طرابلس تخشى الفوضى وفاتورة التوتر المذهبي

TT

طرابلس تخشى الفوضى وفاتورة التوتر المذهبي

تعيش مدينة طرابلس اللبنانية حالاً من «الاستنفار» في أعقاب مظاهرة يوم السبت الماضي، التي كادت تتحول إلى مواجهات مذهبية واسعة، بعد تداول فيديوهات مسيئة استفزت الشارع السُني في لبنان.
وتشهد المدينة منذ السبت تحركات ترفع شعارات ضد «حزب الله» وأمينه العام حسن نصر الله، وهو ما قد ينذر بتصعيد قد يكون محسوباً بالنسبة إلى البعض.
ويبدي القيادي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش ورئيس بلدية المدينة رياض يمق، خشيتهما من أن يستغل البعض الوضع لافتعال مشكلات وأحداث أمنية في المدينة، في حين تحاول المجموعات التي شاركت في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التأكيد مجدداً على رفض الطائفية وأولوية المطالب التي خرجت الانتفاضة من أجلها.
ويقول علوش لـ«الشرق الأوسط»، إن «طرابلس مثل أي مدينة سنية تفتقد للبوصلة والقيادة، حيث إن القيادات من فريقنا وغيره معتكفون أو ينتظرون إلى حين يخلق الله ما لا تعملون»، واصفاً هذا الأمر بـ«الخطر الكبير». وأضاف «من هنا قد تعمل المجموعات الصغيرة المتطرفة على استغلال عدم وجود القيادات الحكيمة في الطائفة السنية في لبنان بشكل عام وطرابلس بشكل خاص، لتقوم ببعض الأعمال الأمنية».
ويعتبر علوش، أن «ما يحصل اليوم هو وجه من وجوه الحرب الأهلية المستمرة، وإن بشكل متقطع في لبنان منذ العام 2005 عندما قرروا اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري»، مشيراً إلى أن «السبب الوحيد الذي حال دون المعارك العسكرية الطويلة هو أن السلاح في يد فريق واحد هو (حزب الله)». وفي حين يرى أن «حزب الله» قد يكون وراء التوتر الأخير الذي حصل على خلفية إطلاق الشعارات الدينية الاستفزازية، أو لا يكون، لكنه يؤكد أن الحزب هو «المستفيد الأول مما يحصل». وأوضح، أن «(حزب الله) يعاني في هذه المرحلة من أزمة في بيئته نتيجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وبالتالي من صالحه استدراج الآخرين لتبرير تمترسه وراء مذهبيته والهرب إلى الأمام لجعل طائفته تتحمل هذا الواقع عبر إقناعها بأنه يدافع عنها».
ومع تحذيره من استغلال بعض الأطراف غياب القيادات السنية عن المدينة، يخشى علوش من أن تدخل طرابلس في فوضى مفتوحة نتيجة الفقر المتزايد والذي قد يؤدي إلى أعمال عنف غير محسوبة النتائج.
وما يحذّر منه علوش يؤكد عليه أيضاً رئيس البلدية رياض يمق، واصفاً الوضع في طرابلس بـ«غير المريح أمنياً واجتماعياً»، مع تأكيده على أن «المجموعات التي تخرج في المدينة غير تلك التي شاركت في التحركات السابقة، ومن قاموا بأعمال العنف كانوا ملثمين ولا يمثلون الثورة الحقيقية، بل يشوّهون مطالبها». ويحذّر يمق من «استغلال الأحداث الأخيرة ووقوع المحظور فتدفع طرابلس، وكما كل مرة، الفاتورة المرتفعة»، مشدداً بدوره على أن الإهمال ونسبة الفقر والبطالة في المدينة تجعلها الخاصرة الرخوة؛ «ما قد يؤدي إلى تشويه صورة المدينة التي طوت صفحة الماضي، مرة جديدة، عبر جهات يهمّها أن تعيد الفوضى إليها».
لكن في المقابل، يقول الناشط في المدينة يوسف تكريتي، إن «هناك بعض الجهات السياسية تستغل الظروف والأحداث التي شهدها لبنان في الأيام الأخيرة على خلفية مذهبية وطائفية، عبر مجموعات في المدينة». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «معظم هذه المجموعات التي تخرج تحت هذا العنوان لم تكن مشاركة في التحركات الشعبية منذ أكتوبر».
ورغم الخوف الذي يعبّر عنه البعض من أن تنزلق المدينة التي سبق أن شهدت معارك مذهبية على امتداد سنوات طويلة، مجدداً إلى العنف الطائفي، تؤكد مجموعات شاركت في الحراك رفضها هذا الأمر، وهي تقوم بمبادرات في هذا الإطار. وتحت هذا العنوان نظمت أمس مسيرات في المدينة التي سبق أن أطلق عليها تسمية «عروس الثورة» حملت إحداها عنوان «ضدّ الطائفية» مع التأكيد بحسب الدعوة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، أن المسيرة هي «لإحياء المطالب المحقة وكي يعرف كل لبناني أن أبناء (17 أكتوبر) ينتمون إلى كل الطوائف».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».