الجذور الاجتماعية والسياسية لـ«تمرد» رامي مخلوف

الرئيس الراحل حافظ الأسد وعقيلته أنيسة مخلوف (الشرق الأوسط)
الرئيس الراحل حافظ الأسد وعقيلته أنيسة مخلوف (الشرق الأوسط)
TT

الجذور الاجتماعية والسياسية لـ«تمرد» رامي مخلوف

الرئيس الراحل حافظ الأسد وعقيلته أنيسة مخلوف (الشرق الأوسط)
الرئيس الراحل حافظ الأسد وعقيلته أنيسة مخلوف (الشرق الأوسط)

كان مفاجئاً الظهور المتكرر لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف على موقع «فيسبوك» بدءاً من 20 أبريل (نيسان) الماضي، سواء في بيانات أو فيديوهات بدأت مطلبية ثم تحولت إلى تحذيرية، لأمرين: الأول أنه ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، ومعروف أنه يملك ثروة مالية ضخمة داخل البلاد وخارجها، وصلت إلى 8 في المائة من الناتج المحلي البالغ 62 مليار دولار أميركي؛ والثاني أنه لم تجرِ العادة خلال السنوات والعقود الماضية على أن يتجرأ شخص، رجل أعمال كان أم رجلاً سياسياً أم عسكرياً، على توجيه انتقادات مباشرة أو غير مباشرة وهو موجود داخل سوريا.
المعادلة الصامتة كانت: الثري أو المتنفذ يجب أن يكون موالياً بدرجة تزداد طردياً مع ثرائه وقربه، ومَن يفكر بالانتقاد عليه أن يخرج إلى المنفى معلناً بيان الانشقاق من الخارج؛ غير ذلك، فإن العقاب يكون شديداً. وهناك بعض الاستثناء، ومنه تحدي رفعت الأسد شقيقه الرئيس الراحل حافظ الأسد في بداية ثمانينيات القرن الماضي، مستنداً إلى: 1) صلة الدم وقرابته بالرئيس، و2) قاعدته العسكرية في «سرايا الدفاع» في الجيش التي ألهمت لاحقاً بتقوية «الحرس الجمهوري»، و3) الحاضنة الشعبية التي بناها في الساحل السوري، و4) مرض شقيقه الأكبر ودخوله المستشفى، و5) ربما إيحاءات من قوى خارجية.
وبعد وساطات يعتقد أن الاتحاد السوفياتي لعب دوراً فيها، انتهى المطاف برفعت إلى المنفى؛ هذا الاستثناء أكد المعادلة القائمة: الانتقاد ممنوع من الداخل.
من هنا، يأتي مصدر المفاجأة إزاء تحرك رامي مخلوف. فمنذ بروزه بصورته الجديدة، كان التركيز على ثروته ومؤسساته المالية، ونزاعه مع الحكومة حول «سيريتل» (إحدى شركتي الهاتف النقال في سوريا) التي يرأس مجلس إدارتها ويملك معظم أسهمها. وقليل من التركيز كان على الأبعاد السياسية والاجتماعية - الطبقية والاقتصادية التي ربما دفعت إلى تفكيك شبكات ومؤسسات مخلوف من جهة، ووفرت له بعض الحصانة من جهة أخرى.
هنا يطرح سؤالان: لماذا تمرد الثري رامي ابن خال الرئيس على النظام؟ ولماذا لا يزال شخص يقوم بهذه الانتقادات في دمشق خارج السجن؟ للإجابة عن هذين السؤالين، لا بد من ذكر السياق التاريخي، سياسياً واجتماعياً.
منذ ظهوره إعلامياً، سعى رامي مخلوف، مضموناً وشكلاً، إلى استمالة العلويين، وحاول تقديم نفسه بصفته صوت الساحل السوري، خصوصاً الفقراء والمتدينين والمحتاجين والجرحى والموالين للرئيس بشار الأسد، تلك البيئة الحاضنة التي تعبت خلال تسع سنوات من الحرب، وفقدت أكثر من مائة ألف قتيل (حجم الخراب والدمار والتهجير والقتل أصاب الشرائح الأخرى بدرجات أكثر)، ولديها تصورات لها علاقة بقرون سابقة.
ولفهم السياق التاريخي، لا بد من الإضاءة على تاريخ عشيرته وعلاقاتها ببيئتها، إذ ينحدر آل مخلوف من عشيرة الحدادين من ملاك الأراضي في الساحل السوري. وقد كانت لهم السيطرة على القرى والعائلات، مثل الإقطاعيين الآخرين من آل خيربيك وإسماعيل وكنج. وروى باحثون ومؤرخون أنه عندما ضربت المجاعة السواحل السورية في أثناء الحرب العالمية الأولى، فتح والد أنيسة (زوجة حافظ الأسد) وشقيقها محمد (والد رامي) المنزل أمام المحتاجين، الأمر الذي أسهم في تعزيز مكانة العائلة داخل المجتمع.
- الأسد ـ مخلوف
لم يكن سهلاً في عام 1958 على آل مخلوف في البداية قبول زواج ابنتهم أنيسة من طيار شاب بالقوات الجوية يدعى حافظ الأسد، وينتمى إلى عشيرة أخرى، هي الكلبية، ذات أصول ريفية، وإلى المؤسسة العسكرية، في وقت كانت أنيسة تدرس في دير يديره فرنسيون (لذلك كانت هي وأخوها محمد يتحدثان الفرنسية بإتقان).
