تعاون علمي لتطوير نظم الذكاء الصناعي

باحثو «كاوست» و«كارولينسكا» السويدي يدرسون تزويدها بقدرات الاستبصار

البحث أسفر عن نهج جديد يتجاوز مجرّد اكتشاف الأنماط السطحية
البحث أسفر عن نهج جديد يتجاوز مجرّد اكتشاف الأنماط السطحية
TT

تعاون علمي لتطوير نظم الذكاء الصناعي

البحث أسفر عن نهج جديد يتجاوز مجرّد اكتشاف الأنماط السطحية
البحث أسفر عن نهج جديد يتجاوز مجرّد اكتشاف الأنماط السطحية

من بين التحديات الكبرى التي تواجهها نظم الذكاء الصناعي: امتلاك القدرة على فهم ظواهر سطحية سابقة، بهدف تخمين العمليات السببية الكامنة وراءها. ومع ذلك، أسفرت أبحاث حديثة عن نهج جديد يتجاوز مجرّد اكتشاف الأنماط السطحية.

الحدس والاستدلال
يمتاز البشر بقدرة متطوّرة للغاية على استخدام الحدس والاستدلال اللذين يمنحانا استبصاراً يجعلنا نفهم مثلاً أن التفاحة الأرجوانية اللون يمكن أن تكون تفاحة حمراء مُضاءة بضوء أزرق. وهذه القدرة لدينا - نحن البشر - على قدر عالٍ جداً من التطوّر، لدرجة أننا نميل أيضاً إلى رؤية أنماط وعلاقات لا وجود لها، مما يؤدي لنزوعنا إلى الاعتقاد في الخرافات.
ويعتبر تقنين هذا النوع من الاستبصار في الذكاء الصناعي تحديا كبير، لا يزال الباحثون يحاولون تحديد نقطة الانطلاق التي يبدأون منها، ومع ذلك فإنه يمثل في الوقت ذاته أحد أكثر الفوارق الجوهرية بين التفكير الطبيعي والآلي.
ومنذ خمس سنوات، بدأ التعاون بين الباحثيْن هيكتور زينيل ويسبر تيجنر، المنتسبيْن لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، ونارسيس كياني وآلان زيا من معهد كارولينسكا السويدي، بهدف تعديل نظرية المعلومات الخوارزمية لتتواءم مع علم أنظمة الأحياء وعلم الشبكات البيولوجية، للتغلب على مشكلات أساسية في علم الجينوم (أحد فروع علم الوراثة) والدوائر الجزيئية. وكانت ثمرة هذا التعاون تطوير نهج خوارزمي لاستنباط العمليات السببية التي يمكن أن تشكّل أساساً لنموذج عام للذكاء الصناعي.
يوضح تيغنر أن التعلّم الآلي والذكاء الصناعي أخذا يتغلغلان في كل جانب من جوانب الصناعة والعلوم والمجتمع. ورغم ما تحقق من تقدّم مؤخرا، فما زلنا بحاجة إلى أن نقطع شوطاً طويلاً، قبل أن نتمكَّن من تحقيق ذكاءٍ آلي للأغراض العامة، يمتاز بالقدرة على التفكير والتعلّم عبر مهام مختلفة.

كشف الأسباب الكامنة
يتمثل جزءٌ من التحدي في تجاوز اكتشاف الأنماط السطحية انطلاقاً نحو التقنيات التي تمكّننا من اكتشاف الآليات السببية الكامنة التي تُنتج هذه الأنماط. غير أن الكشف عن الأسباب يصير تحدياً كبيراً عندما تتشابك عدّة عمليات مختلفة، كما هو الحال غالباً في البيانات الجزيئية والجينومية. ويقول تيغنر: «يحدّد عملنا أجزاء البيانات المرتبطة ارتباطاً سببياً مع استبعاد الارتباطات الزائفة، ثم يحدّد الآليات السّببية المختلفة المتضمَّنة في إنتاج البيانات المرصودة».
تعتمد الطريقة على مفهوم رياضي لاحتمالية المعلومات الخوارزمية مُحدَّد تحديداً جيداً كأساس لآلية استدلال مُثلَى. ومع ذلك، فإن الفارق الرئيسي بين هذه الطريقة وما سبقها، هو التحوّل من منظورٍ للمشكلة يتمركز حول المُراقب إلى تحليلٍ موضوعي للظواهر مبني على الانحرافات عن العشوائية.
ويشير تيغنر إلى أن الباحثين يستخدمون التعقيد الخوارزمي لعزل عديد من البرامج المتفاعلة، ومن ثمَّ يتم البحث عن مجموعة البرامج التي يمكن أن تُولّد عمليات الرصد.
برهن الفريق على صحة طريقته بتطبيقها على المُخرجات المتفاعلة لعدة رموز حاسوبية. تبحث الخوارزمية عن أقصر مجموعة من البرامج يمكنها تشكيل سلسلة الناتج المعقَّدة التي تتألف من الرمزين (1 وصفر).
ويقول زينيل: «يمكن لهذه التقنية تزويد أساليب التعلم الآلي الحالية بقدرات تكميلية متطوّرة، للتعامل على نحو أفضل مع التجريد والاستدلال ومفاهيم معينة مثل السبب والنتيجة، والتي لا تستطيع الطُرق الأخرى - بما في ذلك أساليب التعلم المتعمق - معالجتها حالياً».



الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي
TT

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

لطالما كان مجال طب الأسنان العدلي أو الجنائي ميداناً حيوياً في علم الطب الشرعي، إذ يقدم الأدلة الأساسية التي تساعد في كشف الجرائم وحل الألغاز القانونية.

الأسنان لتحديد الهوية

وتجرى التحقيقات الجنائية لحل الألغاز القانونية من خلال:

> تحديد الهوية: يتم استخدام الأسنان وبصمات الأسنان لتحديد هوية الأفراد في حالات الكوارث الطبيعية، الحوادث، أو الجرائم، خصوصاً عندما تكون الجثث مشوهة أو متحللة.

> تحليل علامات العضّ: يساعد تحليل علامات العض الموجودة على الأجساد أو الأشياء في تحديد الجناة أو الضحايا من خلال مقارنة العلامات مع أسنان المشتبه بهم.

> تقييم العمر: يمكن لطب الأسنان الجنائي تقدير عمر الأفراد بناءً على تطور الأسنان وتركيبها، مما يساعد في قضايا مثل الهجرة غير الشرعية وحالات الاستغلال للأطفال.

> فحص الجثث المجهولة: يتم استخدام تقنيات طب الأسنان لفحص الجثث المجهولة والتعرف عليها من خلال السجلات الطبية للأسنان.

> الأدلة الفموية: يمكن للأدلة المستخرجة من الفم والأسنان أن توفر معلومات حول نمط حياة الأفراد، مثل النظام الغذائي والعادات الصحية، التي قد تكون ذات صلة بالقضايا الجنائية.

> الكشف عن التزوير والتزييف: يمكن تحليل التركيبات السنية والأسنان المزيفة لتحديد التزوير والتزييف في الأدلة الجنائية.

> التشخيص المسبق: يستخدم طب الأسنان العدلي في تشخيص الإصابات الفموية وتحليلها لتحديد ما إذا كانت ناتجة عن أعمال جنائية أو غيرها.

دور الذكاء الاصطناعي

ومع التقدم السريع في التكنولوجيا، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متزايداً في تعزيز هذا المجال وجعله أكثر دقة وفاعلية. وسنستعرض كيف يغير الذكاء الاصطناعي ملامح طب الأسنان العدلي ودوره المحوري في تحسين عملية التشخيص وتقديم الأدلة الجنائية.

> الذكاء الاصطناعي في تحليل الأدلة، يتيح الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة بسرعة ودقة، وهو ما كان يستغرق أياماً أو حتى أسابيع لفرق من الأطباء والمختصين. أما الآن، فباستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن تحليل الصور الفموية والأشعة السينية وتحديد الهوية من خلال بصمات الأسنان بوقت قياسي قد لا يتجاوز الساعة.

> التشخيص الدقيق، يسهم الذكاء الاصطناعي في رفع مستوى الدقة في التشخيص من خلال تحليل البيانات الفموية مثل تحديد هوية العضات والعمر والجنس للضحايا من خلال الأسنان وعظم الفك وتحديد الأنماط غير المرئية بالعين المجردة. ويساعد هذا الأطباء في تمييز الحالات العادية من الحالات الحرجة التي قد تكون ذات صلة بالجرائم أو الحوادث.

> تحديد الهوية، يُعد تحديد الهوية من خلال الأسنان من أهم تطبيقات طب الأسنان العدلي، خصوصاً في حالات الكوارث أو الجثث غير معروفة الهوية. وبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن مقارنة البيانات الفموية بسرعة مع قواعد بيانات السجلات الطبية الرقمية، مما يسهل عملية التعرف على الضحايا بدقة عالية. كما مكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي من إعادة بناء الوجه بعد حوادث الغرق أو الحريق أو الطائرات لسهولة التعرف على الضحايا.

ومع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، نتوقع أن يصبح طب الأسنان العدلي أكثر تطوراً وفاعلية، فالذكاء الاصطناعي لا يقلل من الوقت والجهد فحسب، بل يساهم أيضاً في تقليل الأخطاء البشرية وتحقيق نتائج أكثر دقة ومصداقية. بفضل التعاون بين الخبراء في مجالات التكنولوجيا والطب الشرعي، يتم تطوير تطبيقات جديدة لتحديد العمر والجنس وحتى الأصل العرقي بناءً على تحليل الأسنان.

وعلى الرغم من الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان العدلي، هناك تحديات يجب التغلب عليها. ومن بين هذه التحديات ضرورة تحسين دقة الخوارزميات وتجنب التحيزات التي قد تؤثر على النتائج. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لضمان الخصوصية وحماية البيانات الشخصية للمرضى.

وتنفيذ الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في طب الأسنان العدلي، يجب على المؤسسات التعليمية توفير التدريب اللازم للأطباء والمختصين في هذا المجال. يشمل ذلك تعليمهم كيفية استخدام الأدوات التكنولوجية الجديدة، وفهم كيفية تفسير النتائج التي تنتج عن الخوارزميات الذكية.

وتبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا السياق بوضوح أهمية التقنية في تحسين حياتنا وجعل مجتمعاتنا أكثر أماناً وعدالةً.