من الشتيمة إلى نزع السلاح... الذريعة المرجوة

صورة تعود لعام 2017 لمقاتلين من {حزب الله} قرب عربتهما عند الحدود السورية (أ.ب)
صورة تعود لعام 2017 لمقاتلين من {حزب الله} قرب عربتهما عند الحدود السورية (أ.ب)
TT

من الشتيمة إلى نزع السلاح... الذريعة المرجوة

صورة تعود لعام 2017 لمقاتلين من {حزب الله} قرب عربتهما عند الحدود السورية (أ.ب)
صورة تعود لعام 2017 لمقاتلين من {حزب الله} قرب عربتهما عند الحدود السورية (أ.ب)

أقرت الحكومة اللبنانية مساء الأربعاء في العاشر من يونيو (حزيران) جملة من التعيينات في مناصب رفيعة المستوى في الإدارة العامة وفي مصرف لبنان المركزي. جاءت التعيينات ضمن الأسلوب المعتاد لتقاسم الحصص الطائفية والحزبية بين مكونات الائتلاف الحاكم، حيث يغلب الولاء الكفاءة، وفق نهج راسخ لم تهزه أحداث انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولا الانهيار الاقتصادي الذي دفع بنصف اللبنانيين تقريباً إلى البطالة، ووجّه ضربة قاصمة إلى مستوى المعيشة.
والحال أن القوى الممسكة بالسلطة التنفيذية تشعر بالأمان التام حيال تحركات الشارع. وتدرك أن لا المظاهرات ولا الفضائح التي تنشرها وسائل الإعلام حول ملفات استيراد المحروقات أو التلزيم المشبوه لبناء محطات توليد للكهرباء، ولا أي شكل من أشكال الاحتجاج والاعتراض السلميين، ستفضي إلى نتيجة. ولن تكبح جماح طغمة من السياسيين الذين بات الاعتداء على المال العام نهجاً لا محيد عنه حتى لو أدى إلى انهيار المفاوضات الهشة الجارية مع صندوق النقد الدولي. هذه المفاوضات التي اعتبرها بعض المراقبين بمثابة الفرصة الأخيرة لإضفاء قدر من العقلانية على أسلوب إدارة الدولة اللبنانية قبل اضمحلالها الكامل بفعل عوامل تتحمل المسؤولية الأكبر عنها الجماعة الحاكمة.
البحث عن مصدر اطمئنان ممثلي التحالف الحاكم إلى الحاضر والمستقبل ينتهي سريعاً عند التأمل في الكيفية التي قُمِعت بها مظاهرات يوم السبت في السادس من يونيو، قبل أربعة أيام من دفعة التعيينات المذكورة. وقد نزل المتظاهرون إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت في محاولة لاستعادة زخم الاحتجاجات بعد تراجعها الكبير بفعل الحجر الصحي الذي فُرض جراء تفشي وباء «كوفيد – 19» (فيروس كورونا) في الوقت الذي لم يجر إحراز تقدم يذكر في علاج الملفات المعيشية والمالية والسياسية التي يعاني منها اللبنانيون. طرح بعض مجموعات المتظاهرين شعار نزع سلاح الحزب الذي يرون أنه يحول دون أداء الدولة مهماتها أو حتى تقدمها لوقف أوجه نزيف العملة الصعبة إلى سوريا عن طريق المعابر غير الشرعية وتهريب البضائع المدعومة مثل الوقود والطحين.
في واقع الأمر لم يحظ هذا الشعار بتوافق كل المجموعات، بل إن بعضها اعترض عليه ورفضه لما قد يثير من التباسات في ترتيب أولويات الاحتجاج التي قالوا إنها يجب أن تركز على المسألة المعيشية في المقام الأول. بيد أن مجرد نقاش الشعار كان كافياً لتشن وسائل الإعلام التابعة للحزب والناشطين الموالين له على منصات التواصل الاجتماعي حملة تهويل وتهديد ضد المتظاهرين الذين وصفوا بكل ما في قاموس موالي الحزب من صفات العمالة والخيانة والصهينة وما يعادلها. أرفق الحزب القول بالفعل ودفع بمئات من أنصاره للاعتداء على المتظاهرين السلميين فيما بات مشهداً معتاداً من رمي الحجارة وشتم الانتفاضة. وتكفلت القوى الأمنية الرسمية بتشتيت جمع المتظاهرين من خلال إطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي عليهم.
أما غير المعتاد في مواجهة السبت تلك فكان لجوء عدد من أتباع الحزب إلى شتم ما يعتبر رموزاً دينية في المذهب السنّي ومحاولة اقتحام منطقة عين الرمانة في ضاحية بيروت والتي يحمل اسمها تذكيراً فورياً بالحرب الأهلية بين 1970 و1990. وقد أعطى الاستفزازان نتائج سريعة. فقطعت الطرق في المناطق ذات الأكثرية السنية ووقع صدام مع سكان عين الرمانة وبدا لساعات قليلة أن البلد قابل للانفجار. وتوقفت الأمور هنا بعدما صدر أمر سحب «العناصر غير المنضبطة» ونشر بيانات التكاذب المعهودة المنددة بالفتنة.
كانت تلك جرعة مدروسة ومعدة مسبقاً من الحزب لإعلان حظره على استئناف التظاهر والاحتجاج على الأوضاع الكارثية. الذريعة وراء هذه الممارسة واضحة وجاهزة: هناك بعض «الخونة» الذين طالبوا بنزع سلاح «حزب الله». وتنضم هذه الذريعة إلى سابقة لها استخدمت لضرب المتظاهرين واقتلاع خيمهم وتهديدهم في الأشهر الأولى للانتفاضة، وهي «شتم المقامات» والمقصود بها قيادة الحزب وحركة «أمل». وهو ما لا تستطيع الذائقة الحساسة لجمهور المقاومة ابتلاعه.
غني عن البيان أن الذريعتين تفتقران إلى أي تجسد في الواقع. فالشتائم في أثناء المظاهرات كانت تطال أولاً بعض رموز الفساد والتسلط الممثلين في الحكومة السابقة. تماماً مثل أن الدعوة إلى نزع سلاح الحزب لم تكن هي المحرك وراء مظاهرات يوم السبت لاعتبارات يدركها المنظمون الحريصون على عدم الاصطدام في الشارع بغوغاء الحزب والحركة.
بيد أن الشتيمة التي قيلت بصوت خافت جداً والدعوة إلى تسليم السلاح التي لم تخرج من إطار التفكير بصوت عال، كانتا كافيتين لتحويل قوى التحالف الحاكم لهما إلى تهديد خطير للسلم الأهلي. واستجرت الكلمة التي قيلت في الهواء فعلا انعكس على وجوه المتظاهرين على شكل كدمات ورضات.
كانت هذه الكلمات بمثابة الذريعة المرجوة والمنشودة لإفهام المتظاهرين أن حراكهم مرفوض ولن يمر. وأن من يقرر مصير البلد ما زال مصراً على دفعه إلى الجوع والفشل. وهذا ما ظهر في التعيينات الإدارية الأخيرة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».