لكن زواج حافظ - أنيسة تم، وسيكون له أثر لستة عقود في تاريخ سوريا الحديث: آل مخلوف اقتربوا من العسكريين الصاعدين في الريف المحلي، والأسد حصل على دعم عشائري واجتماعي في مسقط رأسه. ولا شك أن هذا سيتكرر في دمشق في عقود لاحقة، عندما حصلت «زيجات مصلحة» مشابهة بين أبناء المسؤولين والعسكريين وأبناء الطبقات الاجتماعية القديمة.
وبعد وصول الأسد إلى سدة الحكم عام 1970، أصبحت أنيسة «السيدة الأولى»، مع أنها لم تكن تستعمل هذا اللقب أبداً، ولا الظهور في المناسبات. ولا شك أن هذا الزواج جنب آل مخلوف الاندثار مثل الطبقات الإقطاعية الأخرى، إذ إن من المفاتيح التي لعب بها الأسد لتثبيت حكمه لاحقاً أنه أنهى الطبقات القديمة، باستثناء خيربيك، التي تضم خمس عائلات كبيرة، بينها عائلة محمد ناصيف خير بيك، وابن شقيقه فؤاد وقريبهما عصام ترقوا في الجيش والأمن في الثمانينيات والتسعينيات. وقد سعى الأسد (الأب) إلى بناء طبقات اجتماعية بديلة من الفلاحين والمهمشين الذين ترقوا في الجيش والأمن، مثل آل دوبا حيث تسلم اللواء علي دوبا المخابرات العسكرية، والخولي حيث تسلم اللواء محمد الخولي القوى الجوية، إضافة إلى التقرب من المشايخ، مثل آل حيدر حيث سلم اللواء علي حيدر «الوحدات الخاصة» في الجيش.
الأسد ترقى بالحكم، وتسلم الجيش والأمن والسياسة، وشقيق زوجته تسلم الاقتصاد. أما محمد مخلوف، شقيق أنيسة، فانطلق من «مؤسسة التبغ - ريجي» الحكومية ليتجذر في رعاية صفقات اقتصادية كبرى، خصوصاً في قطاع النفط من الإنتاج والتصدير في منتصف الثمانينيات؛ كان «العرّاب الخفي» للاقتصاد وغيره، كانت جميع الصفقات تمر عبر مخلوف الذي يوزع الحصص على رجال الأعمال الآخرين، من السنة والعلويين والمسيحيين وغيرهم، في عقدي الثمانينيات والتسعينيات.
قبل ذلك، كان لشخصية أخرى، هي محمد حيدر، دور بارز في الصفقات الاقتصادية من منصبه في الحكومة. كما كان هناك دور مالي بارز لرفعت الأسد الصاعد. فقد استفادا وقتذاك من «الهبات والمساعدات» العربية بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
- المهندس
مع التغير البيولوجي - الجيلي في الأسرة والنخبة الحاكمة، انتقل الدور للجيل الجديد من أبناء المسؤولين، من «الشراكات» في الشركات إلى قيادة قطاع الأعمال الخاص في النصف الثاني من التسعينيات، وكان أبرزهم «المهندس رامي» الذي بدأ في «راماك» المختصة في «السوق الحرة» على البوابات الحدودية البرية والجوية في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
وعندما توفي حافظ عام 2000، تراجع محمد مخلوف إلى الخلف قليلاً، وبدأ نجم نجله الأكبر رامي يسطع بمجال الأعمال. وقد تولت أنيسة (أرملة الأسد) تسهيل وتشجيع صعود رامي الذي كان المفضل لديها من بين أبناء أشقائها، كما كانت تفعل لصالح شقيقها.
اتجه رامي إلى قطاع الاتصالات الواعد، وحازت «سيريتل»، وشركة أخرى منافسة هي «إم تي إن»، من الحكومة السورية على ترخيص «بي أو تي» في 2001. وباتت الشركتان تحتكران قطاع الاتصالات وعائداته. وقتذاك، تعرض باحثون ونواب سابقون، بينهم رياض سيف، لضغوط يعتقد معارضون أنها بسبب إثارة هذا العقد، والاقتراب من هذا «الخط الأحمر».
كان عقد «سيريتل» القاعدة التي اتسعت منها مجالات عمل واهتمام شركات مخلوف، لتشمل معظم قطاعات النفط والمال والمصارف والسياحة والتجارة، في مواكبة لمرحلة الانفتاح الاقتصادي الانتقائي بالبلاد في بداية الألفية، ذلك الانفتاح الذي يعتقد خبراء أنه ضَيّق حجم الطبقة الوسطى، وركّز الثروة لدى عدد قليل، خصوصاً شركات مخلوف، وأكل من القاعدة الشعبية التقليدية للنظام وحزب «البعث» الحاكم، وأربك «العقد الاجتماعي» القائم خلال ثلاثة عقود من حكم الأسد. ويذهب بعضهم إلى أنه كان سبباً رئيسياً في احتجاجات 2011.
وبلغت سيطرة مخلوف على الاقتصاد السوري حداً دفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات ضده منذ فترة مبكرة مطلع عام 2008، في إطار العقوبات المفروضة ضد سوريا منذ عام 2004، تبعاً لـ«قانون محاسبة سوريا»؛ أي قبل اندلاع الثورة السورية بثلاثة أعوام.
- الحزب السوري القومي
في ثلاثينيات القرن الماضي، توسع «الحزب السوري القومي الاجتماعي» من لبنان إلى الساحل السوري وجبال الساحل، بحكم القرب الجغرافي والتجارة والانفتاح في هذه المنطقة التي شكلت لاحقاً مسرحاً للأحزاب العلمانية، مثل هذا الحزب وحزب «البعث»، في النصف الثاني من الأربعينيات، و«الحزب الشيوعي»، على عكس المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب، التي ازدهر فيها «حزب الشعب» و«الكتلة الوطنية»، في نهاية أربعينيات القرن الماضي.
وإذا كان «البعث» يؤمن بـ«الوحدة العربية» و«القومية العربية»، فإن «الحزب السوري» يسعى للترويج لـ«القومية السورية» في سوريا وفلسطين والأردن والعراق ولبنان، ولكنه لم يصل إلى الحكم قط، وقضى الجزء الأكبر من مسيرته في السر.
كان آل مخلوف، خصوصاً محمد وأخته أنيسة، أقرب إلى فكر «الحزب السوري». وفي 22 أبريل (نيسان) 1955، اغتيل العقيد المالكي في الملعب البلدي بدمشق. وارتكب جريمة القتل ثلاثة، بينهم بديع المخلوف، ابن عم أنيسة. واتهم «الحزب السوري القومي الاجتماعي» بالمسؤولية عن الاغتيال، وهي التهمة التي نفاها الحزب، ولكن رئيس الحكومة حينها صبري العسلي أصدر قراراً بحظر الحزب، وبدأت حملة اعتقالات في صفوفه. وبعد ستة أشهر، أصدرت محكمة عسكرية بدمشق أحكاماً بالإعدام على عدد من أعضاء وقادة «الحزب السوري»، شملت الإعدام لثلاثة من قادة الحزب الموقوفين، إضافة إلى 4 قادة حكم عليهم غيابياً، بينهم رئيس الحزب جورج عبد المسيح. كما حكم على جوليات المير سعادة، أرملة مؤسس الحزب أنطون سعادة، بالسجن 18 عاماً.
وكانت تلك أقوى ضربة يتلقاها «القوميون السوريون» منذ تسليم أنطون سعادة للسلطات اللبنانية وإعدامه عام 1949، إذ طالت الملاحقات جميع الأعضاء في سوريا، بما في ذلك الطلاب، إلى حد أن الفنان الشهير دريد لحام اعتقل قبل أن يصبح مشهوراً. واستطراداً، فإن الشاعر الراحل محمد الماغوط وعلي أحمد سعيد إسبر (أدونيس) كانا أيضاً عضوين في الحزب لاحقاً.
ومن مفارقات القدر أن حافظ الأسد تعرض للاحتجاز، مع غيره من الضباط السوريين، في زمن الانفصال عن مصر عام 1961 (الوحدة السورية - المصرية استمرت بين 1958 و1961)، تمهيداً لإعادته إلى بلاده، ومحمد مخلوف وأنيسة تعرضا للاستجواب بسبب انتمائهما إلى حزب منافس.
- عدنان المالكي وساحته
ومن مفارقات القدر بعد 1970 أن مكتب ومنزل حافظ الأسد، وزوجته أنيسة، وابنه بشار، في دمشق كان يطل على ساحة تسمى باسم «ساحة عدنان المالكي»، ينهض في وسطها تمثال كبير لعدنان المالكي. وكان عليهم جميعاً أن يمروا من هذا الساحة يومياً في شارع عدنان المالكي الشهير في دمشق.
وقد بقي الحزب محظوراً بعد وصول «البعث» إلى الحكم (1963-1970)، ولكن حين وصل الأسد إلى القيادة، تراخت الأيدي ضده، بفضل تأثير أنيسة على زوجها الرئيس، فسمح للحزب بالدخول بشكل غير مباشر إلى البرلمان. لكن المفارقة أن الحزب كان محظوراً رسمياً في سوريا، غير أن التحالف كان متيناً بين النظام والحزب في لبنان خلال وجود الجيش السوري في لبنان بعد 1976.
- جريح وطن
بعد وصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم في 2000، تزوج من أسماء الأخرس التي لم يعرف الكثير عن التاريخ السياسي لأسرتها، بل كانت أقرب إلى الاقتصاد من الآيديولوجيا، إذ كان شفيق ابن عم والدها فواز أستاذاً في الاقتصاد، وقريبها كان رجل أعمال في حمص، وهي كانت تعمل في بنك «جي بي مورغن» في لندن، فيما كان والدها طبيب قلب مشهوراً في لندن، ووالدتها تعمل في السفارة السورية في العاصمة البريطانية.
وعلى عكس زوجة الرئيس الراحل، ظهر دور علني لأسماء، إذ ترأست «الأمانة السورية للتنمية» المشرفة على الجمعيات المدنية، ورعت مناسبات عمومية، كان آخرها مبادرة «جريح وطن». كما انخرطت أكثر في التصور الاقتصادي في دمشق.
وفي 2011، سمح لـ«الحزب السوري» بالدخول بصفة «مراقب» إلى «الجبهة الوطنية التقدمية» (وهي تحالف من الأحزاب المرخصة في دمشق) التي يقودها «البعث». وساد اعتقاد بأن «الحلقة الضيقة» باتت أقرب إلى فكر «الحزب السوري»، بتأثير من أمه وخاله، الأمر الذي سهل للحزب استعادة نشاطه ودخول البرلمان، وهو ما لم يرق لـ«البعثيين» الذين جيشوا أيضاً ضد رامي ونفوذه وحزبه.
أضيف إلى ذلك دور رامي الذي يقول أشخاص التقوه أنه كان «مؤمناً إيماناً مطلقاً بأفكار الحزب السوري». وبين عامي 2005 و2019، اضطلع مخلوف بدور الرئيس غير المرئي، وعمد إلى دفع أنصار الحزب في مناصب قيادية عليا قبل انتخابهم في البرلمان أو تعيينهم وزراء. وساهم رامي في تأسيس فرع للحزب في 2011. وتشكلت للحزب ميليشيات باسم «نسور الزوبعة»، أقرب لجناح أسعد حردان، قاتلت إلى جانب قوات الحكومة ضد فصائل المعارضة. وقد خاض انتخابات مجلس الشعب في 2012، بدعم من «جمعية البستان»، وحصل على مقاعد في البرلمان. وفي أبريل (نيسان) 2016، سحب 16 مرشحاً من انتخابات المجلس قبيل موعد الانتخاب، دون معرفة السبب. ولم يكن مفاجئاً أن كثيراً من مؤيدي رامي، بعد ظهوره الأخير، وضعوا صورة «الزوبعة»، شعار الحزب، على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي.
- نزع المخالب
في منتصف 2019، توفرت لرامي تحت أعين النظام شبكة وأدوات لم تكن موجودة مع شخص آخر: خلفية تاريخية وعشائرية وطبقية، وإمبراطورية اقتصادية ومالية، وحزب سياسي يطمح للسلطة، وجمعية خيرية وميليشيات عسكرية. وفي المقابل، برز رجال أعمال جدد و«أمراء حرب» بنوا ثروتهم من القتال بين 2012 و2019، والالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية، وهم مقربون من نافذين جدد زاد دورهم في السنوات الأخيرة. كما تراكم الانتقاد لرامي من أكثر من زاوية ولأكثر من سبب.
توفرت ظروف القلق من رامي مخلوف وأدواته، وطموحات منافسيه، وتغييرات إقليمية ودولية، وتجاذبات روسية - تركية، فبدأت حملة تفكيك شبكات مخلوف في أغسطس (آب) الماضي، شملت حظر نشاطات معينة لـ«جمعية البستان» وحل جناحها العسكري، وهي التي كانت تعطي المقاتل راتباً شهرياً قدره 350 دولاراً، ما يعني أضعاف راتب الجندي النظامي. وهذا يشبه تفكيك «سرايا الدفاع» في «الحرس الجمهوري» التي كانت تابعة لرفعت الأسد في الثمانينيات، وحل «جمعية المرتضى» التي كانت تابعة لجميل الأسد، شقيق حافظ الأسد، وكانت توزع المساعدات والتشييع في الساحل لاستقطاب العلويين في الثمانينيات.
- حجز وإطلالة
في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أصدرت محكمة الاستئناف قراراً بحل «الحزب السوري - جناح الأمانة» الذي كان رامي قد شجع تشكيله، لكن ذلك لم يشمل وزير المصالحة في الحكومة علي حيدر الذي ينتمي إلى الحزب، وتيار جورج عبد المسيح، بسبب «صداقته مع الأسد»، حسب مصدر في دمشق.
وفي 19 ديسمبر (كانون الأول)، صدرت سلسلة قرارات بالحجز الاحتياطي على أموال مخلوف وزوجته وشركاته، ووجهت لهم تهم التهرّب الضريبي. وفي 17 مارس (آذار) 2020، أصدرت وزارة المال قراراً بتجميد أمواله بسبب علاقته بشركة مختصة بالنفط.
وفي نهاية أبريل (نيسان)، طلبت الحكومة من «سيريتل» دفع نحو 185 مليون دولار أميركي قبل 5 مايو (أيار)، وقد رفض رامي دفع ذلك مباشرة. وهذا نقل المواجهة إلى مستوى جديد، إذ أطلقت السلطات حملة ضده، شملت اعتقال كبار الموظفين في شركاته ومؤسساته، والحجز على أمواله في سوريا، وصدور قرار بمنع مؤسسات الدولة من التعامل معه لخمس سنوات، وقرار بمنعه من السفر، وحجز 15.2 مليون سهم في 12 مصرفاً، وتجميد التداول بأسهم «سيريتل». كما سحبت منه جميع الامتيازات الأمنية والاقتصادية التي كان يتمتع بها منذ كان صغيراً، بصفته ابن أخ زوجة الرئيس منذ 1970. وشملت الإجراءات قرار محكمة في دمشق تسمية «المؤسسة العامة للاتصالات» الحكومية «حارساً قضائياً» على «سيريتل»، في خطوة إضافية ضد رامي.
وفي المقابل، كان هو ينتقل من تصعيد إلى آخر، وصل إلى تحذير من «انهيار اقتصادي»، ثم من «أيام حاسمة» و«زلزال» في دمشق. كان يقول هذا من قصره في يعفور قرب دمشق. وهذا «امتياز» جديد لم يسبقه إليه أحد... إلى هذه اللحظة غير المضمونة.



«حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة

TT

«حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة

يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ)
يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ)

حتى بعد مرور عام على 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لم يعرف أحد على وجه الدقة الهدف من الهجوم المباغت لحركة «حماس» الفلسطينية على إسرائيل، الذي يوشك اليوم على تغيير وجه الشرق الأوسط، ويجرّ خلفه 3 حروب، واحدة مدمرة في غزة، وثانية دموية في لبنان، وثالثة صامتة طويلة الأمد في الضفة الغربية، وعدة حروب باردة مع إيران وأذرعها في العراق واليمن وسوريا.

من المبكر الحكم على نتائج الهجوم الذي فاجأ إسرائيل، تحديداً لجهة إقامة دولة فلسطينية. ثمة وجهتا نظر، تفيد الأولى بأن 7 أكتوبر ستنتهي إلى مسار الدولة، ويزعم الثاني أن الباب قد فُتح لإسرائيل، ليس للقضاء على حل الدولتين، بل احتلال أجزاء من دول أخرى في المنطقة.

لكن بالنسبة لـ«حماس» التي بدأت الهجوم وتلقت الردّ عليه، يمكن القول إنها دفعت ثمناً لم تكن تتخيله يوماً. فماذا حدث خلال عام؟ وكيف أصبحت الحركة في ميزان الربح والخسارة؟

قبل الهجوم، كانت «حماس» بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين قوة لا يستهان بها، وليس من الوارد أن تضحي بموقعها ومكاسبها في حرب مدمرة، وكان هذا سر الهجوم، قبل أن يكلفها الكثير لاحقاً.

وإذا كانت الحرب قد بدأت بضربة «حماس» وغارات جوية إسرائيلية لاحقة، فالأكيد أن الحركة لم تكن تتوقع أن الحرب البرية ستكون بهذا الزخم الذي طال جميع مناطق غزة، متراً بمتر، وشبراً بشبر.

اليوم، فقدت «حماس» وجناحها المسلح، الكثير من الأشياء، كما أنها في المقابل كسبت أشياء أخرى.

خسرت «حماس» الكثير في هجوم 7 أكتوبر المباغت لكنها ربحت أشياء أيضاً (أ.ب)

حساب الربح... إحصاء الخسارة

على الأقل، فقدت «حماس» دعماً سياسياً ولو كان خافتاً من قبل دول أوروبية ودولية، ومثله دعم مالي لتمويل مشاريع حكومية ومؤسساتية وخدماتية لسكان غزة، وإلى حد ما تضررت علاقة الحركة بدول إقليمية دعمتها في الصراع ضد إسرائيل، أو ما يتعلق بالمصالحة مع حركة «فتح».

وبعد هجومها الكبير، نّدت دول بـ«حماس»، وبقي هذا الموقف يتصاعد مع مرور الأيام في ظل الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي صاحبت هجوم 7 أكتوبر.

وخلال ذلك، ظهرت مؤشرات قوية على خسارة الحركة لكثير من شرعيتها التي اكتسبتها لسنوات بتطوير علاقات كانت صعبة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية، وعلى وجه الخصوص تضررت إلى حد ما العلاقة مع مصر وقطر، إذ قالت مصادر موثوقة لـ«الشرق الأوسط»، إن «علاقة (حماس) بهاتين الدولتين العربيتين لم تعد كما كانت».

ويفهم قياديون في «حماس»، وفقاً للمصادر، أنه «في لحظة ما قد تطالبهم قطر بالخروج (...) كما أن الوضع مع مصر لم يعد على أحسن حال».

وتطالب مصر اليوم، وتعمل على عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، ويشمل ذلك تسليمها معبر رفح البري، وليس إسرائيل أو «حماس».

مقابل ذلك، زاد دعم «حماس» في «محور المقاومة» المدعوم من إيران، لكن هذا الأخير تعرض لخسائر عدة على أصعد مختلفة بفعل الحرب.

وكسبت الحركة أيضاً تأييداً من دول مثل تركيا وروسيا، وإلى حد ما من الصين، الأمر الذي دفع مراقبين إلى الاعتقاد بأن «حماس» تموضعت في استقطاب إقليمي حاد، في لحظة تقترب فيها المنطقة من شفا حرب مفتوحة.

شعبية «حماس» ونفوذها

أيام قليلة بعد 7 أكتوبر 2023، ارتفعت شعبية «حماس» بشكل كبير في مناطق غزة والضفة الغربية. كان يمكن ملاحظة كيف أن الإعجاب بالهجوم المباغت طغى على كل شيء، ولكن سرعان ما تبدد كل ذلك، خصوصاً في القطاع، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية التي كبدت الغزيين خسائر مريرة في الأرواح والأملاك.

وباتت غالبية من سكان غزة يُحمّلون «حماس» مسؤولية ما حلّ بهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع تأييد الحركة بشكل كبير، وأفقدها ميزة الدعم الكبير.

رغم كل هذا التراجع، فإن الحركة ما تزال ترى نفسها جزءاً واضحاً من مستقبل غزة والقضية الفلسطينية، وأن لديها القدرة على البقاء سياسياً وعسكرياً ومدنياً وشعبياً حتى حكومياً.

ومع ذلك، فإن الحكم على قدرة «حماس» على البقاء من عدمه سيكون حين تنتهي الحرب، ويتبين شكل الشرق الأوسط في اليوم التالي، لكن الأكيد أن الحركة لم تعد قادرة على حكم القطاع الذي يحتاج إلى دعم دولي واسع لإنقاذ سكانه وإعادة إعماره، وإحياء اقتصاده المنهار.

يرى خبراء عسكريون أن بقاء السنوار حياً يحرم إسرائيل من «صورة المنتصر» (أ.ف.ب)

قيادات «حماس»... مَن بقي؟

فقدت «حماس» أهم قياداتها السياسية والحكومية والعسكرية، وجزءاً لا يستهان به من مسلحيها، إلى جانب ناشطين في المجالات الدعوية والاجتماعية والاقتصادية.

مع بداية الحرب، وصلت إسرائيل إلى زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة من أعضاء المكتب السياسي للحركة، وأيمن نوفل وأحمد الغندور وهما قائدا لواءي الوسط والشمال في «كتائب القسام»، إلى جانب أيمن صيام قائد الوحدة الصاروخية في الكتائب.

وقد دأبت «حماس» على نعي جميع الشخصيات التي فقدتها خلال الحرب وإعلان أسمائهم، قبل أن تغير هذا النهج لتخفي معلومات قادتها والمسلحين الذين يتم قتلهم.

لاحقاً، نجحت إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في طهران، ونائبه صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت، وكلاهما نعتهما الحركة.

لكن بعيداً عن إعلانات «حماس»، أكدت إسرائيل اغتيال قائد «كتائب القسام» والمطلوب الأول منذ عقود محمد الضيف في ضربة جوية نفّذتها بمنطقة مواصي خان يونس، جنوب غزة، في 13 يوليو (تموز) الماضي، إلى جانب رافع سلامة، قائد لواء خان يونس، وقبلهما أكدت اغتيال مروان عيسى، نائب الضيف، في نفق وسط مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، في 10 مارس (آذار) الماضي.

وكانت مصادر من «حماس» قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» اغتيال سلامة وعيسى، لكنها لم تدلِ بأي معلومات حول الضيف.

وكشفت «الشرق الأوسط» في وقت سابق، عن مقتل اثنين من أعضاء المكتب السياسي، هما روحي مشتهى وسامح السراج في ضربة استهدفت نفقاً جنوب مدينة غزة، إلى جانب قيادات عسكرية وازنة في «القسام».

ومن بين الاغتيالات المؤثرة في «القسام»، استهداف أيمن المبحوح أحد أهم قادة الكتائب والمسؤول الأول عن استخبارات الكتائب وأسرارها الأمنية، الذي كان لسنوات مسؤولاً عن الدائرة الأمنية الخاصة بحماية محمد الضيف.

ولم تؤكد «حماس» اغتيال أي من هؤلاء، بل إنها تشدد على أن الضيف ما زال حياً، فيما تصرّ إسرائيل على نجاحها باغتياله.

وفقدت «القسام» مئات من قياداتها الميدانيين، منهم قادة «كتائب» و«سرايا» و«فصائل» و«مجموعات»، وهي مسميات عسكرية بالترتيب وفق تقسيمات معينة ومحددة، ورغم أنها خسائر فادحة فإن المحلل العسكري العقيد المتقاعد منير حمد من غزة يميل إلى الاعتقاد بأنها «لا تعني القضاء تماماً على الكتائب».

وقال حمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حماس» استطاعت حتى الآن الحفاظ على حياة قائدها يحيى السنوار، خاصة بعد اغتيال هنية في طهران، ما يعني «توفق الحركة استخبارياً، على الأقل حتى الآن».

ورأى حمد أن «إبقاء السنوار حياً يحرم إسرائيل من صورة النصر التي تحاول الحصول عليها منذ أشهر».

ويُحسب لحركة «حماس» أنها وضعت قضية اغتيال قياداتها وعناصرها رهن التكهنات، سواء بالنسبة لإسرائيل أو غيرها، ما يؤشر على صعوبات أمنية واجهتها وما زالت تواجهها المخابرات الإسرائيلية في الوصول لقيادات «حماس» و«القسام»، على عكس ما يجري حالياً على الجبهة اللبنانية مع «حزب الله».

ولا تكتفي إسرائيل بملاحقة السنوار، بل إنها تبحث عن شقيقه محمد، أحد أبرز قادة «القسام» والرجل الثاني بعد الضيف، كما تبحث عن قائد لواء رفح محمد شبانة، وعن قائد لواء غزة عز الدين الحداد الذي تلقبه بـ«الشبح»، وعن قيادات أخرى من المجلس العسكري مثل رائد سعد، وأبو عمر السوري، اللذين نجيا من عمليتي اغتيال في غزة.

وتدفع هذه المعطيات العقيد المتقاعد منير حمد إلى الجزم بأن «حماس» قادرة على النهوض مجدداً، خاصة أن عدداً من قياداتها المؤثرة ما زال على قيد الحياة.

ويؤكد مراقبون أنه في حال تم التوصل لاتفاق تهدئة، يمكن لـ«حماس» أن تعيد بناء نفسها وقوتها مجدداً، خاصة مع وجود العامل البشري الذي يمكن أن تستغله، كما أن هناك قيادات بارزة قادرة على قيادة الحركة من جديد، بمن فيهم شخصيات تنشط في الخارج لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية.

ويتفق حمد مع مراقبين على أن «حماس» نجحت حتى الآن في الاحتفاظ بعشرات الإسرائيليين المحتجزين كأسرى في غزة، بعد عام من حرب مدمرة طالت كل شبر من القطاع، وهو ما يمنحها مكاسب أكبر لفرض شروطها في التفاوض الذي يسير ببطء شديد في ظروف معقدة.

الحرب الأخيرة في غزة أظهرت خطأ التقدير الإسرائيلي لحجم شبكة الأنفاق في غزة (أ.ف.ب)

أنفاق «حماس»

فقدت «حماس» كثيراً من قوتها خلال عام من الحرب. وبعد ضربات متتالية، شملت الخدمة العامة، والمرافق التنظيمية والعسكرية والاقتصادية، تكاد الخسائر تكون شاملة على نحو واسع.

لكن فقدان معظم أنفاق «حماس» قد يكون الخسارة الأبرز لجهة أنها «سلاح استراتيجي» كان بيد الحركة.

واستخدمت «حماس» تلك الأنفاق في التحكم السيطرة، ولحماية قياداتها، وكذلك لإخفاء الإسرائيليين، ومن ثم في إدارة المعركة لتنفيذ هجمات، مباشرة أو صاروخية.

وبحسب مصادر «الشرق الأوسط»، فقد «نجحت إسرائيل في تدمير كثير من أنفاق الحركة». وقالت إن «الجيش الإسرائيلي عثر على كثير من الأنفاق الاستراتيجية الهجومية والدفاعية».

واستخدمت «حماس» الأنفاق في مناسبات مختلفة كمخابئ لبعض قادتها الذين تمت ملاحقتهم فوق وتحت الأرض، وهو الأمر الذي جرى مع عضو المكتب السياسي للحركة روحي مشتهى وقيادات أخرى، ما أدى لمقتلهم في أحد تلك الأنفاق.

تقدر مصادر مطلعة لـ«لشرق الأوسط» أن «حماس» تمتلك في كل منطقة داخل غزة (شمال القطاع مثلاً) ما لا يقل عن 700 نفق بأحجام ومهمات مختلفة، لكن ذلك يرتبط بجغرافيا وطبيعة التربة التي يمكن من خلالها حفر عدد أكبر أو أقل من الأنفاق.

وتقول المصادر: «في خان يونس جنوب القطاع، يختلف عدد الأنفاق كلياً، وربما هو الأكبر على مستوى القطاع، وخاصة في المناطق الشرقية منها باعتبارها مناطق زراعية وسهلة الحفر، ويمكن فيها العثور على أكثر من مسار للنفق الواحد بتفرعات مختلفة وبتوزيعات جغرافية مختلفة من مكان إلى آخر، ويقدر عددها بنحو ألف نفق».

