فرنسا تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية «ما بعد الحظر»

اجتماعات متلاحقة في الإليزيه لرسم «خريطة طريق»

اجتماع «متباعد اجتماعياً» بين ماكرون وممثلي النقابات في الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
اجتماع «متباعد اجتماعياً» بين ماكرون وممثلي النقابات في الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
TT

فرنسا تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية «ما بعد الحظر»

اجتماع «متباعد اجتماعياً» بين ماكرون وممثلي النقابات في الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
اجتماع «متباعد اجتماعياً» بين ماكرون وممثلي النقابات في الإليزيه أمس (إ.ب.أ)

دخلت فرنسا، أمس، يومها الرابع من خطة الخروج من حالة الحظر في شقها الثاني، الذي أعاد إلى البلاد ما يشبه الحالة الطبيعية بانتظار تاريخ 22 يونيو (حزيران) الحالي، حيث تنطلق المرحلة الثالثة «والأخيرة» للرجوع إلى ما قبل تفشي وباء «كوفيد - 19».
وأبدت الحكومة بشخص رئيسها إدوار فيليب ووزراء آخرين «ارتياحها» للتقدُّم الذي حققته البلاد؛ حيث عادت الدورة الاقتصادية إلى الدوران بشكل تدريجي وفتحت دور العبادة، وعاد تلامذة المدارس جزئياً إلى صفوفهم، واستعادت الدوائر الرسمية أعمالها، ونشط القطاع الخدمي (مطاعم، مقاهٍ، فنادق...)، وسمح بالتوجه إلى الشواطئ والمسابح والمتنزهات، وتوقَّف العمل بمسافة المائة كلم التي كان يصعب على الفرنسي تجاوزها، وعادت القطارات إلى الخدمة، كما عادت الازدحامات إلى الطرق وعلى مداخل المدن الكبرى. وباختصار، فإن الانطباع بعودة المياه إلى مجاريها يغلب على المراقب مع رؤية الزبائن في المقاهي والمطاعم وعلى المواطنين على الأرصفة. لكن يبقى أمران يتعين حسمهما: الأول، إعادة فتح الحدود الداخلية لفرنسا مع جيرانها وعودة حركة النقل الجوي المتوقفة بشكل شبه تام. وبالانتظار، فإن الفرنسيين يضربون أخماساً بأسداس فيما يتعلق بالفرصة الصيفية التي اعتاد الكثيرون على تمضيتها خارج فرنسا. وحتى اليوم، تحث السلطات المواطنين على قضاء عطلهم على الأراضي الفرنسية، واكتشاف غنى وتنوع المناطق والمنتجعات الفرنسية بحراً وجبلاً، والمساهمة في إعادة إنعاش القطاع السياحي والفندقي الداخلي.
ما يدفع السلطات إلى التفاؤل اعتقادها أن البلاد اجتازت «مطبّ» الموجة الثانية من الوباء التي كان التخوف منها كبيراً بعد انطلاق المرحلة الأولى من الخروج من الحجر. فأعداد الوفيات مستمرة في التراجع، وهي باقية تحت سقف المائة في اليوم، مع عدد إجمالي بلغ مساء أول من أمس 29021 وفاة. كذلك، فإن حالات العناية الفائقة تتراجع بدورها يوماً بعد يوم، في حين معدل العدوى وهو مؤشر رئيسي لانتشار المرض هو دون الواحد. ورغم هذه العناصر الإيجابية، فإن الحذر يبقى سيد الموقف، خصوصاً بالنسبة للاستحقاق الانتخابي القادم المتمثل بالدورة الثانية من الانتخابات المحلية التي ستجري مبدئيا في 28 من الشهر الحالي.
بيد أن الخروج التدريجي من جمود الأشهر الثلاثة الأخيرة لا يعني أن الصفحة قد قلبت. وبغض النظر عن الجوانب الطبية والصحية المتعلقة بـ«فيروس كورونا»، ثمة مصدران للقلق الحكومي. الأول، اقتصادي - اجتماعي والثاني سياسي.
