توفيق سلطان: محسن إبراهيم رفض ارتهان حزبه للخارج بعد الحرب

ياسر عرفات وكمال جنبلاط في أحد اجتماعات «الحركة الوطنية» ويبدو محسن إبراهيم إلى يمين جنبلاط وتوفيق سلطان (إلى يسار عرفات)
ياسر عرفات وكمال جنبلاط في أحد اجتماعات «الحركة الوطنية» ويبدو محسن إبراهيم إلى يمين جنبلاط وتوفيق سلطان (إلى يسار عرفات)
TT

توفيق سلطان: محسن إبراهيم رفض ارتهان حزبه للخارج بعد الحرب

ياسر عرفات وكمال جنبلاط في أحد اجتماعات «الحركة الوطنية» ويبدو محسن إبراهيم إلى يمين جنبلاط وتوفيق سلطان (إلى يسار عرفات)
ياسر عرفات وكمال جنبلاط في أحد اجتماعات «الحركة الوطنية» ويبدو محسن إبراهيم إلى يمين جنبلاط وتوفيق سلطان (إلى يسار عرفات)

رحل أمين عام «منظمة العمل الشيوعي»، محسن إبراهيم، بعد سنوات من الصمت السياسي الذي اختاره لنفسه، رفضا لواقع لم يكن يتلاءم مع تطلعاته وأفكاره، التي لطالما حارب بها مشروعات الطوائف والمذاهب، ولم تنفصل يوماً عن القضية العربية، والفلسطينية تحديداً.
هو اليساري «المتطرّف»، وأحد أبرز قادة «الجبهة الوطنية اللبنانية»، الذي وقَّع مع أمين عام الحزب الشيوعي الراحل جورج حاوي نداء «إلى السلاح دفاعاً عن كل لبنان» في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
يصفه توفيق سلطان، أحد أبرز أصدقائه والقيادي السابق في «الحركة الوطنية» بـ«الشجاع الذي كان (مشروع شهيد دائماً)»، في حين اعتبر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أنه «إذا كان للمقاومة الوطنية اللبنانية المسلحة بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان في العقدين الأخيرين من القرن الماضي من رعاة، فإنّ محسن إبراهيم كان واحداً منهم».
يتذكّر سلطان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» علاقته بإبراهيم التي بدأت منذ أكثر من 50 عاماً في ستينات القرن الماضي، في عزّ نشأة «حركة القوميين العرب»، وقبيل إطلاق «منظمة العمل الشيوعي»؛ حيث بدأت العلاقة تتوطّد انطلاقاً من النشاط والمبادئ المشتركة التي تربطهما. وفي بداية الستينات كان منزل سلطان محطة للقاء جمع ممثلين عن حركة القوميين، بينهم إبراهيم، وحزب البعث لتتكثف اللقاءات والنشاطات السياسية المشتركة، مروراً بما سُمّي عام 1967 بـ«مؤتمر الأحزاب والقوى التقدمية في الشمال»، الذي عُقِد بمباركة ودعم من رئيس «الاشتراكي» آنذاك، كمال جنبلاط. وبعد ذلك خاضا المسيرة معاً، استكملت في «الحركة الوطنية»، التي كان إبراهيم أميناً تنفيذياً لها وسلطان نائب رئيسها، إلى أن شغل إبراهيم منصب أمين عام منظمة العمل الشيوعي حتى رحيله.
ويلفت سلطان إلى علاقة إبراهيم الوطيدة مع الراحل كمال جنبلاط، الذي كان أحد أكثر المقربين منه خلال تأسيس «الحركة الوطنية» لدعم نضال الشعب الفلسطيني، ومن ثم تولي منصب الأمين العام التنفيذي لها بعد اغتيال جنبلاط، واصفاً إياه بـ«الـسباق إلى المقاومة».
ويرى سلطان أن الحرب اللبنانية التي بدأت عام 1975 أضاعت كثيراً من الجهود التي بُذلت قبل ذلك، وشكّلت خيبة أمل لإبراهيم وأمثاله، وهي التي أدت به شيئاً فشيئاً «إلى التراجع والانكفاء على أن يرهن تنظيمه السياسي للخارج»، بقوله: «لا أريد أن أشحذ لحزبي».
ويشير سلطان إلى أن نشاط إبراهيم الذي كان يحظى بثقة كبيرة من كمال جنبلاط، وساهما معاً في بناء علاقات وثيقة بالقيادات الفلسطينية، وأبرزهم الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومن ثم محمود عباس: «لكنه كان في المقابل، مشروع شهيد دائماً من الأقربين والأبعدين».
وفي نعيه لمحسن إبراهيم وصفه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بـ«المناضل اللبناني والعربي والأممي الكبير... خير صديق وخير حليف لكمال جنبلاط. إلى يوم الوفاء».
وقالت «منظمة العمل الشيوعي»: «راهن إبراهيم على معركة مع العدو الصهيوني معولاً على مسارات تتجاوز انقسامات الحرب وخنادقها التقسيمية، بعد أن رأى في استمرار النزاع الأهلي حرباً عبثية لن تقدم سوى مزيد من تفكيك وحدة الأرض والشعب وتدمير مقوماته. ومع توقيع اتفاق الطائف عكف محسن إبراهيم على نقد تجربة الحركة الوطنية واليسار في الفكر والممارسة، وانكفأ نحو الداخل التنظيمي عاملا بجهد فكري قل نظيره على تشريح تجربة اليسار اللبناني والعربي منذ الخمسينات وحتى اليوم».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.