السودان: مشاكل {مادية وإدارية} تؤخر التحقيق في فض اعتصام قيادة الجيش

TT

السودان: مشاكل {مادية وإدارية} تؤخر التحقيق في فض اعتصام قيادة الجيش

أكد المحامي أحمد الطاهر النور، عضو لجنة التحقيق في جريمة فض اعتصام القيادة العامة الذي عرفته السودان السنة الماضية، أن استقالته من عضوية اللجنة جاءت «بسبب عدم توفير بيئة مادية وإدارية تمكن لجنته من أداء مهمتها، وتقديم تقرير مهني يتطابق مع صحيح القانون، وقواعد العدالة والوجدان السليم»، مبرزاً أن أوضاع اللجنة المادية والإدارية الحالية لن يمكنها من إنجاز عملها في أقل من سنة على الأقل.
وقال النور لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن لجنته أهدرت شهرين من الزمن المحدد لإنجاز تقريرها (ثلاثة أشهر) في البحث عن مقر وتأثيثه، لكن بعد شهر واحد من بداية العمل طلب منها إخلاء المقر، والانتقال لمقر جديد، دون توفير ميزانية خاصة تساعد في إنجاز أعمالها في الوقت المحدد، وهو ما أربك عملها.
وفي 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 أصدر رئيس وزراء السودان، عبد الله حمدوك، مرسوماً بتعيين «اللجنة الوطنية المستقلة» للتحقيق في جريمة فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم في 3 يونيو (حزيران) 2019، من أجل التحقيق في الأحداث والوقائع، التي تمت فيها انتهاكات لحقوق وكرامة المواطنين بمحيط القيادة العامة للقوات المسلحة، وقيادات الجيش بالولايات، خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تعيينها قابلة للتجديد.
وهزت جريمة فض الاعتصام السلمي ضمير المجتمع السوداني، بعد أن راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى والمفقودين، وشهدت عمليات اغتصاب وانتهاكات جسيمة بحق المعتصمين السلميين. وتشير أصابع الاتهام إلى عناصر في الجيش والشرطة والدعم السريع والأمن والمجلس العسكري الانتقالي وقتها.
وأضاف النور موضحاً: «نحن مكلفون بعمل قانوني بحت، يؤدي لإدانة أشخاص وتقديمهم للمحاكمة أو براءة آخرين، لذلك يجب أن يكون محايداً»، مبرزاً أن حجم العمل المطلوب لا يتناسب مع الزمن الذي تم تحديده، مقارنة بالأوضاع التي تعمل فيها اللجنة.
وكشف استجواب اللجنة لثلاثة آلاف شاهد متطوع، دونت إفاداتهم في 6 آلاف صفحة، وتسلمت 180 فيديو تحتاج لمشاهدتها وكتابة الملاحظات عنها بعد التحقق من صحتها، ثم نقلها بعد ذلك للفنيين لاستخراج «صور فوتوغرفية» للأشخاص الذين ظهروا في تلك الفيديوهات، بيد أنهم فوجئوا بأن البلاد لا تملك القدرات الفنية، ولا الأجهزة التقنية اللازمة لإجراء هذه العملية.
وانتقد النور بشدة التلكؤ في توفير مقر بديل للجنة بقوله: «قبيل عيد الفطر الماضي، حددوا لنا مكاتب بديلة في منطقة كافوري، ثم حلت جائحة كورونا والحظر الذي فرض بموجبها، فأخبرنا مقرر اللجنة أن المكان بحاجة لنظافة محترفة، لكن لم تبدأ عملية تنظيفه بعد»، مشيراً إلى صعوبات تواجه عمل اللجنة بعد التحقيق في عمليات فض اعتصامات ولايات البلاد ومدنها المختلفة، وأبرزها قلة الإمكانات.
في سياق ذلك، كشف النور أن اللجنة تلقت أيضاً 160 عريضة دعوى مدنية، يطالب أصحابها بتعويضها على خسائر لحقت بممتلكاتهم أثناء عمليات فض الاعتصام، وهو أمر يستغرق، حسبه، كثيراً من الوقت في التدقيق والتحقيق حتى لا يتم الدفع من المال العام سدى.
ووفقاً للنور، فإن اللجنة بحاجة لسنة على الأقل لإنجاز عملها، والخروج بقرار «يتطابق مع صحيح القانون وقواعد العدالة والوجدان السليم»، وقال بهذا الخصوص: «لن أخدع الناس والشارع المعبأ بتحديد موعد لصدور القرار، وحين تهتز قناعة القاضي يتنحى، لذلك تنحيت وقدمت استقالتي».
ونفى النور أن يكون الأمر قد تم بسوء قصد لذاته، بيد أنه قال: «طلبت من اللجنة العمل دون توفير أي إمكانات، رغم أن قرار تعيينها نص على توفير كل الإمكانات، ولأن اللجنة لم تحصل على الميزانية اللازمة للعمل، فإنه لن ينجز العمل خلال الموعد المضروب».
وتوقع النور أن تمنح اللجنة ثلاثة أشهر إضافية، بقوله: «على مجلس الوزراء تحمل مسؤولية منح اللجنة فترة من ثلاثة إلى ستة أشهر جديدة... لم أواجه أي ضغوط تؤثر على عملي، ولا يستطيع أحد الضغط علي».
وحذر عضو اللجنة من محاولات تحميل رئيس اللجنة، المحامي نبيل أديب، المسؤولية، وقال: «أنا لا أحمله أي مسؤولية، فهو يتعرض لتهديدات وشتائم، وإذا حملناه المسؤولية في الإعلام سنكون سبباً في إيذائه»، وتابع: «للشارع الحق في الضغط على اللجنة، لأننا لم نقدم لهم خلال 9 أشهر أي نتيجة، والناس ينتظرون نتائج جيدة، وكل المؤسسات العدلية الدولية عينها على تقرير هذه اللجنة، ولذلك أنا لن أقبل قرارات غير مؤسسة».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.