مستشار الأمن القومي الأميركي السابق: أكبر خيبة أمل في زماننا سلام الشرق الأوسط

جرى اللقاء في إسطنبول أثناء وجود الجنرال جون ألن في أنقرة، ومع وصول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن. ورغم السحابة السوداء المخيمة على العلاقات الأميركية - التركية أصر الجنرال السابق جيمس جونز على فكرة أنه لا بد لمثل هذه العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين من أن تتجاوز الصعوبات التي تتراكم في طريقها، فهو رئيس «المجلس الأميركي - التركي» ويصغي إلى ما يقوله السياسيون ورجال الأعمال الأتراك.
عمل الجنرال جونز قائدا للقيادة الأميركية - الأوروبية في الحلف الأطلسي، ثم مستشارا للأمن القومي الأميركي مع الرئيس باراك أوباما. حدد الدور الأميركي في العراق وفي الحرب في أفغانستان. شارك بوصفه ضابط عمليات في شمال العراق وتركيا، وكذلك في البوسنة والهرسك ومقدونيا. في عام 2008 كان المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية إلى الشرق الأوسط، وفي عام 2010 غادر موقعه مستشارا للأمن القومي من دون أن يغادر اهتماماته العسكرية والسياسية. في حديثه إلى «الشرق الأوسط» قال عن القضية الفلسطينية: «إذا استطعنا إصلاح أمر واحد في هذا الكون فيجب أن يكون إيجاد حل لهذه القضية، وإقامة الدولتين أفضل الحلول». منذ حياته العسكرية كانت إيران تقلقه ولا تزال. عن قوتها العسكرية يقول إنها كافية «للاستمرار بالتسبب بصعوبات ومشاكل في المنطقة (...) لكن يمكن إلحاق الهزيمة بها إذا ما وقعت الحرب».
يودعني الجنرال باللغة الفرنسية. وهنا نص الحديث:

* نصح هنري كيسنجر إسرائيل بأن لا تفاوض حول السلام مع الفلسطينيين الآن قبل نهاية تنظيم داعش. ما رأيك بهذه النصيحة؟
- لا أرغب في أن أناقض هنري كيسنجر، لكن شعوري بأن أكبر خيبة أمل في زمننا هي في عدم إيجاد حل لعملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. قلت عدة مرات ولا يزال هذا اعتقادي، إنه إذا استطعنا إصلاح أمر واحد في هذا الكون، فيجب أن يكون هذا الأمر؛ لأن تأثير الحل سيكون مفيدا جدا، فهذه ليست فقط مشكلة محلية وإنما مشكلة عالمية ويجب أن نحقق تقدما فيها. هذه وجهة نظري.
* الآن بعد التطورات الأخيرة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المسجد الأقصى والكنيس، هل هناك خطر من حرب طائفية بين الطرفين؟
- إنها أخطر جزء في العالم ومن الصعب تخمين ما قد يحدث في المستقبل. احتمال اندلاع العنف هناك قائم في كل لحظة، وهذا يؤكد الضرورة الحتمية لإيجاد حل طويل الأمد، وبنظري إقامة دولتين هو الحل الوحيد.
* ما كان هدف زيارة الجنرال جون آلن إلى تركيا، في الوقت الذي قال فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه يريد من الأميركيين أن يقيموا منطقة عازلة في سوريا كي يوافق على التعاون؟
- تعرفين أنا في القطاع الخاص الآن. أعرف الجنرال آلن منذ سنوات طويلة خدم في «المارينز» معي، هو رجل ذو صدقية وحكيم... لكنني لا أعرف ما جرى بحثه. إنما أكيد شمل التعاون العسكري الأميركي – التركي وربما تبادل وجهات النظر حول طرق مختلفة لتحقيق أهدافنا المشتركة.
* ما أهدافكما المشتركة؟
- الالتزام بإطاحة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في مرحلة ما، فهذه ليست حكومة شرعية. آراؤنا هنا متشابهة، ونريد التأكد من أن تثبت الحكومة العراقية الجديدة نفسها، ثم بقاء العراق دولة موحدة، وبالطبع القضاء على خطر «داعش». أعتقد أن لدينا الكثير من الأهداف المشتركة، وما يجري الآن هو حول أفضل السبل للوصول إلى هناك.
* لكن في رسالته إلى المرشد الأعلى قال الرئيس الأميركي إن هدف العمليات العسكرية في سوريا ليس إطاحة الأسد، وليس ضد النظام، وفي قمة بريسبن في أستراليا عندما سئل عما إذا كانت هناك من خطة لإزاحة الأسد أجاب: كلا.
- ثانية، أنا في القطاع الخاص.
* لكنك سمعت بهذا؟
- لا أعرف ماذا قال كل واحد ولمن قال، أنا أتكلم على المستوى الاستراتيجي، وسعيد أن الجنرال آلن في تركيا الآن، وكذلك نائب الرئيس جو بايدن. لقد التقيت في أنقرة عدة شخصيات تركية وتحدثنا عن منظمة «المجلس الأميركي - التركي» وكيف يمكننا تقوية العلاقة الاقتصادية بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية. أنا لا أحاول تجنب السؤال، إنما لست على قرب من تلك الاتصالات.
