سيكون ملف التدخل التركي في ليبيا، والأنشطة البحرية التركية في مياه شرق المتوسط، موضوعاً رئيسياً على جدول مباحثات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين المقبل، ذلك أن الدول الـ27 تنظر، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، بـ«كثير من القلق» إلى الدور المزدوج والمتعاظم، الذي أخذت تلعبه تركيا بفضل تدخلها العسكري المباشر، أو عبر المرتزقة السوريين، الذين تجلبهم بالآلاف إلى ميدان المعارك في ليبيا للقتال إلى جانب حكومة «الوفاق».
ومن جهة أخرى، يعتبر الأوروبيون أن أطماع تركيا في نفط وغاز المتوسط قد تضاعفت بعد الاتفاق بين أنقرة ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج. وحتى اليوم، تصمّ تركيا أذنيها عن النداءات التي يطلقها الأوروبيون تباعاً منذ ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وتمضي في تحدي «الاتحاد»، وتخطط لتوسيع عمليات التنقيب التي تفتئِت على الحقوق المائية وما تحتها لليونان وقبرص، وهما عضوان في الاتحاد الأوروبي.
ويبدو واضحاً أن النداءات والقرارات لن تردع أنقرة عن السير في خططها، ما يدفع «الاتحاد» إلى التلويح بفرض عقوبات عليها، وفق ما أشار إليه أمس مسؤول السياسة الخارجية والدفاع في «الاتحاد»، جوزيب بوريل. ومن جملة ما يثار من تهديدات حرمان تركيا من وضعها كمرشح محتمل لعضوية «الاتحاد». لكن أمراً كهذا لن يكون ذا وزن، لأن الطرف الأوروبي لا يخفي صعوبة العضوية التركية، بل إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا بداية العام الماضي نظيره التركي رجب طيب إردوغان إلى «التخلي» عن فكرة الانضمام، لأنها «ليست واقعية».
بيد أن ملف الحرب المتواصلة في ليبيا وتطوراتها أخذت تضغط بقوة على الأوروبيين الذين يرون، وفق المصادر المشار إليها، أن الانغماس التركي - الروسي فيها «سحب الأوراق من أيديهم»، وسط تخوفات من أن يتوصل الطرفان إلى تفاهم يعيد استنساخ الوضع السوري؛ حيث تصبح لكل طرف «منطقة نفوذ» وقوات تحميها. لذا، فإن باريس وبرلين وروما وبوريل أصدروا بياناً وزّعته وزارة الخارجية الفرنسية، وفيه دعوة ملحة «للأطراف الليبية والدولية» من أجل «وقف فوري وفاعل» للعمليات العسكرية كافة.
وتقول المصار الأوروبية إن أنقرة اعتادت على «ابتزاز» الأوروبيين في ملف الهجرة، وكان آخر ما قامت به في هذا الإطار دفع عشرات الآلاف من اللاجئين على أراضيها باتجاه الحدود التركية ــ اليونانية للضغط على الاتحاد الأوروبي. والتخوف أن تعمد، في حال ثبّتت مواقعها في ليبيا، إلى استخدام الورقة نفسها. ولكن هذه المرة انطلاقاً من الشواطئ الليبية، ودفع اللاجئين والمهاجرين نحو الشواطئ الأوروبية في مالطا وإيطاليا، وغيرها من الدول الأوروبية المتوسطية.
والحال أن الأوروبيين، ورغم أوراق الضغط التي يمتلكونها إزاء تركيا، ظلوا حتى اليوم «مترددين» بسبب تباين المواقف الأوروبية من جهة، ولأنه ليست كل العواصم معنية بالقدر نفسه بما يجري في مياه المتوسط، أو على الأراضي الليبية.
وفي هذا الإطار، يبرز الموقف الفرنسي بقوة؛ حيث لا يتردد المسؤولون الفرنسيون من توجيه انتقادات عنيفة للأداء التركي في ليبيا. وقد حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان من «سورنة» ليبيا. وبحسب ما نقلته صحيفة «لو فيغارو» عن مصدر دبلوماسي فرنسي، فإن «البصمة التركية في ليبيا توفر ضغوطاً سياسية واستراتيجية على أوروبا، وهذا ما لا نريده، ولذا يتعين التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والمحافظة على ضرورة الحل السياسي».
وأشارت مصادر أوروبية أخرى إلى أن ما يغيظ الأوروبيين هو التعاطي الأميركي؛ حيث يبدو أن واشنطن «تلعب الورقة التركية في ليبيا كوسيلة ضغط على روسيا»، ما يضع الشريك الأوروبي في وضع غير مريح. وفي مختلف الأحوال، فإن الجانب الأوروبي، الذي له مصالح واضحة في ليبيا في 3 ملفات رئيسية، هي الهجرات والإرهاب والنفط، لا يريد رؤية يد إردوغان تهيمن على ليبيا. وبالمقابل، لا يريد أن يتحول هذا البلد إلى قاعدة روسية في مياه المتوسط. والمخرج بالنسبة للأوروبيين هو وقف الحرب، والجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل حل سياسي. لكن التمني شيء والواقع شيء آخر.
الأوروبيون متخوفون من تمدد تركيا في ليبيا... ومحتارون إزاء سياسة واشنطن
الملف التركي على جدول محادثات وزراء «الاتحاد» الاثنين
الأوروبيون متخوفون من تمدد تركيا في ليبيا... ومحتارون إزاء سياسة واشنطن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة