أدب ما بعد «كورونا»

الصدق يحرر من الخوف وأفكار تغيّر شكل الكتابة

منى ماهر - رأفت السويركي
منى ماهر - رأفت السويركي
TT

أدب ما بعد «كورونا»

منى ماهر - رأفت السويركي
منى ماهر - رأفت السويركي

ما هو شكل الإبداع ما بعد «كورونا»، سؤال لا يفرض نفسه على الأدب فقط، بل على كل مقومات الحياة في العالم: هل ستدخل الكتابة أفقا جديدا تتخطى من خلاله ما خلفته هذه الكارثة من عطب في العقل والوجدان الإنساني، وما هو شكلها وملامحها؟ في هذا التحقيق آراء مجموعة من الكتاب الروائيين، وتصوراتهم لشكل الإبداع ما بعد كورونا:

- أحمد الخميسي: مصير إنساني موحد
ارتبطت التغيرات الكبرى في المذاهب الأدبية والفنية بتحولات اجتماعية عميقة، مثل ظهور الرومانسية مع التحول المزلزل من النظام الإقطاعي إلى مجتمع صناعي وصعود الطبقة الوسطى، ومثل الإعلان عن المدرسة الدادية كاحتجاج يائس وعدمي على الحرب العالمية الأولى، أما عن الأشكال الأدبية المستقرة مثل القصة والرواية فإنها عادة تتغير ببطء شديد للغاية، لهذا لا أتوقع أن يؤدي وباء كورونا إلى ظهور مذاهب أدبية أو تحولات خاصة في أشكال الإبداع الأدبي والفني، لكن الوباء، وتفشيه بهذه القسوة وضرباته العمياء في كل اتجاه، قد تستدعي أفكارا جديدة إلى مضمون العمل الإبداعي، وأظن أن فكرة المصير الإنساني الموحد ستكون على رأس القائمة، ذلك أننا للمرة الأولى نرى بسطوع سقوط قوة المال أمام الوباء، وسقوط قوة المناصب، ونرى أيضا للأسف عجز العلم وحيرته، وفي المقابل نشهد الحاصدة التي تقطف الرؤوس من دون تمييز بين أبيض وأسود، غني أو فقير. وأظن أن كل ذلك سيطرح بشدة على الإبداع قضية «وحدة المصير الإنساني»، وهي جملة قد لا تكون جديدة، لكن صوتها كان خافتا ووجهها شاحبا، الآن يضع الوباء أمام أعيننا قضايا ملحة، أظنها ستحظى باهتمام المبدعين، مثل قضية أنه لا نجاة لا أحد بدون الآخرين، ولا نجاة للآخرين من دون كل فرد. ربما تكون تلك النغمة هي المعزوفة الأولى التي سنسمعها بتوزيع مختلف في كل مرة من عالم الإبداع، مع أمل ألا تصبح الهموم الإنسانية الجديدة مادة لأعمال تجارية شبه أدبية سريعة الإعداد. في كل الأحوال يبدو في أيامنا هذه كأن الأرض كلها تطلق تنهيدة واحدة، ولا بد أننا سننصت في الإبداع الحقيقي إلى هذه التنهيدة ونحس حرارتها بطرق مختلفة.

- رأفت السويركي: إعادة تشكيل المشهد
إذا كان السؤال حول شكل إبداع «ما بعد كورونا» يكتسب مشروعيته من تلك الهواجس المصطنعة التي تشكلها حالة «الإرعاب» المهيمنة إعلاميا من الجائحة؛ فإن العقل التفكيكي القارئ للصورة الراهنة يتوقف كثيراً عند مقصود هذه الحالة وقد تلبست الرداء العولمة.
تلك الحالة المهيمنة من الاهتمام بالجائحة تمثل انتقالة في الخطاب لا يعادلها في المماثلة سوى خطاب «الإرعاب» من «الإرهاب» الذي تشكل عقب تدمير بُرجي التجارة بنيويورك. والقاسم المشترك بين حالتي «الإرهاب والإرعاب» هو أرقام ضحايا الجائحتين من القتلى والناجين.
إن تأمل الصورة الجديدة الخاصة بفيروس «كورونا»، والصورة القديمة بفيروس «الإرهاب» تضع في «المسكوت عنه» وجود فاعل غير بريء؛ لأنه الصانع بشراسة للفعلين؛ وهو بالتحديد النظام الرأسمالي الأميركي المهيمن.
ولا يمكن هنا أن نتغافل عن تقرير «نيويورك تايمز» حول إغلاق مختبر «فورت ويتريك» لأبحاث الجراثيم والفيروسات بولاية «ميريلاند» التابع للقيادة الطبية للجيش الأميركي بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة؛ وهذا المختبر وسواه كان يتولى التجارب حول الفيروسات المصطنعة؛ ومنها الفيروس الأم لكل سلالة «فيروس كورونا».
ولأن الرأسمال المركز الباحث عن الربحية الفاحشة أصبح يتمدد تحت جناح العولمة منذ انقضاء نمط الحرب الباردة بين الكتلتين؛ يحاول تضخيم الصورة الربحية لأمواله. فمع تقلص ساحة المعارك التدميرية بالأسلحة لا بد من التنشيط لأنماط الحروب الناعمة ذات الاقتصاديات الثقيلة ومنها اقتصاديات الدواء؛ وهنا تبدأ وستتواصل دورات جديدة من الحروب البيولوجية بالأوبئة؛ لإعادة تشكيل الأسواق؛ والبحث عن مسارب جديدة للربحية الرأسمالية؛ فهل غير «الإرعاب» بالفيروسات من بديل؟ لربما سيشهد العالم لاحقا صورا من إبداعات اصطناع «حروب الأوبئة» لتحل محل أدبيات الحروب العسكرية؟
إن تعبير الإبداع هو اصطلاح نخبوي في الأساس ويدل على طبيعة الخطاب المحيط بالظواهر والذي تنتجه النخبة المثقفة. لذلك فهو فعل لاحق وتابع؛ ومن هنا يكتسب المشروعية؛ بشغف النخبة للتعبير عن «دراميات الواقع ومتخيلاته»، وهنا يكون السؤال حول شكل إبداع «ما بعد كورونا».
وهنا تكون التوقعات اللاحقة بتوظيف جائحة كوفيد – 19 «كورونا» لتكون موضوعا لبعض الأعمال الروائية أو المسرحية المحدودة؛ غير أنها لن تصل لقيمة الإبداعات السالفة لكامو، وماركيز وسواهما. فالتصور الذي تفرضه تطورات الواقع هو تقليص مدى مساحة الدرامية المأساوية للموت بـ«كورونا» عقب التوصل السريع لعلاجاته؛ خاصة أنه يتخير كضحايا شرائح عمرية في الأساس هي في طريقها للموت الطبيعي بالشيخوخة؛ لكن يجري توظيفه اقتصاديا؛ وهنا هو مربط الفرس.