* لكن، ماذا بالنسبة إلى رأيك؟
- برأيي أن لدينا أهدافا مشتركة.
* بالنسبة إلى مصير الأسد؟
- ما أراه يجري الآن هو إيجاد أفضل الطرق بين الأصدقاء لتحقيق هذه الأهداف. يجب أن أبقى متفائلا وأن تجد العلاقات التركية - الأميركية نوعا من الاتفاق حول إيجاد نقطة للانطلاق.
* رئيس المكتب السياسي في «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال يد الله جواني قال إن الأزمة في العراق وسوريا سوف تنتقل إلى تركيا، إذا لم تعدل أنقرة تصرفاتها. هل تعتبر هذا تهديدا؟ وهل يمكن لإيران أن تزعزع استقرار تركيا؟
- لا أعتقد أن إيران تقوم بأعمال ضد مصلحتها. هناك الكثير من المفاوضات دائرة، وآمل أن يتم التحقق من كل شيء. هذه المنطقة منطقة خطيرة جدا. ولعدة سنوات كانت إيران مهندس الدعم للأسد، كما تبنت الإرهاب ومسؤولة عن قتل الآلاف من الناس، وأعتقد أنها حتى تعدل من تصرفاتها، وتثبت أن هذا تغييرا جذريا، يجب أن تظل تعتبر على أساس ما كانت عليه. وأنا أتعاطف مع الشكوك والمشاعر التركية حتى يثبت العكس.
* وهل تتعاطف مع شكوك ومشاعر الدول العربية والخليجية بالذات بالنسبة إلى إيران؟
- أنا طوال حياتي العسكرية كانت تقلقني إيران، وطالما لا يوجد ما يبدد شكوكنا، يجب أن نظل كذلك حتى يثبت العكس.
* أنت سعيد لأن نائب الرئيس بايدن هنا، هل تعتقد أنه سينجح في إقناع الرئيس إردوغان بأن يسير جنبا إلى جنب مع الأميركيين في هذه المهمة؟
- هناك دولتان ذواتا سيادة، لديهما خلافات يجب أن تصطلح، وأنا على قناعة بقيمة هذه العلاقة التاريخية والاستراتيجية، ولا شك أنه بوصفهما صديقتين ستجدان طريقا مشتركا، وهذا ما يجري الآن.
* هل أنت متفائل بالتقارب الجديد بين أنقرة وبغداد وأربيل؟
- أعتقد أن هذه إشارة جيدة جدا، وأعتقد أن يستمر التقارب، وأميركا سعيدة وتبذل كل جهدها كي يستمر هذا التقارب الناجح.
* لكن إيران قالت إن لديها خطين أحمرين، العراق وسوريا، ما سيكون في اعتقادك رد فعلها تجاه هذا التقارب وتجاه سوريا؟
- سيكون من المهم أن نراقب، هذا بالتأكيد اختبار لإيران إذا ما كانت جادة في الانضمام إلى المجموعة الدولية بطريقة جدية.
* أي التوقف عن التدخل في العراق وسوريا!
- لديها فرصة لتغيير طرقها، إنما عليها أن تثبت ذلك. هي لا تحب أن تسمع ذلك، والإيرانيون شعب فخور، وإنما التاريخ يحكي، ولا يمكن أن نتظاهر أنه لم يكن هناك خطر إيراني محدق بالمنطقة.
* في العالم العربي، تقريبا لا يصدقون كيف أن قوة عظمى مثل أميركا لا تستطيع أن تهزم «داعش»، وأمس في جلسة النقاش قلت إن الطريق طويل. لماذا؟ أوضح لي الأمر بصفتك جنرالا عسكريا!
- من المؤكد أنه يمكن إلحاق الهزيمة بـ«داعش»، إنما السؤال هو عن الطريقة لفعل ذلك. بنظري أنه في مرحلة ما لا بد من وجود قوات برية لتحرير الموصل. كيف ستكون هذه القوة؟ من سيوفرها؟ هذا جزء من النقاش الدائر. الولايات المتحدة أرسلت نحو 3 آلاف مستشار ليكونوا مع الجيش العراقي، هذه بداية.
* بداية؟
- نعم، إنما أكاديميا يمكن إلحاق الهزيمة بـ«داعش» وبسرعة.
* بسرعة؟
- بسرعة، مرة ثانية أكاديميا، إذا وفرنا القوة الضاربة المطلوبة.
* إذا كنت أنت الجنرال المخول مسؤولية إلحاق الهزيمة بـ«داعش».. فما الذي ستكون عليه خطتك «ألف» و«باء».. الأولى لهزيمة «داعش»، والثانية لما بعد؟
- أكاديميا..
* أكاديميا هل تعني عسكريا؟
- أعني من سيقوم بالمهمة. أكاديميا نحتاج إلى عملية مشتركة من السلاح الجوي، والبري، مدعومة بلوجيستية جيدة، وبنسبة قوات تجعل من قوات «داعش» أن تواجه وتقاتل وتموت أو تختفي. هذه الخطة الأولى، أما الخطة لما بعد «داعش»، فأعتقد استراتيجيا بأن عدة عواصم يجب أن تكون بدأت الحديث حول هذا: اقتصاد، بناء، مصالحة، وكيف تحكم؟ كل هذه الأشياء يجب أن تسير جنبا إلى جنب، لا يمكن تحقيق نصر عسكري ثم لا شيء بعده.
