مصر تعلن تعثر مفاوضات سد النهضة

اعتبرت موقف إثيوبيا «مؤسفاً وغير مقبول»

وزير الري السوداني ياسر محمد خلال مشاركته في مفاوضات سد النهضة (أ.ف.ب)
وزير الري السوداني ياسر محمد خلال مشاركته في مفاوضات سد النهضة (أ.ف.ب)
TT

مصر تعلن تعثر مفاوضات سد النهضة

وزير الري السوداني ياسر محمد خلال مشاركته في مفاوضات سد النهضة (أ.ف.ب)
وزير الري السوداني ياسر محمد خلال مشاركته في مفاوضات سد النهضة (أ.ف.ب)

أكدت مصر تعثر مفاوضات «سد النهضة»، التي تجرى بين القاهرة وإثيوبيا والسودان، بمشاركة مراقبين من الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا ومفوضية الاتحاد الأوروبي.
وقالت القاهرة أمس إن «إثيوبيا قدمت مقترحاً مثيراً للقلق، يتضمن رؤيتها لقواعد ملء وتشغيل السد»، مشيرة إلى أن «الموقف الإثيوبي مؤسف وغير مقبول، ولا يعكس روح التعاون».
وساد الترقب حتى ساعة متأخرة من مساء أمس لما ستسفر عنه النتائج الختامية لمباحثات وزراء الموارد المائية في الدول الثلاث، بهدف حسم «القضايا الخلافية»، وتسوية النزاع المحتدم منذ نحو 9 أعوام، والتي أعلنت القاهرة مشاركتها فيها، وفق مهلة زمنية محددة كان مقرراً أن تنتهي أمس.
وكان رئيس وزراء السودان، عبد الله حمدوك، قد تقدم بمبادرة لنظيريه المصري والإثيوبي لاستئناف المفاوضات الثلاثية للوصول إلى اتفاق شامل ومُرضٍ، يحقق مصالح الدول الثلاث. وعقدت المباحثات عبر «الفيديو كونفرانس» خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 13 يونيو (حزيران) الجاري. وكانت المفاوضات قد توقفت في فبراير (شباط) الماضي بين الدول الثلاث، إثر رفض إثيوبيا توقيع مسودة اتفاق أعدته الولايات المتحدة والبنك الدولي حول ملء أديس أبابا «سد النهضة»، قبل أن تعلن عزمها ملء بحيرة السد في يوليو (تموز) المقبل «دون اتفاق».
وقال المتحدث الرسمي لوزارة الموارد المائية والري بمصر، محمد السباعي، أمس، إنه «ليس متفائلاً بتحقيق أي تقدم في المفاوضات الجارية حول السد، بسبب استمرار التعنت الإثيوبي، الذي ظهر جلياً خلال اجتماعات وزراء الموارد المائية بمصر والسودان وإثيوبيا»، مؤكداً أن «الموقف الإثيوبي مؤسف وغير مقبول، ولا يعكس روح التعاون وحسن الجوار التي يتعين أن تسود العلاقات بين الأشقاء الأفارقة، وبين الدول التي تتشارك موارد مائية دولية».
وجاءت التصريحات المصرية بعد ساعات من تحفظ مصر والسودان على (الورقة الإثيوبية)، التي قدمتها أديس أبابا خلال الاجتماعات، والتي تقول القاهرة إنها «تمثل تراجعاً كاملاً عن المبادئ والقواعد التي سبق أن توافقت عليها الدول الثلاث في المفاوضات، التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي؛ بل وإهداراً لكل التفاهمات الفنية، التي تم التوصل إليها في جولات المفاوضات السابقة».
وأوضح متحدث «الري» بمصر أنه «في الوقت الذي أبدت فيه القاهرة مزيداً من المرونة خلال المباحثات، وقبلت بورقة توفيقية أعدتها السودان الشقيق، تصلح لأن تكون أساساً للتفاوض بين الدول الثلاث، فإن إثيوبيا تقدمت الخميس الماضي بمقترح مثير للقلق، يتضمن رؤيتها لقواعد ملء وتشغيل السد، وذلك لكونه اقتراحا مخلا من الناحيتين الفنية والقانونية»، مضيفاً أن «المقترح الإثيوبي، الذي رفضته كل من مصر والسودان، يؤكد مجدداً على أن إثيوبيا تفتقر للإرادة السياسية للتوصل لاتفاق عادل حول السد، ويكشف عن نيتها لإطلاق يدها في استغلال الموارد المائية العابرة للحدود، دون أي ضوابط ودون الالتفات إلى حقوق ومصالح دول المصب، التي تشاركها في هذه الموارد المائية الدولية».
ويثير «سد النهضة» الذي بدأت إثيوبيا 2011 بناءه على النيل الأزرق بتكلفة 6 مليارات دولار، مخاوف السودان ومصر بشأن ضمان حصتيهما من مياه النيل. ويخشى كل من مصر والسودان من أن يحتجز الخزان، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 74 مليار متر مكعب، إمدادات المياه الأساسية السنوية للنهر.
وأكد متحدث «الموارد المائية والري» أنه «في الوقت الذي تسعى فيه مصر والسودان للتوصل لوثيقة قانونية ملزمة، تنظم ملء وتشغيل السد وتحفظ حقوق الدول الثلاث، فإن إثيوبيا تأمل في أن يتم التوقيع على ورقة غير ملزمة، تقوم بموجبها دولتا المصب بالتخلي عن حقوقهما المائية، والاعتراف لإثيوبيا بحق غير مشروط في استخدام مياه النيل الأزرق بشكل أحادي، وبملء وتشغيل (سد النهضة) وفق رؤيتها المنفردة».
وتؤكد القاهرة «تمسكها بالاتفاق الذي انتهى إليه مسار المفاوضات، التي أجريت في واشنطن؛ لكونه اتفاقا منصفا ومتوازنا، ويمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتي المصب».
وحول «الورقة الإثيوبية»، قال السباعي إنها «لا تقدم أي ضمانات تؤمن دولتي المصب في فترات الجفاف والجفاف الممتد، ولا توفر أي حماية لهما من الآثار والأضرار الجسيمة، التي قد تترتب على ملء وتشغل السد»، مضيفاً: «تنص الورقة الإثيوبية على حق أديس أبابا المطلق في تغيير وتعديل قواعد ملء وتشغيل السد بشكل أحادي، في ضوء معدلات توليد الكهرباء من السد، ولتلبية احتياجاتها المائية، دون حتى الالتفات إلى مصالح دولتي المصب أو أخذها في الاعتبار»، لافتاً إلى أن «(الورقة الإثيوبية) محاولة واضحة لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب، حيث إن الموقف الإثيوبي يتأسس على إرغام مصر والسودان، إما على التوقيع على وثيقة تجعلهما أسيرتين لإرادة إثيوبيا، أو أن يقبلا بقيام إثيوبيا باتخاذ إجراءات أحادية، كالبدء في ملء السد دون اتفاق مع دولتي المصب».
وتشدد مصر على «ضرورة أن تمتنع إثيوبيا عن اتخاذ أي إجراءات أحادية، بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، وخاصة أحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 2015».
وكانت السودان قد أشارت (الخميس) الماضي إلى أن «الدول الثلاث اتفقت على تبادل الرؤى إزاء القضايا الخلافية، بما يمكن من تقريب وجهات النظر، وصولاً للتوافق بشأن تلك القضايا».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».