فمن الناحية الأولى، تمثل ارتفاع أعداد البطالة التحدي الأكبر الذي تسبب به توقف الدورة الاقتصادية والتسريحات الجماعية التي عمدت إليها ألاف الشركات، رغم الدعم غير المسبوق الذي قدمته وتقدمه السلطات، وأبرز مظاهره تكفلها بدفع رواتب ما لا يقل عن عشرة ملايين موظف وعامل من القطاع. في إطار ما سُمّي «البطالة الجزئية». ففي مايو (أيار) وحده، تضخم سوق البطالة بـ800 ألف وافد إضافي. والمنتظر أن تستمر الأعداد بالارتفاع، ما يعني أن صناديق الرعاية الاجتماعية ستواجه عجوزات مرتفعة للغاية في الوقت الذي سيرتفع فيه عجز الميزانية، بحسب وزارة الاقتصاد إلى 11.4 في المائة.
وبما أن الحكومة فتحت واسعاً باب المساعدات بالمليارات لجميع القطاعات تقريباً (على سبيل المثال: سبعة مليارات لشركة (إير فرانس) وخمسة مليارات لشركة (رينو)، كقروض ومساعدات وضمانات قروض»، فإن قيمة الديون المترتبة على الدولة حققت قفزة لا سابق لها، وهي تتجاوز حالياً نسبة 120 في المائة من الناتج المحلي الداخلي.
ومنذ اليوم، بدأت تسمع أصوات حول الحاجة لفرض ضرائب إضافية. ومنها ما يدعو إلى إعادة فرض الضريبة على الثورة، ما سيؤجج الجدل لشهور طويلة.
أما في الجانب السياسي، فإن للقلق الحكومي عنوانين: الأول، قيام لجنتي تحقيق واحدة في مجلس النواب والأخرى في مجلس الشيوخ. والثاني، عشرات الشكاوى المقدمة ضد رئيس الحكومة وعدد من الوزراء وكبار الموظفين بسبب ما يُعدّ فشلاً في إدارة أزمة الوباء. وتجدر الإشارة إلى أن محاكمة الوزراء ورئيسهم لا يمكن أن تتم إلا أمام محكمة عدل الجمهورية، وذلك بعكس رئيس الجمهورية الذي يتمتع بالحصانة التامة التي يكفلها له الدستور طيلة فترة رئاسته. وستنطلق منتصف الشهر الحالي أعمال اللجنة البرلمانية المشكّلة من ثلاثين عضواً مختلطين ما بين المعارضة والأكثرية، وذلك لستة أشهر، وستكون مهمتها التدقيق في كيفية إدارة الحكومة للأزمة والشوائب التي لحقت بها، والقرارات التي اتُّخِذت والتهيؤ الاستباقي للأزمة ووسائل مواجهة الوباء.
وباختصار، فإن اللجنة التي يحق لها استدعاء من تريد، ستسعى لإلقاء كامل الضوء على المسؤوليات. ويعود بعدها للقضاء المختص أن يفصل بها. والأمر نفسه سيحصل في لجنة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليمين بعكس مجلس النواب الذي تهيمن عليه الأكثرية التي يشكلها نواب «الجمهورية إلى الأمام»، أي نواب الحزب الرئاسي.
هكذا تسير الأمور في فرنسا: ارتياح ممزوج بالقلق، وتعويل على اتفاق أوروبي يفتح الباب أمام حصول فرنسا على مساعدات وقروض يمكن أن تصل إلى أربعين مليار يورو. وفي الوقت عينه، يحضر الرئيس ماكرون لمرحلة «ما بعد الحظر». وهو لذلك عقد اجتماعاً أول من أمس مع رئيسي مجلس الشيوخ والنواب، وأمس مع قادة النقابات وممثلي أرباب العمل والهيئات الإاقتصادية بحضور رئيس الحكومة، مع التركيز على كيفية المحافظة على فرص العمل والحد من التسريح. وتعد فرنسا اليوم ستة ملايين عاطل عن العمل، ويضاف إليهم ثمانية ملايين يعانون من البطالة الجزئية.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.