الكاظمي يكسب الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي العراقي ـ الأميركي

TT

الكاظمي يكسب الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي العراقي ـ الأميركي

بعد يوم من وصفه نفسه بـ«الشهيد الحي» وتوعده الفاسدين بأنه هو من يحدد وقت المعركة معهم، كسب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الجولة الأولى من المباحثات التي وصفت بالاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الأميركية.
وكانت الانقسامات، بدءاً من الانقسام حول أعضاء الوفد العراقي المشارك فيه الذين نالوا القسط الأكبر من التشكيك، فضلاً عن طبيعة الحوار وما إذا كان متكافئاً، قد هيمنت على جو الحوار قبيل انطلاقه مساء أول من أمس. ويضاف إليها إطلاق صاروخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء مستهدفاً السفارة الأميركية.
لكن طبقاً للبيان المشترك العراقي - الأميركي وما أعلنته الخارجية الأميركية، فإنه حتى الصاروخ الذي تم إطلاقه بهدف إحراج الكاظمي عده الأميركيون لصالح نتائج الحوار. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها أن «إطلاق صاروخ على سفارتنا في بغداد، يؤكد أهمية الحوار الجاري»، مبينة أن «على العراق منع عمليات قصف سفارتنا في بغداد». وأضافت أن «الجماعات الموالية لإيران لا تزال تشكل خطراً على العراق»، مشيرة إلى أن «حكومة العراق تعهدت بنشر سيادتها وضبط العناصر التي تهدد سفارتنا».
وكان بيان أميركي - عراقي مشترك صدر عقب انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات أكد أن أميركا «لا تسعى إلى إقامة قواعد دائمة أو وجود عسكري دائمي في العراق وستواصل خلال الأشهر المقبلة تقليص عدد قواتها الموجودة في العراق». وفيما يتعلق بالجوانب السياسية، أكد البيان أن «الولايات المتحدة الأميركية أعربت عن وقوفها إلى جانب جمهورية العراق، ليس من خلال التعاون الثنائي الوثيق على المستويين الأمني والسياسي فقط، ولكن من خلال دعمها للعراق وحكومته الجديدة».
وأوضح البيان أن «الدولتين جددتا تأكيدهما أهمية مساعدة العراق في تطبيق برنامجه الحكومي والإصلاحي بالشكل الذي يلبي طموحات الشعب العراقي، بما في ذلك مواصلة الجهود الإنسانية، واستعادة الاستقرار، وإعادة إعمار البلد، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة. وأكدت الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركائها الدوليين، دعمها المتواصل للتحضيرات التي يجريها العراق للانتخابات، وجهود دعم سيادة القانون، وحقوق الإنسان، وإعادة النازحين وتسهيل عملية اندماجهم، لا سيما الأقليات في المجتمع العراقي التي تعرضت للإبادة على يد تنظيم داعش الإرهابي».
وفيما يتعلق بالشراكة الأمنية أقر البلدان «أنه في ضوء التقدم المتميز بشأن التخلص من تهديد تنظيم داعش الإرهابي، ستواصل الولايات المتحدة الأميركية خلال الأشهر المقبلة تقليص عدد القوات الموجودة في العراق والحوار مع الحكومة العراقية حول وضع القوات المتبقية، وحيث يتجه تركيز البلدين صوب تطوير علاقة أمنية طبيعية تقوم على المصالح المشتركة».
كما أكدت الولايات المتحدة الأميركية أنها «لا تسعى إلى إقامة قواعد دائمة أو وجود عسكري دائمي في العراق، كما اتفق عليها مسبقاً في اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعام 2008 التي تنص على أن التعاون الأمني يتم على أساس الاتفاقات المتبادلة. والتزمت حكومة العراق بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، والمرافق العراقية التي تستضيفهم بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعنية بخصوص وجود تلك القوات وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين». كما تم الاتفاق على «إعادة الأرشيف السياسي المهم إلى حكومة العراق وجهود تطوير قدرات الجامعات العراقية، بالإضافة إلى خطط إعادة القطع الأثرية وأرشيف حزب البعث». وجدد الطرفان «تأكيدهما أهمية العلاقات الاستراتيحية وعزمهما اتخاذ خطوات مناسبة تعمل على تعزيز مصالح كلا البلدين ولتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة».
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاستراتيجي العراقي الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» إن «المحاور العراقي أنجز وثيقة المبادئ الأساسية التي سوف يتم تطويرها قانونياً خلال حتى جلسة التفاوض الأولى في شهر يوليو (تموز) المقبل»، مبيناً أن «هذه الوثيقة أعطت للعراق أرضية صلبة تمكنه من كتابة نصوص معاهدة عراقية - أميركية تركز على تقديم مصلحة العراق الوطنية أولاً ثم إكمال صيغة لمعاهدة أو اتفاقية لتوقيعها في واشنطن أو بغداد خلال الخريف المقبل».
في السياق نفسه، أكد سعد المطلبي القيادي في ائتلاف دولة القانون في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «نتائج الجولة الأولى من المفاوضات إيجابية، لكننا ما زلنا ننتظر التفاصيل للوصول إلى اتفاق يحفظ المصالح الوطنية العليا ويؤكد السيادة الوطنية وإبعاد العراق عن سياسة المحاور الإقليمية». وأضاف المطلبي أن «أهم نقطة هي تأكيد الجانب الأميركي نيتهم تقليل عديد قواتهم في العراق ولن تكون لهم قواعد دائمية ثابتة، بالإضافة إلى تفعيل الجوانب السياسية والاقتصادية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم