3 عوامل جنّبت أفريقيا «كارثة»... وتسارع الإصابات يقلقها

مسؤول أممي لـ «الشرق الأوسط»: لم يحن الوقت بعد لتخفيف إجراءات الوقاية

معلمة تقيس درجة حرارة تلاميذ بعد إعادة فتح المدارس في كيب تاون (رويترز)
معلمة تقيس درجة حرارة تلاميذ بعد إعادة فتح المدارس في كيب تاون (رويترز)
TT

3 عوامل جنّبت أفريقيا «كارثة»... وتسارع الإصابات يقلقها

معلمة تقيس درجة حرارة تلاميذ بعد إعادة فتح المدارس في كيب تاون (رويترز)
معلمة تقيس درجة حرارة تلاميذ بعد إعادة فتح المدارس في كيب تاون (رويترز)

أثارت نسب وفيات «كوفيد - 19» المتدنية في القارة الأفريقية الكثير من الاهتمام والتساؤلات حول العالم، فرجّح البعض أن الحصيلة الرسمية لا تعكس حجم انتشار الوباء الحقيقي، في حين اعتبر آخرون أنها نتيجة فرض إجراءات وقائية صارمة في وقت مبكر.
وفي الواقع، فإن مزيجاً من العوامل الديموغرافية والوقائية المبكرة ساهمت في نجاح دول القارة في احتواء الوباء القاتل حتى الآن؛ إذ سجّلت نحو 200 ألف إصابة و5600 وفاة، بالمقارنة مع أكثر من مليوني إصابة و170 ألف وفاة في أوروبا. إلا أن منظمة الصحة العالمية دقت، أمس، ناقوس الخطر مع تسارع وتيرة الإصابات في القارة. وقالت ماتشيديسو مويتي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لأفريقيا، في بيان صحافي «إلى أن نتوصل إلى لقاح فعال، أخشى أننا سنضطر على الأرجح إلى التعايش مع زيادة مطردة في المنطقة، وسيتعين التعامل مع بعض بؤر الانتشار في عدد من البلدان، كما هو الحال حالياً في جنوب أفريقيا والجزائر والكاميرون على سبيل المثال؛ وهو ما يتطلب فرض إجراءات قوية للغاية تتعلق بالصحة العامة والتباعد الاجتماعي».
وتابعت مويتي، وفق وكالة «رويترز»، أن عشر دول تتصدر الجائحة في أفريقيا، حيث تشكل 75 في المائة من إجمالي الإصابات في القارة، وسجلت جنوب أفريقيا وحدها ربع الإصابات. وقالت «نعتقد أن أعداد الإصابات الخطيرة والوفيات التي لا يتم رصدها ليست كبيرة». وأضافت، أن «أحد التحديات الرئيسية في أفريقيا لا يزال يتمثل في توفر الإمدادات، خاصة أدوات الفحص».
وفي حين نجحت أفريقيا في الحدّ من «كارثة صحية» محتملة حذّرت منها منظمة الصحة العالمية مع بداية انتشار الوباء، يخشى خبراء الصحة من اتّساع الإصابات والوفيات مع تخفيف الدول إجراءات الحجر المفروضة منذ مارس (آذار). ويقول ريتشارد ميهيغو، نائب مدير مكافحة تفشي «كوفيد - 19» في منظمة الصحة العالمية بأفريقيا، إن «دولاً عدة في القارة الأفريقية ما زالت تشهد منحى تصاعدياً للوباء في شهره الثالث، وتسجل ارتفاعاً في الإصابات. وبشكل عام، لم تبلغ غالبية الدول ذروة الوباء». وأوضح المسؤول الأممي، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف، أن «دولاً في جنوب القارة (جنوب أفريقيا خاصة)، وشمالها (مصر، الجزائر، المغرب) تسجل أعلى عدد إصابات. كما تأثرت دول غرب أفريقيا بشكل كبير من الوباء، وخاصة نيجيريا، وغانا، وسنغال، ومالي، وبوركينا فاسو. في حين تبقى دول شرق أفريقيا ووسط أفريقيا أقل تأثراً، رغم تسجيل الغابون، والكاميرون، وجمهورية الكونغو الديمقراطية حالات متزايدة». وأوضح ميهيجو، أن منظمة الصحة العالمية تبقى في «حالة تأهب قصوى» حيال تفشي الوباء في القارة، لافتاً إلى أن الوقت لم يحن بعد لتخفيف إجراءات الوقاية، وداعياً الدول إلى الاستمرار في تنفيذ إجراءات الصحة العامة والتباعد الاجتماعي التي أثبتت فاعليتها عبر العالم.
ورغم التحذيرات الدولية من التداعيات الكارثية المحتملة لتفشٍّ أوسع لـ«كوفيد - 19» في دول أفريقيا، فإنها لم تسجل نسب وفيات مرتفعة بالمقارنة مع دول أوروبا وأميركا اللاتينية حتى الآن. وأوضح الدكتور ميهيغو، أن ذلك يعود إلى ثلاثة عوامل أساسية.
الأول هو أن دول أفريقيا كانت بين آخر الدول التي بلغها الوباء؛ إذ سُجّلت أولى الحالات في نهاية شهر فبراير (شباط) وبداية شهر مارس. وسمح ذلك لدول القارة بتعلم الكثير حول طبيعة الوباء الذي انتشر حول العالم، واتّخاذ إجراءات تحضيرية لمكافحة الجائحة. ويتابع «ولعل الأهم من ذلك، هو أنه بمجرد ما بدأت تظهر إصابات وافدة في دول أفريقية، اتّخذت إجراءات فورية وناجحة في فحص المسافرين القادمين، خاصة من دول أوروبا وآسيا، إلى جانب فرض إجراءات إغلاق صارمة في العواصم، حيث ظهرت غالبية الإصابات، ورصد وتتبع المصابين المشتبه بهم»؛ ما سمح بكبح انتشار الفيروس.
أما العامل الثاني، وفق المسؤول في منظمة الصحة العالمية، فهو تعزيز دول عدة قدرات الفحص لديها، رغم افتقادها للعدد الكافي من المختبرات ولأدوات الفحص. في حين يعود العامل الثالث إلى ديموغرافية القارة الشابة، وقال «إن نظرنا إلى متوسط الأعمار في القارة، نجد أنه 20 عاماً. وبالمقارنة مع دول أخرى عبر العالم حيث تأثر المسنون بشكل خاص، نلاحظ أن نسب الوفاة المرتبطة بـ(كوفيد - 19) جد متدنية في أفريقيا».
ووفق كتاب إحصائيات «إيكونوميست» لعام 2020، فإن 52 في المائة على الأقل من مواطني 22 دولة أفريقية تقل أعمارهم عن 19 عاماً.
ورغم ذلك، حذّر الدكتور ميهيغو من أن أفريقيا لم تتجاوز الأزمة بعد، مشدداً على ضرورة «فحص أكبر عدد ممكن من الناس، ورصد حالات الإصابات وعزلها، وتتبع المخالطين وفحصهم». واعتبر المسؤول، أن اتّباع هذه التوجيهات سيحسّن من فرص احتواء الوباء بشكل كبير. في المقابل، بدأت دول أفريقية عدة في تخفيف إجراءات الحجر. وقال ميهيغو، إنه يتفهم الأسباب، في إشارة إلى التداعيات الاقتصادية الثقيلة لتدابير الإغلاق على الدول. وأوضح «من الضروري أن توازن الدول بين السماح لمواطنيها بتأمين احتياجاتهم الاقتصادية من جهة، ومواصلة تطبيق تدابير الوقاية والتباعد الاجتماعي من جهة أخرى»، متابعاً «من الرائع أن نرى اليوم في مختلف الدول في القارة التزام المواطنين بارتداء أقنعة واقية».
ومع ارتفاع الإصابات، تواجه دول أفريقية تحديات مضاعفة مع ضعف أنظمتها الصحية، وعودة ظهور أمراض معدية مثل «إيبولا»، وصعوبة فرض إجراءات الحجر على المصابين أو المشتبه بإصابتهم. ويقول الدكتور ميهيغو في هذا الصدد، إن «ترف العزل المنزلي ليس متاحا لدى كثيرين في أفريقيا؛ إذ تعيش أسر بأكملها تحت سقف واحد. وقد نجحت دول عدة مثل رواندا، وأوغندا، وموريشيوس، وبوتسوانا في عزل المصابين والحالات المشتبه بها في مراكز حجر خاصة توفرها الحكومات؛ ما ساهم في محاصرة الوباء ومنع تفشيه على نطاق واسع».
في المقابل، ومع تزايد عدد الإصابات وتحول العدوى من وافدة إلى مجتمعية، يصبح عزل كل الحالات مهمة صعبة؛ ما يعزز أهمية الكمامات وتدابير النظافة والتعقيم لتخفيف الانتشار. وأشار الدكتور ميهيغو إلى تحدٍّ آخر، يتمثّل في المصابين دون أعراض، والذين وجدت الدراسات عبر العالم أنهم يمثلون من 60 إلى 70 في المائة من جل الإصابات. وقال: «هؤلاء المصابون ينقلون العدوى بشكل أوسع؛ لأن علامات المرض لا تظهر عليهم».



تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)
سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)
TT

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)
سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو، في منطقة «توغوري» التي لا تبعد سوى مائة كيلومتر فقط من العاصمة واغادوغو، وسط البلد الذي يعاني من تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية خلال الأعوام الأخيرة.

منجم ذهب تاباركو المغلق منذ عامين بسبب الإرهاب (خرائط غوغل)

وقال التنظيم الإرهابي، في بيان مقتضب الأربعاء، إن مقاتليه شنوا هجوماً على «موقع متقدم للجيش البوركيني في منطقة (توغوري)، بولاية (كايا) في أثناء محاولة تحصينه بخنادق عسكرية».

وأضاف التنظيم أن مقاتليه «سيطروا بالكامل على الموقع العسكري»، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو قصيرة للهجوم، يظهر فيها عشرات المسلحين على متن دراجات نارية يتحركون في منطقة كثيفة النبات وتنتشر فيها الأشجار.

وظهرت في أحد مقاطع الفيديو، جثث يعتقد أنها لجنود من الجيش البروكيني، يقف بجوارها مسلحون من التنظيم، يتحدثون بإحدى اللهجات الأفريقية المحلية، فيما بدا أنهم يستعدون للانسحاب من الموقع.

مقاتلون من القاعدة في أثناء الهجوم على القاعدة العسكرية (تواصل اجتماعي)

وتشير مصادر محلية إلى أن الهجوم قتل فيه 18 شخصاً على الأقل، وهي حصيلة لم تتأكد بعد، في ظل صمت السلطات في بوركينا فاسو وعدم إصدار أي بيان حول الهجوم الإرهابي القريب جداً من العاصمة واغادوغو.

منجم الذهب

منطقة «توغوري» التي استهدفها تنظيم «القاعدة» بالهجوم، تقع على بعد أربعين كيلومتراً فقط إلى الجنوب الغربي من موقع «تاباركو»، حيث يقع واحد من أكبر مناجم الذهب في بوركينا فاسو، تتولى استغلاله شركة روسية تدعى «نورد غولد»، أي «ذهب الشمال».

وبدأت الشركة الروسية استغلال المنجم عام 2021، واستطاعت أن تنتج أكثر من 50 ألف أونصة من الذهب في أول تسعة أشهر من عام 2021، ولكنها أرغمت على إغلاق المنجم في شهر أبريل (نيسان) من عام 2022 بسبب الهجمات الإرهابية.

وقالت الشركة، في بيان، آنذاك، إنه بسبب الهجمات الإرهابية المتصاعدة أصبح الوصول إلى المنجم أو الخروج منه شبه مستحيل، ما دفعها إلى وضع خطة لإخلاء المنجم من جميع العاملين فيه.

ويزيد إغلاق المنجم من سوء الأوضاع الاقتصادية في بوركينا فاسو، حيث كان يوفر مداخيل معتبرة للدولة، من الضرائب والحقوق والإتاوات، بالإضافة إلى آلاف فرص العمل لصالح السكان المحليين.

العاصمة هدفاً

الهجوم الإرهابي الأخير يزيد المخاوف من وصول مقاتلي تنظيم «القاعدة» إلى محيط العاصمة واغادوغو، البالغ تعداد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، وحيث تتمركز أجهزة الدولة والمؤسسات الاقتصادية الحيوية.

السلطات العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو أعلنت منذ عامين إعادة هيكلة الجيش وشن حرب «لا هوادة فيها» ضد الإرهاب، بالتعاون مع روسيا التي أرسلت مؤطرين عسكريين من «فاغنر»، والحصول على صفقات سلاح كبيرة من موسكو، بالإضافة إلى شراء مسيرات «بيرقدار» التركية.

وأعلن العسكريون في بوركينا فاسو أن هدفهم الأول هو استعادة السيطرة على قرابة أربعين في المائة من مساحة البلاد توجد خارج سلطة الدولة، وتنتشر فيها جماعات إرهابية موالية لتنظيم «القاعدة»، وأخرى موالية لتنظيم «داعش».

رغم ذلك، لا تزال هذه التنظيمات قادرة على شن هجمات عنيفة ضد الجيش والسكان المحليين، وفي الهجوم الأخير اقتربت أكثر من العاصمة واغادوغو.