف منهم من «فيروس سي»، ضمن مبادرة رئاسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب بجميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
TT

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية مقابل نشر محتوى هذه المؤسسات.

وقال ستيفن جونز، مساعد وزير الخزانة، وميشيل رولاند وزيرة الاتصالات، إنه سيتم فرض الضريبة اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني)، على الشركات التي تحقق إيرادات تزيد على 250 مليون دولار أسترالي (160 مليون دولار أميركي) سنوياً من السوق الأسترالية.

وتضم قائمة الشركات المستهدفة بالضريبة الجديدة «ميتا» مالكة منصات «فيسبوك»، و«واتساب» و«إنستغرام»، و«ألفابيت» مالكة شركة «غوغل»، وبايت دانس مالكة منصة «تيك توك». وستعوض هذه الضريبة الأموال التي لن تدفعها المنصات إلى وسائل الإعلام الأسترالية، في حين لم يتضح حتى الآن معدل الضريبة المنتظَرة، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وقال جونز للصحافيين إن «الهدف الحقيقي ليس جمع الأموال... نتمنى ألا نحصل عائدات. الهدف الحقيقي هو التشجيع على عقد اتفاقيات بين المنصات ومؤسسات الإعلام في أستراليا».

جاءت هذه الخطوة بعد إعلان «ميتا» عدم تجديد الاتفاقات التي عقدتها لمدة3 سنوات مع المؤسسات الإعلامية الأسترالية لدفع مقابل المحتوى الخاص بهذه المؤسسات.

كانت الحكومة الأسترالية السابقة قد أصدرت قانوناً في عام 2021 باسم «قانون تفاوض وسائل الإعلام الجديدة» يجبر شركات التكنولوجيا العملاقة على عقد اتفاقيات تقاسم الإيرادات مع شركات الإعلام الأسترالية وإلا تواجه غرامة تبلغ 10 في المائة من إجمالي إيراداتها في أستراليا.