الأوروبيون متخوفون من تمدد تركيا في ليبيا... ومحتارون إزاء سياسة واشنطن

الملف التركي على جدول محادثات وزراء «الاتحاد» الاثنين

TT

الأوروبيون متخوفون من تمدد تركيا في ليبيا... ومحتارون إزاء سياسة واشنطن

سيكون ملف التدخل التركي في ليبيا، والأنشطة البحرية التركية في مياه شرق المتوسط، موضوعاً رئيسياً على جدول مباحثات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين المقبل، ذلك أن الدول الـ27 تنظر، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، بـ«كثير من القلق» إلى الدور المزدوج والمتعاظم، الذي أخذت تلعبه تركيا بفضل تدخلها العسكري المباشر، أو عبر المرتزقة السوريين، الذين تجلبهم بالآلاف إلى ميدان المعارك في ليبيا للقتال إلى جانب حكومة «الوفاق».
ومن جهة أخرى، يعتبر الأوروبيون أن أطماع تركيا في نفط وغاز المتوسط قد تضاعفت بعد الاتفاق بين أنقرة ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج. وحتى اليوم، تصمّ تركيا أذنيها عن النداءات التي يطلقها الأوروبيون تباعاً منذ ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وتمضي في تحدي «الاتحاد»، وتخطط لتوسيع عمليات التنقيب التي تفتئِت على الحقوق المائية وما تحتها لليونان وقبرص، وهما عضوان في الاتحاد الأوروبي.
ويبدو واضحاً أن النداءات والقرارات لن تردع أنقرة عن السير في خططها، ما يدفع «الاتحاد» إلى التلويح بفرض عقوبات عليها، وفق ما أشار إليه أمس مسؤول السياسة الخارجية والدفاع في «الاتحاد»، جوزيب بوريل. ومن جملة ما يثار من تهديدات حرمان تركيا من وضعها كمرشح محتمل لعضوية «الاتحاد». لكن أمراً كهذا لن يكون ذا وزن، لأن الطرف الأوروبي لا يخفي صعوبة العضوية التركية، بل إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا بداية العام الماضي نظيره التركي رجب طيب إردوغان إلى «التخلي» عن فكرة الانضمام، لأنها «ليست واقعية».
بيد أن ملف الحرب المتواصلة في ليبيا وتطوراتها أخذت تضغط بقوة على الأوروبيين الذين يرون، وفق المصادر المشار إليها، أن الانغماس التركي - الروسي فيها «سحب الأوراق من أيديهم»، وسط تخوفات من أن يتوصل الطرفان إلى تفاهم يعيد استنساخ الوضع السوري؛ حيث تصبح لكل طرف «منطقة نفوذ» وقوات تحميها. لذا، فإن باريس وبرلين وروما وبوريل أصدروا بياناً وزّعته وزارة الخارجية الفرنسية، وفيه دعوة ملحة «للأطراف الليبية والدولية» من أجل «وقف فوري وفاعل» للعمليات العسكرية كافة.
وتقول المصار الأوروبية إن أنقرة اعتادت على «ابتزاز» الأوروبيين في ملف الهجرة، وكان آخر ما قامت به في هذا الإطار دفع عشرات الآلاف من اللاجئين على أراضيها باتجاه الحدود التركية ــ اليونانية للضغط على الاتحاد الأوروبي. والتخوف أن تعمد، في حال ثبّتت مواقعها في ليبيا، إلى استخدام الورقة نفسها. ولكن هذه المرة انطلاقاً من الشواطئ الليبية، ودفع اللاجئين والمهاجرين نحو الشواطئ الأوروبية في مالطا وإيطاليا، وغيرها من الدول الأوروبية المتوسطية.
والحال أن الأوروبيين، ورغم أوراق الضغط التي يمتلكونها إزاء تركيا، ظلوا حتى اليوم «مترددين» بسبب تباين المواقف الأوروبية من جهة، ولأنه ليست كل العواصم معنية بالقدر نفسه بما يجري في مياه المتوسط، أو على الأراضي الليبية.
وفي هذا الإطار، يبرز الموقف الفرنسي بقوة؛ حيث لا يتردد المسؤولون الفرنسيون من توجيه انتقادات عنيفة للأداء التركي في ليبيا. وقد حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان من «سورنة» ليبيا. وبحسب ما نقلته صحيفة «لو فيغارو» عن مصدر دبلوماسي فرنسي، فإن «البصمة التركية في ليبيا توفر ضغوطاً سياسية واستراتيجية على أوروبا، وهذا ما لا نريده، ولذا يتعين التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والمحافظة على ضرورة الحل السياسي».
وأشارت مصادر أوروبية أخرى إلى أن ما يغيظ الأوروبيين هو التعاطي الأميركي؛ حيث يبدو أن واشنطن «تلعب الورقة التركية في ليبيا كوسيلة ضغط على روسيا»، ما يضع الشريك الأوروبي في وضع غير مريح. وفي مختلف الأحوال، فإن الجانب الأوروبي، الذي له مصالح واضحة في ليبيا في 3 ملفات رئيسية، هي الهجرات والإرهاب والنفط، لا يريد رؤية يد إردوغان تهيمن على ليبيا. وبالمقابل، لا يريد أن يتحول هذا البلد إلى قاعدة روسية في مياه المتوسط. والمخرج بالنسبة للأوروبيين هو وقف الحرب، والجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل حل سياسي. لكن التمني شيء والواقع شيء آخر.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».