كشفت مصادر في القطاع الصحي في محافظة تعز اليمنية (جنوب غربي) عن وصول الأوضاع الصحية في المحافظة المنكوبة بالحرب وحصار الميليشيات الحوثية إلى درجة الانهيار بالتوازي مع شحة الإمكانات والأدوية ونقص الأطباء ومغادرة بعضهم ورفض المشافي استقبال المرضى في ظل تفشي الأوبئة ومنها فيروس كورونا المستجد.
وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن احتدام المعارك في مناطق التماس من وقت لآخر بين القوات الحكومية والميليشيات الحوثية ساعد في تدهور القطاع الصحي، وبخاصة مع مغادرة عدد كبير من الكوادر الطبية، من اختصاصيين واستشاريين، من المحافظة إلى مناطق دول الجوار أو المحافظات المجاورة لتعز.
ويواجه مكتب الصحة في تعز شحة في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية العاملة، خاصة مع انتشار بدء موسم انتشار الأوبئة والحميات مثل حمى الملاريا والضنك (الشيكونغونيا) والحمى الصفراء وتفشي فيروس كورونا (كوفيد - 19) والتي رافقها رفض عدد من المستشفيات الخاصة والحكومية استقبال حالات مصابة بالحميات أو مشتبهة بإصابتها بكورونا.
وفي حديث مع «الشرق الأوسط» يتهم مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان بتعز، الدكتور راجح المليكي، الميليشيات الحوثية بالتسبب في كارثة في القطاع الصحي.
ويقول المليكي: «بسبب الحصار من قبل الانقلابيين منذ ست سنوات ولما تعانيه البلد من تجزئة وحروب تأثر الوضع الصحي تأثرا كبير جدا وصل إلى حد يقرب من الانهيار، ومع تدخل المنظمات وبعض المانحين استطاع القطاع الصحي أن يتماسك ويستمر في تقديم خدماته لكن بشكل محدود، ولذلك فإن مستشفيات تعز تعاني معاناة كبيرة مثلها مثل بقية المحافظات لكن المعاناة في تعز أشد وجعا».
ويضيف: «الحصار الحوثي والقصف العشوائي الذي تمارسه الجماعة الانقلابية أدى إلى كارثة بكل ما تعنيه الكلمة وكان سببا رئيسيا لنزوح ومغادرة أهم الكوادر الطبية».
وتابع: «بسبب الحصار أيضا هناك العديد من التجهيزات الطبية أتلفت في المراحل الأولى نظرا لعدم وجود قطع غيار وشحة الإمكانيات فأصبحت المستشفيات الرئيسية في تعز لا تكاد تمتلك معظم التجهيزات الطبية الحديثة، على سبيل المثال لا يوجد مستشفى حكومي في تعز يمتلك جهازا طبقيا محوريا أو جهاز رنين مغناطيسي وإنما يوجد في بعض المستشفيات الخاصة وبمواصفات قديمة جدا وبتكلفة عالية جدا».
ومع تفشي وباء فيروس «كورونا» في تعز وازدياد تسجيل حالات مصابة يوما بعد يوم تفتقر محافظة تعز إلى أجهزة التنفس الصناعي؛ حيث لا تمتلك سوى 11 جهاز تنفس صناعي والغالبية منها معطلة، بحسب ما أكده مدير مكتب الصحة.
وحتى مساء الخميس الماضي سجلت لجنة طوارئ مواجهة جائحة كورونا بمحافظة تعز مجموع الحالات التي ثبت مخبرياً إصابتها بفيروس كورونا حيث بلغت 85 حالة، فيما عدد حالات الوفاة 18 حالة، وعدد الحالات التي تماثلت للشفاء خمس حالات، والحالات النشطة 62 حالة تتلقى العلاج في مراكز العزل العلاجي وبالحجر المنزلي الطوعي وتحت ملاحظة فريق الاستجابة.
وفي الوقت الذي تقوم فرق الاستجابة بالتقصي والتتبع لجمع المعلومات عن الحالات المخالطة للحالات المؤكدة ووضعها في الحجر المنزلي وأخذ عينات وتسليمها للمختبر المركزي لفحصها، تماثل كثير من الحالات للشفاء.