* نعرف أن الولايات المتحدة الأميركية ضد إقامة دولة كردية مستقلة، لكن في الوقت نفسه تريد من الأكراد أن يستعدوا لمقاتلة «داعش»؟
- كأميركا، نريد أن يبقى العراق دولة موحدة ونريد حكومة في بغداد تمارس المصالحة الداخلية، وهذا ما لم يفعله رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ونأمل أن تفعل الحكومة الحالية عكس ذلك، وفيما يتعلق بأحد أسئلتك السابقة عن العلاقة بين بغداد وأربيل وأنقرة، نحن نشجع هذا التقارب، وهذا يساعد على تحديد مستقبل العراق.
* البعض في الدول العربية يعيد ضعف السياسة الخارجية الأميركية إلى رغبتها في إرضاء إيران على حساب بقية دول المنطقة، خصوصا من قبل الرئيس أوباما؟
- أعتقد أن أميركا لن تفاوض أو تتوصل إلى اتفاق مع إيران غير مسؤول أو غير مدقق به جيدا.
* تعتقد أو تتمنى؟
- أعتقد أننا نحن الأميركيين سنكون مسؤولين، ولا أعتقد أننا نبحث عن تسوية سياسية بأي ثمن. هذا غير متسق مع تصرفات كل الإدارات الأميركية الديمقراطية والجمهورية. لدينا نظام التدقيق والتحقق، وهذا النظام يسير بشكل جيد.
* الدول الـ5+1 التي تفاوض إيران، صارت أخيرا تتكلم أكثر عن احتواء البرنامج النووي الإيراني وليس عن تفكيكه، فهل تعتقد أن هذه الدول ستسمح لإيران بأن تكون مثل اليابان، دولة على العتبة النووية؟
- تسألينني سؤالا تأمليا، حسب وجهة نظري فإنه مهما فعلنا مع إيران وكل ما نتوصل إليه يجب أن يكون عرضة للتدقيق العميق، وتدقيق لا يمكن دحضه. لا أشكك للحظة واحدة في أن إيران جلست حول الطاولة لأن المقاطعة آذتها كثيرا. لا يوجد سبب آخر لمجيئها. يجب أن لا نتجاهل هذا الأمر، وأن المقاطعة الاقتصادية فعلت فعلها، وكي نعرف أنها مخلصة بما تقوم أو تلتزم به، علينا أن يكون لدينا نظام تدقيق صارم.
* بصفتك جنرالا، هل تعتقد أن إيران عسكريا قوية جدا؟
- إنها قوية بشكل كاف، بمعنى أنها إذا رغبت في الاستمرار بالتسبب في الصعوبات والمشكلات في المنطقة، فهي تستطيع ذلك.
* لكن يمكن إلحاق الهزيمة بها إذا وقعت حرب؟
- نعم.. لكن آمل أن لا تقع الحرب.
* أمس في الجلسة قلت إن الإيزيديين في العراق صاروا بأمان، لكن الأسبوع الماضي قال فؤاد حسين رئيس مكتب مسعود بارزاني رئيس الإقليم الكردي في العراق، إن 10 آلاف إيزيدي في خطر الآن لأن «داعش» عاد يطوق جبل سنجار ولا يملكون السلاح الكافي.
- لا أعرف هذا. ما أعرفه أنه تم توقيف تقدم «داعش» على عدة جبهات، والآن نحن في مرحلة نقرر فيها طرد «داعش».
* طردهم إلى أين؟
- لا أعرف إلى أين سيذهبون. أريد دحرهم بحيث لا يستطيعون الذهاب إلى أي مكان. وأحد الأشياء التي يجب أن نفعلها هو أن نعرف من أين يأتون بالمال ويتمولون، أين خطوط إمداداتهم؟ يجب أن نقطع رأس الحية.
* بعض العراقيين غير مرتاح لفكرة قوات «الحرس الوطني»، يشعرون بأن هذه القوات ستكون عنصرا مذهبيا وقد تدفع السنة الذين لا يؤيدون «داعش» إلى حضن هذا التنظيم، بسبب وجود ميليشيات شيعية!
- هذا تحدٍّ للحكومة الجديدة، وهي يجب أن تثبت نفسها أمام الشعب العراقي بأنها تريد المحافظة على العراق دولة ذات سيادة، ويجب أن تدرك أن المصالحة كانت أكبر فشل لحكومة المالكي، وقد تكون حجر الزاوية لنجاح هذه الحكومة. وأعتقد إذا نجحت هذه الحكومة بالمصالحة وبذلت جهدا لحل المشكلات التي ذكرتها، فإن الولايات المتحدة قد تساعد الحكومة لتنجح. لكن إذا أثبت أنها حكومة مذهبية، فعندها سيكون مستقبل العراق مهددا.