تقارب مصري ـ سوداني يحرج إثيوبيا قبل شروعها في ملء «سد النهضة»

القاهرة تواصل الحشد دولياً ضد الإجراءات الأحادية

الحكومة الإثيوبية تعتزم البدء بملء سد النهضة في يوليو المقبل (غيتي)
الحكومة الإثيوبية تعتزم البدء بملء سد النهضة في يوليو المقبل (غيتي)
TT

تقارب مصري ـ سوداني يحرج إثيوبيا قبل شروعها في ملء «سد النهضة»

الحكومة الإثيوبية تعتزم البدء بملء سد النهضة في يوليو المقبل (غيتي)
الحكومة الإثيوبية تعتزم البدء بملء سد النهضة في يوليو المقبل (غيتي)

يبدو أن تقارباً مصرياً - سودانياً بات لافتاً في الآونة الأخيرة إزاء التعامل مع نزاع «سد النهضة» الإثيوبي، الأمر الذي قد يشكل «حرجاً» لإثيوبيا يثنيها عن قراراها ملء خزان السد في يوليو (تموز) المقبل «دون اتفاق». وقالت وزيرة خارجية السودان، أسماء محمد عبد الله: «إذا واجهت إثيوبيا موقفاً قوياً من الخرطوم والقاهرة، ستفكر مرتين قبل ملء السد دون اتفاق».
وأعلنت إثيوبيا عزمها تخزين 4.9 مليار متر مكعب في بحيرة السد في يوليو (تموز) المقبل، عقب انسحابها من اجتماع واشنطن نهاية فبراير (شباط) الماضي، الذي كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي.
وعلى مدار الأشهر الماضية، توترت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا، وتبادلت الدولتان إرسال الرسائل إلى مجلس الأمن الدولي للتأكيد على حقوقهما، فيما سعى السودان لتخفيف حدة التوتر، على أمل إحداث التوافق، لكن مواقف أخيرة للخرطوم بدت «أكثر دعماً للقاهرة في مواجهة أديس أبابا».
ورفض السودان قبل أسابيع طلباً إثيوبياً لتوقيع اتفاق جزئي لملء السد، فيما طالبت رسالة سودانية إلى مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، بـ«الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي».
وقالت وزيرة خارجية السودان إن «إثيوبيا إذا واجهت موقفاً قوياً من السودان ومصر، بألا يتم ملء سد النهضة قبل الوصول إلى اتفاق، ستفكر في الأمر مرتين»، موضحة أن مفاوضات سد النهضة أنجزت أكثر من 90 في المائة من ملفاتها، ويجب أن تُستأنف المفاوضات من حيث توقفت.
وأجرى تلفزيون السودان، مساء أول من أمس، حواراً مع وزيرة الخارجية أسماء عبد الله، ووزير الموارد المائية ياسر عباس. وقالت عبد الله إن رسالة السودان إلى مجلس الأمن سببها أن مصر كانت قد أرسلت رسالة لتوضيح موقفها، دعت فيها مجلس الأمن للتدخل من أجل تليين موقف إثيوبيا التي أرسلت هي الأخرى رسالة لتوضيح موقفها، تقول فيها إنها منفتحة على المفاوضات، والسودان أرسل الرسالة لتوضيح موقفه من سد النهضة، وهو أن السودان شريك أصيل في مسألة السد والمفاوضات، وليس وسيطاً بين مصر وإثيوبيا.
وأضافت أن مشروعاً كبيراً بحجم سد النهضة، على بعد 20 كيلومتراً من الحدود السودانية، سيؤثر في السودان، وبالتالي يجب أن يكون للسودان موقف. وسد بهذا الحجم له فوائده، وأيضاً هناك مصادر قلق منه، والسودان يهمه أن تصل الدول الثلاث إلى اتفاق حول السد.
ويرى السودان أنه لا بد من عودة المفاوضات مرة أخرى من حيث وقفت، وألا تبدأ من جديد، كما تشير الوزيرة، موضحة أن السودان يرى أن المشكلات الموجودة لا حل لها إلا باستئناف المفاوضات. وملء السد إن كانت إثيوبيا تقول إنه في يوليو (تموز) المقبل، يجب أن يتم بالتوافق بين الدول الثلاث.
وبدوره، قال وزير الموارد المائية السوداني إن بلاده طرف أصيل في الملف لأنه يتأثر بالسد أكثر من إثيوبيا وأكثر من مصر، بسبب قربه من سد الرصيرص جنوب السودان، لذلك الوصول لاتفاق قبل الملء أمر ضروري. فمن حق إثيوبيا التنمية، لكن من دون إحداث ضرر بالآخرين، مشيراً إلى أن الاتفاق على مبادئ الملء الأول ومبادئ التشغيل ضروري وأساسي.
وأضاف عباس أن تشغيل سد الرصيرص يعتمد بشكل كامل على تشغيل سد النهضة، لذلك الاتفاق على مبادئ الملء الأول والتشغيل مسألة أساسية بالنسبة للسودان، لافتاً إلى أن كل الأطراف يمكن أن تصل لمكاسب من سد النهضة، فجوهر المسألة هو «التعاون الإقليمي».
ونوه الوزير السوداني بأن «المفاوضات السابقة أوصلت لاتفاق حول 90 في المائة من النقاط الأساسية، لذلك لا بد من الوصول لاتفاق حول التشغيل قبل الوصول إلى الملء»، مؤكداً أهمية التبادل اليومي للبيانات.
وببحث السودان، حالياً مع مصر وإثيوبيا، ترتيب استئناف المفاوضات. ويقول الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن «الموقف السوداني والمصري يتمثل في رفض ملء خزان السد قبل التوصل إلى اتفاق شامل، والالتزام بمرجعية واشنطن؛ أي عدم العودة إلى المربع الأول، مع أهمية مشاركة كل من واشنطن والبنك الدولي في المرحلة النهائية من المفاوضات».
وعد الخبير السياسي أن «السودان قام بمبادرة مهمة للعودة إلى مائدة التفاوض، وحسم الجزء اليسير المتبقي، الأمر الذي قد يسهم في تخفيف حدة التصعيد في الأسابيع المقبلة»، مؤكداً أن الموقف السوداني أتاح «فرصة محدودة لتسوية هذا النزاع بشكل سلمي تفاوضي».
وانتهت عملية بناء السد الإثيوبي بنسبة 73 في المائة، وتتخوف مصر من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار. في المقابل، تقول إثيوبيا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الطاقة الكهربائية لمواطنيها.
وتسعى مصر إلى حشد موقف دولي داعم لـ«حقوقها». وفي اتصال بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره الصيني «وانغ يي»، قبل يومين، أكد شكري «رفض اتخاذ إثيوبيا لأي إجراء أحادي دون التوصل لاتفاق يحقق مصالح الأطراف كافة، وفقاً لالتزاماتها القانونية وقواعد القانون الدولي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.