تباين ليبي حول جلوس «طرفي الحرب» للتفاوض

TT

تباين ليبي حول جلوس «طرفي الحرب» للتفاوض

تباينت ردود أفعال الأفرقاء السياسيين الموالين لطرفي الحرب في ليبيا، باتجاه التعاطي مع دعوات المصالحة وطي صفحة الماضي، بين مؤيدين للفكرة ومعارضين لها، لكن فريقاً منهم يرون أنها مرهونة بضغط أميركي على حكومة أنقرة.
وحذّر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي (مقره طبرق)، يوسف العقوري، من خطورة القرارات الرافضة للعملية السياسية الآن، والذاهبة باتجاه التصعيد العسكري، واصفاً إياها بـ«غير المسؤولة»، ورأى أن ذلك «اقتران بخطاب الكراهية والانتقام في البلاد»، و«للأسف هناك تداعيات لكل ما يحدث من توسيع دائرة الحرب على أساس مناطقي، لدرجة قد يصعب معها التهدئة والعودة لطاولة الحوار مجدداً»، مشيراً إلى أن ذلك «مع الأسف لا يعني سوى تهديد وحدة واستقرار البلاد وتمزيق نسيجها الاجتماعي».
وتوقع عضو مجلس النواب بطبرق إبراهيم الدرسي، «أن تكون هناك استجابة للضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي على كافة الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات السياسية». وقال الدرسي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن قيادات حكومة «الوفاق» تعلم جیداً أن انسحاب «الجيش الوطني» من مواقعه بالعاصمة جاء بعد ضغوط دولية، وأن بمقدوره الرد وبقسوۃ على ميلیشياتهم، مضيفاً: «وهذا حدث فعلياً خلال محاولتهم الهجوم على مدينة سرت من جبهة الغرب، وبالتالي جلوسهم للتفاوض هو أمر متوقع وغير مستبعد».
أما المحلل السياسي الليبي محمد الزبيدي، فيذهب إلى أن بإمكان قيادات «الوفاق» الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن بعد إحرازها مزيداً من المكاسب العسكرية على الأرض بما يدعم موقعهم التفاوضي، وبعد أن تصدر الولايات المتحدة الأميركية قراراً ببدء تلك المفاوضات. وقال الزبيدي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «أميركا هي الطرف الوحيد القادر على إعطاء التعليمات ببدء المفاوضات (...) مجرد مكالمة من الرئيس دونالد ترمب لرجب طيب إردوغان كفيلة بسحب الأخير لكل (مرتزقته السوريين) وعناصره الأتراك وترحيلهم جميعاً خارج ليبيا». وتابع: «بالطبع ستصدر الأوامر لقيادات (الوفاق) بالجلوس للتفاوض مع قيادات (الجيش الوطني) والشرق الليبي عموماً، فإردوغان هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة بطرابلس». ورأى أن «الترحيب الأميركي بالمبادرة المصرية هو ترحيب شكلي إلى الآن، وبإمكانهم تحويله إلى عمل فعلي بالضغط على تركيا، وبالتبعية على الأطراف الليبية المتزعمة للموقف الرافض بالمطلق لأي حلول». لكن الزبيدي توقع أن «يصدر الأميركيون قرارهم ببدء المفاوضات مع نجاح ذراعهم العسكري في ليبيا، أي تركيا، في السيطرة على منطقة الهلال النفطي وكافة الحقول النفطية التي لا تزال تقع تحت سيطرة الجيش الوطني في الشرق والجنوب الليبي، ومن هنا نفهم لماذا تدور المعارك مؤخراً عند مدينة سرت القريبة من المواقع النفطية».
أما محمد معزب عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس، فعزا رفض حكومة «الوفاق» لبدء عملية التفاوض، لتشكك قياداتها بدرجة كبيرة في مصداقية ونوايا قيادات الشرق الليبي، التي لم تذعن لطلب الحوار والتفاوض السياسي إلا بعد أن تعرضت لخسائر عسكرية متتالية بالفترة الأخيرة. وأوضح معزب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «على مدار الـ14 شهراً الماضية كانت هناك فرص عديدة لوقف إطلاق النار، واستئناف العملية السياسية، وكان (القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة) حفتر يرفضها، وكان الشرق عموماً يراوغ حول هذه الفرص، والآن مع تغيير الموازين العسكرية بدأوا ينادون لقبول التفاوض». ويتوقع معزب أن تقبل حكومة «الوفاق» البدء في عملية التفاوض، ولكن بعد ضمان سيطرتها العسكرية على سرت، التي تعد مجالاً حيوياً فيما يتعلق بأمن المنطقة الغربية، وبعد ضمان صدق نوايا الطرف الآخر في الجلوس لطاولة التفاوض.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.