مخيم شاتيلا.. ملاذ للفلسطينيين يغمره السوريون

تجاوز ضعف طاقته الاستيعابية وبات رمزا للمخاطر التي يتعرض لها اللاجئون

جانب من السوق الرئيسية في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين ({نيويورك تايمز})
جانب من السوق الرئيسية في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين ({نيويورك تايمز})
TT

مخيم شاتيلا.. ملاذ للفلسطينيين يغمره السوريون

جانب من السوق الرئيسية في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين ({نيويورك تايمز})
جانب من السوق الرئيسية في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين ({نيويورك تايمز})

تدلى مفتاح حديدي ضخم على برج مياه يطل على مفترق طرق داخل معسكر شاتيلا للاجئين الفلسطينيين، الواقع إلى الجنوب مباشرة من قلب العاصمة بيروت. ويحمل هذا المفتاح إشارة إلى المفاتيح الصدئة التي تعتز بها الكثير من العائلات هنا، ذلك أنها تخص منازلهم التي فقدوها بفرارهم مما أصبح إسرائيل عام 1948.
الآن، تدفقت موجة جديدة من اللاجئين، هذه المرة من سوريا، ليرتفع عدد اللاجئين بشاتيلا ومخيم صبرا المجاور له إلى الضعف، أي ما يعادل 40.000 نسمة، حسبما أعلن مسؤولون معنيون بالإغاثة. ويعد الوافدون الجدد، الذين يتدفقون عبر شوارع المخيم الضيقة ووحداته السكنية الخراسانية المزدحمة بالفعل، جزءا من أكثر من مليون شخص عبروا إلى لبنان - الذي بلغ عدد سكانه 4 ملايين نسمة عندما بدأت الحرب - قادمين من سوريا. وتسهم هذه الأعداد المتدفقة في تغيير شكل الضواحي والأحياء على نحو راديكالي.
في شاتيلا، يضيف الأفراد طوابق جديدة لمنازلهم، على أمل تأجيرها للاستفادة من الزيادة الهائلة في إيجارات المساكن. كما يجري افتتاح نشاطات تجارية جديدة يديرها أو يعتني بها سوريون، في الوقت الذي تتعرض فيه أنظمة المياه والصرف الصحي لضغوط كبرى. ومع استمرار الحرب الأهلية السورية، وتسرب الشكوك لنفوس الوافدين حيال إمكانية عودتهم لوطنهم ذات يوم، تتخذ هذه التغييرات مظهرا يوحي باستمرارها للأبد.
الملاحظ أن هذه العملية تتكشف داخل لبنان وعدد من الدول الأخرى المجاورة لسوريا، مما يعد صورة جديدة لإعادة ترتيب الأوراق داخل الشرق الوسط. بيد أنه داخل صبرا وشاتيلا على وجه التحديد يأتي التغيير مفعما بروح ذكريات ومحن تاريخية.
في الواقع، يعتبر اسما صبرا وشاتيلا في حد ذاتهما رمزا للمخاطر التي يتعرض لها اللاجئون، فهما ليسا مجرد اسمين لمخيمي لاجئين، وإنما عنوان موجز لمذبحة مروعة وقعت هناك عام 1982، عندما قتل مسلحون لبنانيون مسيحيون مدنيين فلسطينيين بينما اتخذت القوات الإسرائيلية التي طوقت المنطقة موقف المتفرج.
كما يرمز الاسمان للفقر المدقع. في الواقع فإن «مخيم» هي تسمية شائعة خاطئة لمستوطنات تحولت منذ عقود مضت إلى أزقة حضرية عشوائية ومرتفعة الكثافة.
من جانبه، أشار يوسف المصري (46 عاما)، فلسطيني المولد نشأ في «شاتيلا»، إلى أن جدته اعتادت أن تروي ما كانت أسرتها تخطط لتحقيقه منذ 66 عاما في الجليل - التي يطلق عليها الإسرائيليون صفد - أثناء حرب قيام إسرائيل. وقال «قالوا: سنترك كل شيء ونعود في غضون ثلاث سنوات. لكن هذا لم يحدث». وتوقع المصري مصيرا مشابها للسوريين، ملقيا اللوم على قيادات عالمية وعربية اتهمها بأنها «تبيع سوريا مثلما باعت فلسطين».
تعج شوارع المخيم شديدة الضيق، لدرجة لا تسمح بمرور السيارات خلالها، بعربات بيع سلع وأطفال يلهون. وتبدو أسلاك الكهرباء كمظلة، بينما تهيمن رائحة الصرف الصحي على الهواء. هنا، يعيش اللبنانيون الفقراء والعمال المهاجرون بين الفلسطينيين، الذين تفرض عليهم القوانين اللبنانية المقيدة التي تستثنيهم من العمل بمهن كثيرة، البقاء داخل دائرة الفقر.
ورغم ذلك، استقبل «صبرا» و«شاتيلا» الوافدين الجدد بحفاوة تفوق ما حدث داخل الكثير من الضواحي الأكثر ثراء. ويتحرك السوريون بحرية حتى في الليل عندما تفرض الكثير من المدن اللبنانية حظر التجوال. ويقول الذين يخشون السلطات اللبنانية، إما لافتقارهم إلى تصاريح إقامة أو لأنهم مطلوبون في سوريا لمعارضتهم النظام، إنهم يشعرون بأمان أكبر هنا حيث تسيطر الميليشيات الفلسطينية على المكان ونادرا ما تظهر قوات الأمن اللبنانية.