وقدرت إسرائيل سابقاً أن تكون «حماس» حفرت أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق، لكن الحرب الحالية أظهرت أن تقديراتها خاطئة، وكانت أكبر بكثير.

وتفسر هذه المعطيات كيف نجحت «حماس» حتى اللحظة في تسهيل حركة قياداتها ومقاتليها بين مواقع، فوق الأرض وتحتها، إذ الواقع الفعلي لشبكة الأنفاق يتيح لهم المناورة مع إسرائيل.

«حماس» أطلقت في «الرشقة الأولى» صبيحة 7 أكتوبر ما لا يقل عن 4 آلاف صاروخ (أ.ف.ب)

ترسانة الصواريخ

مثّلت الصواريخ سلاحاً فارقاً لدى «حماس»، وشكّلت في مرحلة ما أحد أهم وسائل الردع، بعدما كانت الحركة قادرة على ضرب المدن والمستوطنات الإسرائيلية وقتما تشاء، خاصة تلك التي كانت تصل إلى تل أبيب والقدس.

تقول مصادر موثوقة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حماس» فقدت غالبية مخزونها من الصواريخ. ومع ذلك يعتقد مراقبون أن الحركة تخفي عدداً منها، وسوف تستخدمها في وقت ما.

وتزعم مصادر ميدانية من «حماس» أن جناحها المسلح كان يمتلك قبيل الحرب ما يزيد على 60 ألف صاروخ، ما بين صواريخ بعيدة المدى وأخرى متوسطة وقصيرة.

وكانت «حماس» قد أطلقت في «الرشقة الأولى» صبيحة 7 أكتوبر، ما لا يقل عن 4 آلاف صاروخ، غالبيتها متوسطة وقصيرة المدى تزامناً مع بدء الهجوم العسكري.

ومع ذلك، يصعب معرفة العدد الدقيق للصواريخ التي تمتلكها «حماس» قبل الحرب، وما تبقى خلال عام بعد اندلاعها.

وتزعم إسرائيل أنها نجحت في تدمير كثير من الصواريخ، إلى جانب ضرب أماكن تصنيعها وتخزينها، ومنصات إطلاقها.

خسرت حماس الكثير من قياداتها لكن وجود عدد منهم خارج غزة يمنحها القدرة على المناورة (غيتي)

بنك المال والمعلومات السرية

لم تتوقع «حماس» أن القوات البرية الإسرائيلية ستتعمق داخل غزة، كل هذا الوقت وبهذا العمق والسعة، ما منعها من نقل أو إتلاف ملفات بالغة السرية، من بينها ملفات اجتماعات مغلقة، وملفات أمنية ومالية، نجحت إسرائيل في السيطرة عليها، كما الفيديو الذي ظهر فيه قائد «كتائب القسام»، محمد الضيف، الذي كان يوصف بأنه رجل الظل الذي لا تعرف صورته.

وأكدت مصادر في الحركة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوقت لم يسعف عناصر (حماس) لتدمير ما لديها من ملفات، وإلا كان تم زرع عبوات ناسفة لتفخيخ المواقع التي تحوي مثل هذه الملفات على الأقل».

على الصعيد الحكومي، يمكن الجزم أن «حماس» خسرت جميع مقراتها، كما فقدت قيادات حكومية بارزة كانت تقود عملها الخدمي وغيره، إلى جانب كثير من أركان هيئة الطوارئ التي شكّلتها لإدارة العمل الحكومي للسكان خلال الحرب، وليس آخرهم على الأغلب المهندس ماجد صالح، المدير في وزارة الأشغال، الذي كان هدفاً لإسرائيل مرات عدة خلال هذه الحرب، وقد فقد زوجته وعدداً من أبنائه.

ترافق ذلك مع خسارة «حماس» كثيراً من مواردها المالية التي كانت تعتمد عليها، فهي إلى جانب الدعم الخارجي والدخل الحكومي، ثمة مصانع ومحال وعقارات وغيرها كانت تدرّ على الحركة شهرياً مبالغ طائلة.

وخلال الحرب تعمدت إسرائيل استهداف جميع مصادر تمويل «حماس»، وقصفت بنكاً تابعاً للحركة، وغرفاً محددة كان تخزن أموالاً، وهاجمت مركبات نقل أموال، واستولت على ملايين «الشواقل» من أماكن داهمتها، الأمر الذي أفقد «حماس» في كثير من الفترات قدرتها على صرف رواتب موظفيها وعناصرها، سواء الحكوميون أو المنضمون لجناحها العسكري وغيرهم.

في نهاية المطاف، طال الدمار كل شيء، كل شارع وحي، وجميع العائلات التي رزحت تحت نار الحرب طوال عام. لكن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لـ«حماس» أمر بلاغ التعقيد، ولا يمكن الجزم به. ففي اليوم التالي للحرب، ستكون المعطيات حاسمة لمعرفة أن الحركة انتهت بالفعل، أم أنها طبقاً للظروف قادرة على العودة والنهوض مجدداً.