لبنان ينجو من فتنة مذهبية... والمعارضة تعتبر عون «مسؤولاً» عن عدم لجم الاحتقان

شرارتها ألحقت الأذى بالانتفاضة الشعبية

الجيش اللبناني يطوق الاشكال بين عين الرمانة والشياح (الوكالة الوطنية)
الجيش اللبناني يطوق الاشكال بين عين الرمانة والشياح (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان ينجو من فتنة مذهبية... والمعارضة تعتبر عون «مسؤولاً» عن عدم لجم الاحتقان

الجيش اللبناني يطوق الاشكال بين عين الرمانة والشياح (الوكالة الوطنية)
الجيش اللبناني يطوق الاشكال بين عين الرمانة والشياح (الوكالة الوطنية)

نجا لبنان من فتنة مذهبية كادت تتجدّد من بعض أحياء في الشطر الغربي من بيروت إلى عين الرمانة في الضاحية الجنوبية، على خلفية قيام مجموعات «غير منضبطة» قدّرت بالمئات بإطلاق شعارات وهتافات شكّلت استفزازاً وإساءة للرموز الدينية. وكادت الأمور تفلت لو لم تبادر المرجعيات الروحية الإسلامية والقيادات السياسية إلى التدخّل لوأد نار الفتنة في مهدها ومحاصرة من حاول إشعالها ورفع الغطاء السياسي عن مسببيها، فيما سارعت وحدات من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي إلى التدخّل في المناطق الساخنة التي شهدت مناوشات من العيار الثقيل بين مطلقي هذه الهتافات وبين المجموعات التي اعترضت عليها.
ومع أن نزول المئات من العناصر «غير المنضبطة» إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت لمواجهة بعض الذين رفعوا لافتات وأطلقوا شعارات تطالب بتطبيق القرار الدولي الرقم 1559 ونزع سلاح «حزب الله»، قد حوّل الساحة إلى ساحة حرب تخلّلها اعتداءات استهدفت الأملاك العامة والخاصة، وإن هذا العراك سرعان ما امتد إلى كورنيش المزرعة الذي ارتسمت فيه لدقائق عدّة خطوط التماس بين شارع بربور حيث يقع منزل الرئيس نبيه بري قبل انتخابه رئيساً للبرلمان، والأحياء المقابلة له.
فشرارة الفتنة وإن كانت انطلقت من المساحة الجغرافية الممتدة من محلة خندق الغميق التي لـ«الثنائي الشيعي» ثقل أساسي فيها بلا منافس إلى ساحة الشهداء لحظة بدء تجمّعات «الانتفاضة الشعبية» الوافدة من العاصمة والمناطق اللبنانية الأخرى، فإنها ألحقت بالأخيرة الأذى السياسي وكادت تحوّلها إلى ملاعب للطوائف والمذاهب وباتت تحاصرها، ويبقى على المشاركين فيها إجراء مراجعة سياسية نقدية لأن مسارها انحرف عن المطالب الشعبية والسياسية إلى مطالب أخرى أبرزها نزع سلاح «حزب الله» بسبب تسلُّل مجموعات سياسية أرادت الإفادة من الحشد الذي شكّل تراجعاً ملحوظاً لتمرير رسائل سياسية تتوخى منها الدخول في تصفية الحسابات مع الحزب وداعميه.
لكن ما حصل أثناء بدء توافد المجموعات إلى ساحة الشهداء لا يبرر الهجوم الذي قادته المجموعات غير المنضبطة الوافدة من خندق الغميق ومناطق أخرى، خصوصاً أن الانتفاضة أوقعت نفسها في مأزق عندما سمحت لمجموعات أخرى باستغلالها الدعوة للتجمُّع لتوجيه رسائل ضد «حزب الله» مع أن الحشد أخذ يتراجع وبنسبة عالية لغياب معظم الهيئات في المجتمع المدني عن المشاركة.
إلا أن هذه العناصر غير المنضبطة شكّلت إحراجاً لـ«الثنائي الشيعي» وتحديداً لـ«حزب الله» وهذا ما استدعى تدخُّلاً من الأخير والرئيس بري ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان لوأد الفتنة في مهدها، في مقابل تدخُّل دار الفتوى والرئيس سعد الحريري وقيادات أخرى، علما بأن رد الفعل الشيعي وضع يده على الجرح من خلال إصدار موقف غير مسبوق وهو الأول من نوعه للحفاظ على وحدة الموقف الإسلامي متجاوزاً كل أشكال الخلاف.
وفي هذا السياق، قال مصدر بارز في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» بأنه لم يكن من مبرر لمذهبة وتطييف الصراع حول سلاح المقاومة طالما أنه لا يزال يشكّل نقطة اختلاف، وبالتالي ليس هناك من يطرحه على الأقل من قبل القيادات السنّية وتتعامل معه على أنه بمثابة ربط نزاع من دون أن تتنازل عن موقفها المبدئي منه.
ولفت المصدر نفسه إلى أن القيادات السنّية وعلى رأسها الحريري، تصرّ على وأد الفتنة المذهبية وقطع الطريق على من يحاول العودة بالعلاقات الشيعية - السنّية إلى المربّع الأول، وقال إن الحوار الذي كان رعاه الرئيس بري وجمع فيه «حزب الله» وتيار «المستقبل» على طاولة واحدة كان يراد منه تنفيس الاحتقان بين الطرفين وإنما من موقع الاختلاف.
وسأل المصدر عن دور الدولة لمنع إثارة الأجواء التي تؤدي إلى فتح الباب لعودة هذا الاحتقان وتبديد أجواء الغليان في الشارع السنّي، وقال إن هذا لا يعالج بمواقف إعلامية واستعراضية وإنما بخطوات ملموسة، ورأى أن من يود تنقية الأجواء للحفاظ على العيش المشترك وتحصين مشروع الدولة المدنية لا يشكل حكومة لا تتمثل فيها المكوّنات الرئيسة في الشارع السنّي بخلاف المكونات الأخرى التي تشارك في حكومة الرئيس حسان دياب ولو من خلال وزراء تكنوقراط ليس بيدهم قرار الحسم والفصل إنما بيد من عيّنهم.
وأكد أن رئيس الجمهورية ميشال عون يتحمّل مسؤولية حيال تغييبه لهذه المكوّنات عن المشاركة وأنه سرعان ما تراجع عن دعوته لتشكيل حكومة تكنوسياسية كان اشترط على الحريري القبول فيها لتولّي رئاسة الحكومة لكنه وافق على حكومة تكنوقراط التي هي من الشروط التي وضعها الحريري وإنما برئاسة دياب.
ولاحظ بأنه كان في مقدور «الثنائي الشيعي» الاعتراض، لكنه وافق لأسباب ما زالت غير معروفة، وقال إن من يريد استيعاب الاحتقان لا يرعى الحملات التي تستهدف الحريرية السياسية وتحميلها وزر ثلاثة عقود ولا يقدم على تكليف دياب برئاسة الحكومة الذي يكاد لا يتمتع بالحضور السياسي المطلوب.
لذلك فإن استيعاب الاحتقان المذهبي وإن كان سيُدرج على رأس جدول أعمال الثنائي الشيعي في حواره مع القيادات السنّية وأبرزها «المستقبل»، لا يعفي الرئيس عون من مسؤولياته، خصوصاً أنه جاء بحكومة على قياس بعض الأطراف في محور الممانعة ومعها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، بدلاً من أن يأتي بحكومة وحدة وطنية لأن الحالية ليست قادرة على مواجهة التحدّيات.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.