التغيرات المناخية تهدد التنوع الطبيعي في العالم

كتاب فرنسي يوضح مخاطرها ويشدد على تكاتف الدول لمواجهتها

التغيرات المناخية تهدد التنوع الطبيعي في العالم
TT

التغيرات المناخية تهدد التنوع الطبيعي في العالم

التغيرات المناخية تهدد التنوع الطبيعي في العالم

باتت قضية التغيرات المناخية مقلقة للعالم، ليس فقط على منطقة جغرافية بعينها، ولكن على الكرة الأرضية بأكملها، خاصة في ظل ما يشهده الكوكب مؤخراً من تغيرات مناخية ملحوظة تنعكس سلبا على الحياة اليومية للمجتمعات في ظل الخطر المحدق بالقمم الجليدية الناتج في جزء منه عن التصرفات البشرية.
هذا الأمر جعل ملف التغيرات المناخية يمثل تحدياً كبيراً للإنسانية، في ظل ارتفاع درجة حرارة الكوكب بنسبة 1.2 درجة مئوية في غضون أقل من قرن من الزمان مما يعرض مستقبل الإنسانية للخطر، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بمستقبل الأمن الغذائي الذي أضحى يمثل هو الآخر جانبا مؤثرا بالنسبة للفرد والمجتمع وأصبح مهدداً أضعافاً الآن في ظل تفشى فيروس كورونا.
وفى إطار اهتمام المجتمع الدولي بهذه القضية، شهدت المكتبات الفرنسية أخيراً صدور كتاب «المناخ في مائة سؤال» عن دار النشر الفرنسية «تالندييه» في 384 صفحة من القطع المتوسط لمؤلفين يتمتعان بخيرة كبيرة في مجال البحث العلمي، هما «سلفستر هيت» ويعمل صحافياً علمياً بصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية منذ أكثر من 20 عاما وله مدونة علمية ذائعة الصيت تهتم بكل ما هو جديد في مجال العلوم وتأثير ذلك على حياة الفرد والمجتمع، والثاني هو «جيل رامستين»، ويشغل منصب مدير الأبحاث في معمل «علوم المناخ والبيئة» وهو متخصص في الأبحاث والدراسات المعنية بالمناخ وتفسير الظواهر المناخية، وانعكاساتها على البشر والبيئة.
يرصد الكتاب تطور التغيرات المناخية خلال الألف عام المنصرمة، خاصة في ظل ارتفاع متوسط درجة حرارة الكوكب وارتفاع مستوى سطح البحر على خلفية ما لحق بالمياه من ارتفاع في درجة الحرارة، ومن ثم ذوبان الجليد، إضافة إلى انعكاسات ارتفاع درجات الحرارة على التنوع الطبيعي.
ويؤكد الكتاب أنه رغم الاهتمام الدولي بقضية التغيرات المناخية في ضوء التقرير الأول لمجموعة الخبراء الدوليين حول تطور المناخ وكذلك توقيع الميثاق الإطاري للأمم المتحدة، حول التطورات المناخية في 1992، فإن نسبة ثاني أكسيد الكربون ما زالت مستمرة في الزيادة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتكنولوجية على خلفية هذه الموجة التي تصطدم بمصالح كبرى، وتهدد بإلغاء كم هائل من الوظائف.
- الإنسان في الأزمة
يورد الكتاب أن الإنسان ألقى خلال قرن ونصف القرن، 545 مليار طن من الكربون في شكل ثاني أكسيد الكربون في الطبيعة، في صورة غازات وهو التصرف المسؤول بشكل مباشر عن نحو 60 في المائة من تأثير الاحتباس الحراري الطبيعي، الأمر الذي ترتب عليه زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون بنسبة من 280 في المائة إلى 391 في المائة ليكون بذلك مسؤولاً عن أكثر من 50 في المائة من تأثير الاحتباس الحراري.
واستنتاج الكاتبين هذا، يتفق مع تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وجاء فيه أن «تأثير الإنسان على النظام المناخي ثابت بشكل واضح على مدى الألف عام الماضية، حيث عرفت الأرض خمس فترات دافئة، تعرف باسم (الجليديات)، تتخللها أربع جليديات، وهو ما يحدث منذ مائتي وخمسين عاماً، لكن علينا أن نميز بين العوامل الطبيعية للاحتباس الحراري (الاختلافات في الإشعاع الشمسي، والانفجاريات البركانية الكبيرة...) وما يسمى العوامل «البشرية» (الانبعاثات البشرية - الأنثروبوس تعني الإنسان، باليونانية - غازات الاحتباس الحراري). التي تؤكد دور العنصر البشرى في زيادة معدلات الاحتباس الحراري».