وبحسب مسؤولي قطاع الصحة في تعز، فإن المحافظة يقارب عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، بما يمثل 15 أو 20 في المائة من إجمالي سكان اليمن و50 في المائة من إجمالي المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، ما يعني حاجتها إلى العشرات بل إلى المئات من أجهزة التنفس الصناعي.
ويؤكد المليكي أن في مركز العزل في مستشفى الجمهوري الحكومي يوجد جهازان للتنفس الصناعي وثلاث وحدات عناية مركزة ونحو خمسة أسرة عناية مركزة لكن دون بقية التجهيزات وستين سرير رقود فقط قبل أن يتلقى القطاع الصحي قبل أيام أربعة أجهزة تنفس صناعي إضافة مقدمة من منظمة اليونيسيف، حيث أصبح إجمالي أجهزة التنفس الصناعي في أكبر مركز يعتبر ستة أجهزة تنفس صناعي.
وأشار المسؤول عن قطاع الصحة في تعز إلى «وجود مركز عزل علاجي في مديرية المخا، في الساحل الغربي، وفيه جهازا تنفس صناعي فقط لا غير قدما من منظمة الصحة العالمية ولا توجد بقية التجهيزات، وسط مخاوف تفشي وباء كورونا في ظل عدم التزام المواطنين بالتعليمات أو لجهلهم بخطورة هذا الوباء.
وكشف المليكي عن وجود مستشفيات خاصة أغلقت أبوابها أمام مرضى الكورونا، مشيرا إلى قيام بعض المستشفيات بطرد العديد من المرضى المشتبه بإصابتهم، قبل أن يتم إلزام هذه المستشفيات بتجهيز غرف عزل مؤقتة، حيث إن وصلت حالات مشتبهة يتم التحفظ عليها إلى أن تصل فرق الاستجابة السريعة.
وفي سياق معاناة القطاع الصحي في تعز من نقص الإمكانات يقول المسؤول اليمني: «هناك شيء أساسي في الفحص وهو محلول الفيرال ترانسبورت ميديا (viral transport media) حيث قدمت لنا الصحة العالمية كميات ضئيلة، في المرحلة الأولى أعطتنا علبة لـ30 حالة والمرة الثانية لـ50 حالة وبعدها لـ50 حالة، ونحن بأمس الحاجة لكميات كبيرة تلبي الاحتياج إلى جانب ضرورة توفير أجهزة أخرى للبي سي آر حتى يمكن استقبال أكبر عدد ممكن من الحالات».
وأكد المسؤول الحكومي أن تدخل مركز الملك سلمان أعاد عمل مراكز الغسيل الكلوي في مستشفيين هما الثورة والجمهوري.
وقال: «أدى تدخل مركز الملك سلمان وبعض المانحين لتوفير احتياجات ومستلزمات هذه المراكز وهي الآن تعمل بشكل جيد ومقبول ومجانا للمرضى». لافتا إلى أن «عدد حالات الفشل الكلوي التي تتردد على مستشفيات الثورة والجمهوري تقريبا 450 حالة».
وبينما تعاني محافظة تعز من مشكلات صحية كبيرة بما فيها الوبائيات مع بداية موسم الأوبئة وعدم توفير احتياجات من يعانون من أمراض مزمنة، فإن معظم وفيات «كورونا» تأتي من المناطق الموبوءة بالحميات.
وطبقا لتصريحات المليكي فإن «إمكانيات مكتب الصحة سواء لتوفير احتياجات المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة أو لمواجهات الوبائيات بشكل عام والتي تكثر في تعز مثل الملاريا والضنك (الشيكونغونيا) والحمى الصفراء تكاد تكون معدومة حيث يتم الاعتماد كليا على ما يصل من دعم من المنظمات أو ما يصل على فترات متقطعة من دعم من مخازن وزارة الصحة أو ما تدعم به قيادة السلطة المحلية بمبالغ بسيطة جدا لبعض الأمور الطارئة».
القطاع الصحي في تعز شبه منهار بسبب الحرب وغياب الدعم الكافي
القطاع الصحي في تعز شبه منهار بسبب الحرب وغياب الدعم الكافي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة