مليونا إصابة في الولايات المتحدة... وحصيلة وفيات ثقيلة في أميركا اللاتينية

المفوضية الأوروبية جددت دعوتها إلى فتح تدريجي للحدود الخارجية الشهر المقبل

قبور رمزية على الشاطئ احتجاجاً على إدارة البرازيل أزمة «كورونا» (أ.ب)
قبور رمزية على الشاطئ احتجاجاً على إدارة البرازيل أزمة «كورونا» (أ.ب)
TT

مليونا إصابة في الولايات المتحدة... وحصيلة وفيات ثقيلة في أميركا اللاتينية

قبور رمزية على الشاطئ احتجاجاً على إدارة البرازيل أزمة «كورونا» (أ.ب)
قبور رمزية على الشاطئ احتجاجاً على إدارة البرازيل أزمة «كورونا» (أ.ب)

أوصت المفوضية الأوروبية، أمس، بإعادة فتح الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي اعتباراً من 15 يونيو (حزيران)، حيث سجل تراجعاً كبيراً في عدد الإصابات الجديدة بـ«كوفيد - 19»، في حين يواصل الوباء انتشاره في الأميركيتين.
وتسبب فيروس كورونا المستجد بوفاة أكثر من 416 ألف شخص حول العالم، وإصابة 7.4 مليون نسمة، كما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وهي حصيلة تعتمد على الأرقام الرسمية، في حين تتوقع الأوساط العلمية أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى بكثير. وتبقى الولايات المتحدة البلد الأكثر تضرراً بالوباء، مع 112924 وفاة، تليها بريطانيا مع 41128 وفاة، والبرازيل بـ39680 وفاة، وإيطاليا بـ34114 وفاة، وفرنسا بـ29319 وفاة. لكن في أوروبا، حيث تراجعت الحالات والوفيات، جددت بروكسل دعوتها إلى رفع القيود على السفر داخل الاتحاد الأوروبي وفضاء «شنغن» اعتباراً من 15 يونيو، وإعادة فتح الحدود الخارجية للاتحاد اعتباراً من الأول من يوليو (تموز) أمام المسافرين من دول البلقان الغربية. كما دعت المفوضية لإعادة فتح الحدود الخارجية للاتحاد وفضاء «شنغن» «جزئياً وتدريجياً» بعد 30 يونيو. وتعود الكلمة الفصل حول الحدود للدول، وتكتفي المفوضية بتقديم توصيات.
في غضون ذلك، يتواصل رفع تدابير العزل في أوروبا. ففي إسبانيا، حيث سجلت أكثر من 27 ألف وفاة، استؤنفت مباريات دوري كرة القدم الأربعاء بعد توقف لثلاثة أشهر. وسيتم الوقوف دقيقة صمت قبل إطلاق بطولة إسبانيا حداداً على ضحايا الوباء. وبعد وقفها منذ 20 مارس (آذار) بسبب الأزمة الصحية، أعيد تشغيل نافورة جنيف التي يبلغ ارتفاعها 140 متراً أمس.
وبعد الصين منشأ الوباء وأوروبا، باتت الأميركتان البؤرة الجديدة للوباء الذي تسبب في وفاة 70 ألف شخص في أميركا اللاتينية والكاريبي، بينهم 40 ألفاً في البرازيل. وبلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد مليونين في الولايات المتحدة، وفق حصيلة جامعة جونز هوبكنز. ولا تزال البلاد تسجل 20 ألف حالة جديدة يومياً، وتعجز عن خفض هذه الأرقام. كما سجلت ولايات أعادت فتح اقتصاداتها مبكراً ارتفاعاً في الإصابات. وأعيد فتح شواطئ ميامي الأربعاء بعد إغلاقها ثلاثة أشهر، لكن في غياب سبعة ملايين سائح الذين كانوا يزورونها سنوياً.
وفي جنوب القارة الأميركية الممتدة من المكسيك إلى أرخبيل أرض النار (تييرا ديل فويغو) بين الأرجنتين وتشيلي مروراً بجزر الكاريبي، بلغ عدد الإصابات فيروس كورونا المستجد 1.5 مليون، والوفيات الناجمة عنه 71104، غالبيتها في البرازيل البلد الثالث الأكثر تضرراً في العالم من حيث عدد الوفيات. وفتحت مدينة ساو باولو، العاصمة الاقتصادية للبرازيل، جزئياً الأربعاء متاجرها. في حين فتحت المراكز التجارية في المدينة أمس. وفي ريو دي جانيرو، ثاني أكبر مدن البلاد من حيث عدد السكان والوجهة السياحية الرئيسية فيها، أكد رئيس البلدية مارسيلو كريفيلا، أن المراكز التجارية ستفتح هذا الأسبوع. لكن يرى الكثير من الخبراء، أن فتح المتاجر خطوة سابقة لأوانها مع استمرار منحنى الإصابات والوفيات الناجمة عن الوباء بالتصاعد في البلاد. وفي المكسيك، البلد الذي سجل ثاني أكبر عدد وفيات جراء الفيروس بعد البرازيل في أميركا اللاتينية، تخطت حصيلة الوفيات 15 ألفاً الأربعاء. كما سجلت بنما، البلد الأكثر تضرراً في أميركا الوسطى، أكبر عدد إصابات يومية قدره 656 إصابة؛ ما يرفع الحصيلة الإجمالية إلى 17884.
والصورة قاتمة أيضا في الهند، حيث يخشى أطباء مرهقون من أن تكون الأزمة الصحية في بداياتها. وصرح الطبيب ديفن جونيجا من «ماكس سمارت سوبر سبيشالتي هوسبيتال» في نيودلهي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، «لا نعلم متى سنبلغ الذروة». وبدأت البلاد عملية رفع العزل، لكن يتم تسجيل 10 آلاف حالة جديدة يومياً مع أكثر من 275 ألف إصابة.
أما الصين التي تعلن يومياً عن عدد ضئيل جداً من الإصابات «الوافدة»، فقد أعلنت انتصارها على الوباء. ورغم ذلك، فإنها تواجه أزمة اقتصادية حادة مع فقدان الملايين وظائفهم. وليتمكن الأكثر عوزاً من تأمين قوتهم اليومي، لجأوا للعمل باعة متجولين، فمنهم من يبيع أطباق الطعام والملابس الداخلية والألعاب، وحتى الأرانب الحية. وهذه حال وانغ زيبين (72 عاماً)، الذي استقر مع كشكه لبيع الجوارب في ممر مترو أنفاق في بكين، ويبحث يائساً عن زبائن. ويقول الرجل المسن الذي كان سابقاً عامل نظافة، والمتحدر من محافظة هينان في وسط الصين «العمل ليس جيداً جداً»، مضيفاً «ليس لدي مدخول آخر، وصحتي أسوأ من أن أواصل تنظيف الأرضيات»، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