ويذكر الكتاب أن القياسات التي أجريت مباشرة على الغلاف الجوي أوضحت زيادة تركيز الغازات الدافئة إلى مستويات قياسية لم يتم تسجيلها منذ ملايين السنوات. كما لوحظ تغيرات في المناخ والبيئة بوضوح منذ ذلك الحين، ما أحدث تغيرات مناخية ملحوظة خلال المائة عام المنصرمة على النحو التالي: زيادة متوسط درجة الحرارة بمقدار 0.75 درجة مئوية، وتكون هذه الزيادة أكبر ليلاً من النهار، وبالتالي ضاقت الفجوة بين النهار - الليل لتسير في اتجاه يؤدي إلى زيادة تأثير الاحتباس الحراري، ثم ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 15 سم، وكذلك انخفاض حجم طوف الجليد بنسبة 50 في المائة خلال الـ35 سنة الماضية الأمر الذي يترتب عليه هطول الأمطار على حوض البحر المتوسط.
- تغير التوازن
ويذهب المؤلفان إلى أن التغيرات المناخية تحدث تغيراً وانكساراً في التوازن المناخي حيث خلصت تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى وجود ارتفاع في درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات، ولوحظ أن درجة حرارة الغلاف الجوي العالمية زادت بنسبة 0.85 درجة مئوية، وأن الفترة 1983 - 2012 كانت الأكثر دفئاً في نصف الكرة الشمالي منذ 1400 عام.
ويحذر الكتاب في ظل هذه الظروف، من المخاطرة بتسريع ذوبان الجليد وزيادة مستوى سطح البحر، لافتا إلى أن العواقب ضارة للغاية، وقد ينجم عنها الفيضانات، وضعف الدورة الحرارية في المحيط الأطلسي وما يرتبط بذلك من تصحر وزيادة نسبة الجفاف ومن ثم زيادة معدلات الحرائق.
ويدلل الكتاب على هذا المخاطر، ففي فرنسا مثلاً، أدى الاحتباس الحراري وتغير درجة حرارة البيئة إلى تغير الدورات الزراعية وتراجع إنتاج بعض الزراعات مثل الكروم بنسبة 20 إلى 80 في المائة. إن الدول المتقدمة، كما يقول المؤلفان، تتحمل مسؤولية تاريخية عن زيادة تأثير الاحتباس الحراري، حيث إنها تمثل أكبر مصدر للغازات المسببة لهذا الاحتباس منذ الثورة الصناعية لديها. وفي مقابل ذلك، فإن الدول النامية هي التي ستعاني أكثر من غيرها حيث ستزيد آثار تغير المناخ من المشاكل القائمة بالفعل مثل الفقر وسوء التغذية والصعوبات في الحصول على مياه الشرب.
ففي أفريقيا، سيجعل الجفاف توفر مياه الشرب أكثر صعوبة. وفيما يتعلق بالقارة الآسيوية، سيؤدي ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا وارتفاع مستوى سطح البحر إلى حدوث فيضانات كبيرة، خاصة في دلتا الأنهار العملاقة مثل نهر الغانج في الهند ويانغتسي في الصين. أما الجزر الصغيرة فهي مهددة بتكاثر الكوارث الطبيعية وخطر ابتلاعها.
وحول سبل المواجهة يشدد الكتاب على ضرورة تكاتف جميع دول العالم الآن في العمل على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير بحلول عام 2050 وإزالتها تماماً بين 2050 و2100، من أجل الحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب. وهذا يعني التخلي عن الوقود الأحفوري، ووقف تام وكامل لإزالة الغابات أو حتى إعادة زراعة الأشجار، خاصة أنه من المتوقع أن تؤدي زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون إلى زيادة حدة الأزمة. ويشير الكتاب إلى أن مجابهة ملف التغيرات المناخية قضية ذات طابع دولي ولا تتعلق بدولة أو بقارة دون أخرى.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»