كما أن الفلسطينيين الذين عملوا لسنوات لمساعدة مواطنيهم أنشأوا منظمة بعنوان «بسمة وزيتونة» لمعاونة اللاجئين السوريين. ومن بين الوافدين 5.000 فلسطيني عاشوا كلاجئين في سوريا، والآن يعايشون ما يطلق عليه البعض «النكبة» الثانية، في إشارة للنكبة الأولى باعتبارها تشريد الفلسطينيين عام 1948.
يذكر أن لبنان لم يبن أي مخيمات رسمية للاجئين القادمين من سوريا. بدلا من ذلك، يبحث اللاجئون بعشوائية عن مساكن لهم. ويضيف السوريون والفلسطينيون على حد سواء قصصا مأساوية جديدة لتاريخ المخيمين المرير. من بين المآسي قصة شاب فلسطيني يدعى أيمن سعيد فر من سوريا بعد احتجازه ثمانية شهور بتهمة محاولة الهرب من طوق حكومي حول مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، الذي قاتل المسلحون للسيطرة عليه، وتعرض سكانه للتجويع والقصف من جانب قوات الأمن.
وقال أمجد حريري (31 عاما)، سوري من مدينة درعا الجنوبية، إنه فقد شقيقيه بعد أن تعرضا لإطلاق نار أثناء محاولتهم الفرار من قوات الأمن خلال وقت مبكر من الانتفاضة التي بدأت بمظاهرات عام 2011. وبعد ذلك بفترة قصيرة، قتلت شقيقته مجدلين (14 عاما) على يد قناص أصابها في الوجه أثناء دخولها مكتبا حكوميا.
ولدى سؤاله حول ما إذا كان ينوي العودة لسوريا، جاءت إجابته بلا جازمة. وقال «ما حدث حدث وانتهى الأمر. لقد وقع الدمار. وما زلت عاجزا عن تصديق قتلهم لهذا العدد الكبير من البشر. ليس هناك مستقبل، ولن تكون هناك مبان قائمة من الشمال للجنوب. لن تكون هناك سوريا». ومع ذلك، يعتبر نفسه أحد المحظوظين، حيث مكنته مدخراته التي كسبها قبل الحرب أثناء عمله في مطعم ببيروت من فتح مطعم خاص به. ويعاونه في المطعم لاجئون آخرون يحرصون على إضافة لمسات سورية على الطعام.
وقال حريري إن جيرانه طيبون، ويساعدونه على تجنب التعرض لمضايقات من جانب الميليشيات، لكنه لا يشعر بالأمان، حيث أشار إلى أنه لدى إعلان مسلحين سوريين من حين لآخر مسؤوليتهم عن هجمات ضد «حزب الله»، الميليشيا الشيعية اللبنانية المتحالفة مع النظام السوري، يأتي رجال غاضبون «للانتقام» من السوريين، حسب قوله. وأوضح أنه حفاظا على الأمن، أقر قاعدة عدم الحديث في السياسة داخل المحل الذي يملكه.
ويشعر بعض الفلسطينيين بالتقارب مع السوريين المشردين الذين، مثلما حدث مع الفلسطينيين من قبل، يواجهون عداء متزايدا مع تنامي النظر لهم كمصدر تهديد للبنان. وعن ذلك، قال جورج تالماس، المسؤول بـ«بسمة وزيتونة»: «اللاجئون الفلسطينيون لديهم خبرة أكبر عن السوريين».
في المقابل، يعتبر آخرون السوريين مصدر تهديد اقتصادي. مثلا، اشتكى المصري، المقيم بالمخيم منذ أمد بعيد، من أن السوريين «حصلوا على جميع الوظائف». واشتكى كذلك من أن وكالة الأمم المتحدة المعنية بغوث اللاجئين الفلسطينيين تفضل الفلسطينيين القادمين من سوريا. ويثير هؤلاء الفلسطينيون بعض الحسد في قلوب نظرائهم، لأنهم على خلاف الحال مع نظرائهم في لبنان يمتلكون حقوقا كاملة في ما يخص ممتلكاتهم بسوريا، وتلقوا تعليما هناك وحصلوا على وظائف.
ومع ذلك، يحمل اللاجئون الجدد فوائد معهم أيضا، حيث أوضح تالماس أنهم ينفقون مدخراتهم المحدودة داخل المخيم. وتستعين مشروعات الإغاثة بمقيمين داخل المخيمات وتشتري الإمدادات اللازمة من داخلها. كما تم إطلاق برنامج للقروض متناهية الصغر خاص بالنساء، ومن المقرر أن يوجه 40 في المائة من قروضه لنساء من سكان المخيمات.
ورغم أن السوريين هنا يميلون لعقد حفلات زواج محدودة لتوفير التكاليف، فإنهم لا يتخلون عن فساتين العرس. ويدفع اللاجئون لأحد المحال هنا 200 دولار، عادة في صورة أقساط، لتأجير فستان زفاف لليلة واحدة. وفي الجوار، متجر يعلن عن توافر إمكانية إجراء مكالمات هاتفية مع سوريا.
وداخل سوق «صبرا»، استعان الكثير من الباعة بسوريين لمعاونتهم. من بين هؤلاء مروان تويسان (15 عاما)، الذي قال إنه يبيع أدوات منزلية مقابل أقل من 7 دولارات يوميا لينفق على شقيقاته الثماني، مضيفا أنه انقطع عن المدرسة منذ سنوات.
* خدمة «نيويورك تايمز»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.