- جان دوست: الجوع أولا
في اعتقادي سيكون هناك تغيير بلا شك. فالجائحة لم تكن حدثاً عاديا، ولا وباء محصوراً في بقعة محددة ولزمن قصير. كل إنسان على وجه الأرض تأثر بشكل أو بآخر. وبما أن الأوبئة منابع هامة للإبداع فإن الأدب بشكل عام سيتأثر بالجائحة. ولا أبالغ إذا قلت إن المرحلة التالية من الأدب، ولمدة عقود قادمة ستكون مرحلة الخوض في أسباب الجائحة، تأثيراتها، خفاياها،. كثيرون من الروائيين والشعراء وكتاب القصة والمبدعين بشكل عام سيتناولون الموضوع لكن كلٌّ من زاويته الخاصة. في الغرب، وفي مجال السينما خاصة، أنا على يقين أن السمة التجارية ستكون طاغية في المشهد السينمائي الغربي كالعادة.
من وجهة نظري فإن الموضوع لا يخلو من المبالغة. صحيح أن هناك ضحايا يسقطون، وإصابات كثيرة، لكنها لا تشكل شيئا أمام جائحة الجوع التي تحصد أعداداً هائلة، لا يهتم بها عداد الموت الذي تضبطه المركزية الغربية على إيقاعها الخاص.
لا يسلط الإعلام الدولي، الذي تديره إمبراطوريات إعلامية توجه الرأي العام العالمي على مزاجها، أي ضوء على ضحايا هذه الجائحة، اليوم مثلاً وحتى هذه الساعة، التي أجيب فيها على أسئلتكم، مات أكثر من خمسة عشر ألف إنسان بسبب الجوع. هل يهتم الإعلام الرأسمالي بهؤلاء؟ لماذا يوجهون الكاميرا إلى مصاب الكورونا ولا يوجهونها إلى ضحايا الجوع وهم أضعاف ضحايا بقية الجوائح؟ لماذا تكثر القصص الإعلامية عن الكورونا ولا نسمع قصص الموت جوعا؟ الجواب هو أن الضحايا في حالة الجوع فقراء معدمون، فقراء لدرجة أنهم يموتون لأنهم لا يجدون شيئا يأكلونه. أيضاً حسب الموقع العالمي «وورلدومتر» ضحايا الملاريا حول العالم منذ بداية العام أكثر من أربعمائة ألف إنسان! كيف لا يهب العالم لمحاصرة هذا المرض الوبيل الذي يفتك بالناس بصمت مطبق مريب من الإعلام؟
طبعاً لا أميل إلى نظريات المؤامرة لكنني أحاول إثارة أسئلة من جهة وإدانة الاهتمام الزائد عن الحد واللامبرر بالجائحة كنوع من تقليد الإعلام الغربي المركزي. ومن ثم أرى أن المرحلة التالية ستكون تحت تأثير جائحة الكورونا وكما قلت لمدة عقود، ليس بسبب ضحايا هذه الجائحة، ولا بسبب خطورة المرض بل بسبب هذه الضجة الإعلامية الهائلة وغير المسبوقة. ليس المرض ولا طبيعة الفيروس الرهيب هو الذي سيحرك الأقلام بل الإعلام وسطوته. وبطبيعة الحال فكلنا شركاء في «الدعاية المجانية» لكورونا بما ننشره في وسائل التواصل الاجتماعي، وما نكتبه من مقالات وما نذيعه من تقارير هنا وهناك، سيقع الأدب والفن في المرحلة اللاحقة تحت تأثير هذا الضخ الإعلامي الكبير وستشهد السينما بشكل خاص قفزة في مجال أفلام الجوائح، وسيهتم الإعلام بالروايات التي ترصد المرض وتأثيراته على المجتمعات وربما تفوز تلك الروايات والأفلام بأرفع الجوائز بينما سيستمر الفقراء في الموت جوعاً وبصمت.

- منى ماهر: قناعات جديدة
الكورونا ضيف ثقيل حقا، لكنه أعاد تشكيل حياتنا رغم رفضنا استقباله، هذا الفيروس الضعيف نجح في اختراق أعتى الحصون، نجح في اختراق الدوائر المحيطة بنا والتي كنا نعتقد أنها توفر لنا الحماية، كما منحنا وقتا للعزلة مع أنفسنا، وقتا لإعادة حساباتنا، تغير الكثير من معتقداتنا وعاداتنا، فلقد اكتشفنا أننا أضعف بكثير مما نظن، وأننا لسنا بالقوة التي خدعنا بها أنفسنا، عندما تتغير الأفكار، تبدأ رحلة البحث عن قناعات جديدة، قناعات تناسب الأفكار وتتغير نظرتنا للأمور من خلالها، فنرى للإبداع زوايا جديدة، زوايا مهجورة لم نكن نرتادها، فمن كان لا يؤمن بالحب، قد يرى في الحب الخلاص، ومن كان لا يؤمن بسحر الوطن سيجد في الوطن الملاذ والسكن سيتغير الكثير، وستلوح في الأفق بدايات جديدة، ونهايات غير متوقعة، الجمال في حياتنا سيغير محل إقامته، الزحام الذي كان يؤنسنا قد يصبح مصدر إزعاج وخوف، والوحدة قد تصبح هي الأمان، سنعيد قراءة البشر، ونعيد ترتيب الأصدقاء على أرفف حياتنا، من كان يحتل الرفوف الأولى، قد يصبح في الرفوف الأخيرة، وقد يغادر نهائيا... إبداع ما بعد الكورونا يستحق الاهتمام، فأنا أعتقد أن القراءة ستحصد المزيد من الاهتمام، وأعتقد أن ذلك سيعيد تقييم العديد من الأعمال والعديد من الكتاب، ستظهر نجوم وستختفي نجوم. الأدب الصادق والحقيقي هو ما سيبقى، ستبقى الكتابات التي تلمس القلوب، الكتابات التي تقترب من روحك دون أن تجرحها أو تخدعها، الصدق الفني سيصبح معيار النجاح. الكورونا أصابنا بالخوف، ثم بدأ يحررنا منه تدريجيا، هذا الفيروس الصغير اقتحم أرواحنا ليخبرنا أن هناك الكثير من الأشياء التي كنا لا نراها رغم أنها كانت تستحق الاهتمام، سنبحث عن هذه الأشياء وسنعيد ترتيب حياتنا.


مقالات ذات صلة

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

صحتك سجَّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة «كورونا» في أوروبا إذ حصد «كوفيد-19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

يتوقع خبراء استمرار «كوفيد-19» في 2026، مع هيمنة متحوِّرات «أوميكرون» وأعراض مألوفة، محذِّرين من التهاون.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك فيروس «كورونا» تسبب في وفيات بالملايين حول العالم (رويترز)

دراسة مصرية تثبت قدرة أدوية الالتهاب الكبدي على الحد من وفيات «كوفيد - 19»

كشفت دراسة طبية مصرية عن نجاح دواء يستخدم في علاج مرضى فيروس (التهاب الكبدي الوبائي سي) في الحد من مضاعفات الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» المعروف بـ«كورونا»

نصري عصمت (لندن)
أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت البعثة الأثرية المصرية الإيطالية المشتركة، بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة بادوفا الإيطالية، الثلاثاء، اكتشاف عدد من الورش الصناعية التي ترجع إلى العصر المتأخر وبدايات العصر البطلمي، إلى جانب الكشف عن جزء من جبانة رومانية تضم أنماطاً متنوعة من الدفن، أثناء أعمالها بموقعي كوم الأحمر وكوم وسيط بمحافظة البحيرة (غرب الدلتا).

ويساهم هذا الكشف في تعميق فهم طبيعة الحياة والنشاط البشري في مناطق غرب دلتا النيل والمناطق الداخلية المحيطة بمدينة الإسكندرية، وفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خالد، موضحاً في بيان للوزارة، الثلاثاء، أن «هذه الاكتشافات تمثل إضافة علمية مهمة لدراسة أنماط الاستيطان والممارسات الجنائزية والأنشطة الصناعية في غرب الدلتا، كما تسهم في تقديم رؤى جديدة حول شبكات التواصل الإقليمي منذ العصر المتأخر وحتى العصرين الروماني والإسلامي المبكر».

وتتكون الورش الصناعية المكتشفة من مبنى كبير مقسّم إلى ما لا يقل عن ست غرف، خُصصت اثنتان منها لمعالجة الأسماك، حسب تصريحات رئيس قطاع الآثار المصرية، محمد عبد البديع، حيث عثرت البعثة على نحو 9700 عظمة سمك، بما يشير إلى وجود نشاط واسع لصناعة السمك المملح في تلك الفترة.

الكشف عن جبانة رومانية بمصر (وزارة السياحة والآثار)

ويرجح تخصيص الغرف الأخرى لإنتاج الأدوات المعدنية والصخرية، وتمائم الفيانس، إذ عُثر على عدد من التماثيل الجيرية غير المكتملة، إلى جانب قطع أخرى في مراحل تصنيع مختلفة.

وأسفر الكشف أيضاً عن العثور على جرار أمفورا مستوردة وقطع من الفخار اليوناني، الأمر الذي يؤرخ نشاط هذه الورش إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وأسفرت أعمال الحفائر كذلك عن اكتشاف جزء من جبانة رومانية تضم عدة دفنات بثلاثة أنماط رئيسية، شملت الدفن المباشر في الأرض، والدفن داخل توابيت فخارية، بالإضافة إلى دفنات أطفال داخل أمفورات كبيرة، وفق بيان الوزارة.

فيما أوضحت رئيسة البعثة من جامعة بادوفا الإيطالية، الدكتورة كريستينا موندين، أن فريق العمل يجري حالياً عدداً من الدراسات البيو - أثرية على الهياكل العظمية المكتشفة، بهدف تحديد النظام الغذائي، والعمر، والجنس، والحالة الصحية للمدفونين بالموقع، والبالغ عددهم 23 شخصاً من الذكور والإناث والأطفال والمراهقين والبالغين.

وأشارت إلى أن النتائج الأولية لهذه الدراسات تشير إلى أن هؤلاء الأفراد عاشوا في ظروف معيشية جيدة نسبياً، دون وجود دلائل واضحة على إصابتهم بأمراض خطيرة أو تعرضهم لأعمال عنف.

وعدّ عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، هذه الاكتشافات، تمثل إضافة نوعية لفهم تاريخ غرب الدلتا خلال العصر الروماني، إذ تكشف بوضوح عن تداخل الحياة الاقتصادية مع الممارسات الاجتماعية والدينية في تلك المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «ورش تجهيز السمك المملح تعكس نشاطاً صناعياً منظماً يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية، ما يدل على أهمية غرب الدلتا بوصفها مركزَ إنتاجٍ غذائي وتجاري مرتبط بشبكات أوسع داخل مصر وخارجها».

من القطع المكتشفة في الجبانة (وزارة السياحة والآثار)

كما رأى عبد البصير أن «الكشف عن الجبانة الرومانية يقدّم مادة علمية ثرية لدراسة المعتقدات الجنائزية والبنية الاجتماعية للسكان، من خلال تنوع طقوس الدفن واللقى المصاحبة».

ونجحت البعثة في الكشف عن عشرات الأمفورات الكاملة (جرار خزفية)، بالإضافة إلى زوج من الأقراط الذهبية يعود لفتاة شابة، وقد نُقلت هذه القطع الأثرية إلى المتحف المصري في القاهرة، تمهيداً لإجراء أعمال الدراسة والترميم اللازمة لها، وفق بيان الوزارة.

وقال الخبير الآثاري والمتخصص في علم المصريات، أحمد عامر، إن «هذا الاكتشاف الأثري في غرب الدلتا يفتح آفاقاً جديدة لفهم فترة حكم العصور المتأخرة وما تلاها من حقب تعاقبت على الحضارة المصرية القديمة، بل وتعيد قراءة التاريخ المصري القديم من منظور جديد».

من القطع الأثرية المكتشفة (وزارة السياحة والآثار)

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الكشف سوف يضيف لنا علمياً كثيراً عن تلك الحقبة، كما أنه معروف أن الأمفورات كانت تستخدم في عمليات التجارة الخارجية، وكان يوضع بها النبيذ، وأحياناً في نقل السمك المملح، وهذه ليست المرة الأولى في العثور على الأمفورات، حيث كانت متداولة في التجارة الخارجية للدولة المصرية مع اليونان في فترات كثيرة».


للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
TT

للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)

يواجه أحد أقدم أنواع النحل على كوكب الأرض، والمُلقِّح الأساس في غابات الأمازون، تهديدات متزايدة نتيجة إزالة الغابات، والتغيرات المناخية، وتلوث المبيدات، والمنافسة من نحل العسل الأوروبي العدواني.

في خطوة تاريخية، أصبح نحل الأمازون غير اللاسع، أي الذي لا يلسع على عكس نحل العسل الأوروبي «النحل العدواني»، أول الحشرات في العالم التي تُمنح حقوقاً قانونية، تشمل الحق في الوجود، والازدهار، والحماية القانونية في حال التعرض للأذى.

وقد أُقرّت هذه القوانين في بلديتين في بيرو هما: ساتيبو وناوتا، بعد سنوات من البحث وجهود الضغط التي قادتها روزا فاسكيز إسبينوزا، مؤسسة منظمة «أمازون ريسيرتش إنترناشيونال».

يُربي السكان الأصليون هذا النوع من النحل منذ عصور ما قبل كولومبوس، ويُعد مُلقحاً رئيسياً يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة النظم البيئية، إذ يلقح أكثر من 80 في المائة من النباتات، بما في ذلك محاصيل الكاكاو، والقهوة، والأفوكادو. وأظهرت أبحاث إسبينوزا، التي بدأت عام 2020، أن عسل هذا النحل يحتوي على مئات المركبات الطبية المضادة للالتهاب والفيروسات والبكتيريا، كما وثقت المعرفة التقليدية في تربيته وجني عسله.

أفاد السكان الأصليون بتراجع أعداد النحل وصعوبة العثور على الأعشاش، كما كشف التحليل الكيميائي للعسل عن آثار المبيدات حتى في المناطق النائية. وأظهرت الدراسات صلة بين إزالة الغابات وتراجع أعداد النحل، بالإضافة إلى المنافسة المتزايدة من نحل العسل الأفريقي المهجن، الذي بدأ في إزاحة النحل غير اللاسع من موائله الطبيعية منذ القرن الـ20.

وفقاً لكونستانزا برييتو، مديرة قسم شؤون أميركا اللاتينية في «مركز قانون الأرض»، تمثل هذه القوانين نقطة تحوُّل في علاقة البشر بالطبيعة، إذ تعترف بالنحل غير اللاسع بوصفه من الكائنات الحاملة للحقوق وتؤكد أهميته البيئية.

وأوضح زعيم السكان الأصليين آبو سيزار راموس أن القانون يحتفي بالمعرفة التقليدية ويعترف بالدور الحيوي للنحل غير اللاسع في دعم نُظم الأمازون البيئية وثقافات الشعوب الأصلية.

تتطلب هذه القوانين، حسبما ذكرت «الغارديان» البريطانية، استعادة المَواطن البيئية، وتنظيم استخدام المبيدات، واتخاذ تدابير للحد من آثار تغيُّر المناخ، وقد اجتذبت عريضة عالمية مئات الآلاف من التوقيعات، في حين أبدت دول أخرى اهتماماً بتطبيق نموذج بيرو لحماية المُلقِّحات المحلية.


«قصر القطن» بالإسكندرية... لتوديع الظلام واستقبال السائحين

المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

«قصر القطن» بالإسكندرية... لتوديع الظلام واستقبال السائحين

المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

يشكل إعلان الحكومة المصرية على لسان وزير قطاع الأعمال العام المصري المهندس محمد شيمي، عن سعيها للاستحواذ على مبنى قصر القطن في مدينة الإسكندرية المجاور للنصب التذكاري للجندي المجهول طاقة نور لإخراج المبنى من حالة الجمود واستغلاله سياحياً بعد تحويله إلى فندق.

ويعود المبنى لفترة الثمانينات، وأقيم مكان قصر القطن التاريخي زمن السادات، ويعدُّ أكبر منشأة في منطقة المنشية تطل على البحر مباشرة وسط مدينة الإسكندرية، ويتميز «قصر القطن» بطرازه المعماري ما جعله فريداً بين المنشآت والبنايات الموجودة في المنطقة من حيث الارتفاع والضخامة والعناصر الهندسية والمعمارية.

وقال الفنان فتحي بركات، رئيس جمعية الفنانين والكتاب «أتيليه الإسكندرية»، إن مبنى «قصر القطن» كان في البداية مملوكاً لشركة الأقطان الشرقية بالإسكندرية، وكانت هناك محاولة لأن يكون أعلى مبنى في المدينة ليتشكل من 45 طابقاً، لكن لم يتم الموافقة على مخطط بنائه، واقتصر على 22 طابقاً فقط، ومنذ إنشائه زمن السادات في موقع قصر القطن التاريخي لم يُستغل بشكل مثالي. «والآن تشغل جزءاً منه جامعة سنجور الفرنسية، بالإضافة إلى طابقين حكوميين، لكن تظل باقي الأدوار بلا أي نوع من الإشغال، وفق كلام بركات الذي أضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المبنى محاط بمنطقة مزدحمة بالبائعين، منطقة المنشية، ويجاور النصب التذكاري للجندي المجهول وإعادة الحياة له ربما يعيد الهدوء مرة أخرى للمكان، ويضفي طابعاً مختلفاً لها يعيدها للزمن الجميل، وهو يمتلك إمكانات تؤهله للاستغلال الفندقي، حيث يتضمن جراجاً في الدور الأرضي، بالإضافة لإجراء الكثير من التغييرات الداخلية لاستغلال مكوناته، أما عن شكله الخارجي فلا توجد هناك مساحة لأي تغييرات، لأن واجهته زجاجية، ولا يمكن تغييرها».

المبنى المراد تحويله إلى فندق (تصوير: عبد الفتاح فرج)

كان المهندس محمد شيمي، وزير قطاع الأعمال العام، قال خلال لقائه عدداً من الصحافيين بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، الثلاثاء، إن الحكومة المصرية تعمل حالياً على خطة تهدف إلى إعادة إحياء الأصول التاريخية وتعظيم الاستفادة منها، من بينها أحد القصور الأثرية المميزة بمدينة الإسكندرية، وهو «قصر القطن» الواقع بجوار النصب التذكاري، مشيراً إلى أنه من المستهدف تطوير القصر وإعادة تشغيله فندقاً سياحياً متميزاً.

وأضاف شيمي أن المشروع المقترح يتضمن إنشاء فندق بارتفاع 22 طابقاً، يسهم في دعم الطاقة الفندقية بالإسكندرية وتعزيز المنتج السياحي، والحفاظ على الطابع التراثي وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة، ولتحقيق ذلك أجرت الوزارة دراسة استغلال المبنى بوضع تصور شامل لتحقيق الاستغلال الأمثل له، وتحويله إلى مركز استثماري متعدد الاستخدامات الفندقية والإدارية والتجارية، وتسهم في تعظيم العائد منه، وتنشيط ودعم الحركة السياحية والتجارية في الإسكندرية وتوفير فرص عمل إضافية.

من جهته قال الباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان إن «اتجاه مصر لتطوير واستغلال قصر القطن وتحويله إلى فندق سياحي، سيُعيد صياغة المكان، عبر إزالة الكثير من الساحات التي تشوه المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة صارت مزدحمة جداً، فضلاً عن عشوائيتها، لذا سيكون مشروع الفندق بمثابة رئة تعيد ساحة النصب التذكاري ومنطقة المنشية لسماتها السياحية والتراثية التي فقدتها منذ سنين».