تعثر مفاوضات «سد النهضة» ينعش الحديث عن «خيارات أخرى»

جوبا نفت معلومات بشأن إقامة قاعدة عسكرية مصرية على أراضيها

من أعمال بناء «سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
من أعمال بناء «سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

تعثر مفاوضات «سد النهضة» ينعش الحديث عن «خيارات أخرى»

من أعمال بناء «سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
من أعمال بناء «سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)

أنعش انسداد الأفق الذي يواجه المسار التفاوضي الخاص بنزاع «سد النهضة» الإثيوبي، الحديث مجدداً عن «خيارات أخرى»، بينها احتمالية نشوب مواجهة عسكرية، رغم رفض مصر «رسميا» الحديث عن ذلك الخيار، والتأكيد على انتهاجها جميع السبل السلمية لحل النزاع.
وخلال الساعات الماضية، تم تداول أنباء، تفيد بأن حكومة دولة جنوب السودان، وافقت على طلب مصري لإقامة قاعدة عسكرية في مدينة «باجاك»، قرب حدودها مع إثيوبيا. لكن وزارة الشؤون الخارجية في جوبا نفت ذلك، مؤكدة في بيان، نقلته وكالة الأنباء الألمانية، أنها «لا أساس لها من الصحة... وادعاء زائف ودعاية يطلقها أعداء السلام في البلاد من أجل الإساءة لعلاقات جنوب السودان مع دول الجوار والمنطقة برمتها». ووصفت حكومة جنوب السودان كلا من مصر وإثيوبيا، بأنهما «صديقان مقربان لجنوب السودان». فيما لم يرد تعليق رسمي مصري حتى الآن.
وتصاعد النزاع بين مصر وإثيوبيا، عقب انسحاب الأخيرة من اجتماع في واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الماضي، كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي. أعقبه مباشرة إعلان إثيوبيا بدء تخزين 4.9 مليار متر مكعب في بحيرة السد، في يوليو (تموز) المقبل، ودون الاتفاق مع مصر أو السودان.
والشهر الماضي تبادلت الدولتان إرسال الرسائل إلى مجلس الأمن الدولي، اتهم فيها كل طرف الآخر بالسعي للجور على حقوقه. قبل أن يعلنا - بمبادرة سودانية - استعدادهما لاستئناف المفاوضات في وقت لاحق لم يحدد بعد. وبحسب اللواء طارق المهدي، العضو الأسبق بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، فإن لكل دولة طريقتها في التعامل مع الأزمة «جزء معلن وآخر غير معلن... لكن في النهاية لا يمكن الحديث عن أي خيارات بهذه الصورة».
وأضاف المهدي لـ«الشرق الأوسط»: «الدولة هي من تتحدث عن خياراتها وفق تصريحات رسمية واضحة... ولا يمكن البناء على مجرد أخبار مضروبة، تستهدف مجرد الشو الإعلامي».
وبين القاهرة وجوبا تعاون واسع في المجالات كافة، حيث أخذت مصر على عاتقها دعم الدولة الوليدة منذ استقلالها عن السودان، ووفق السفير أشرف حربي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» فإن «التعاون العسكري بين مصر وجنوب السودان يأتي ضمن اتفاقيات تعاون واسعة تضم تعاونا تجاريا واقتصاديا لدعم بناء مؤسسات الحكومة في جوبا، وهو تعاون معلن».
ووفق الخبر - الذي جرى نفيه لاحقا - فإن «مصدرا عسكريا ذكر لتلفزيون جوبا أن حكومة جنوب السودان وافقت على طلب مصر بناء قاعدة عسكرية في منطقة باجاك ستضم نحو 250 جنديا مصريا». لكن حربي استبعد أن تسعى مصر لبناء قاعة عسكرية في جنوب السودان لتوجيه ضربة عسكرية لسد النهضة، مؤكدا أنه لو «كان هذا الخيار أمرا حتميا، فإن الأمر لا يحتاج لقاعدة معلنة، بل يكفي مجرد تسهيلات عسكرية ولوجيستية، تكون كافية لإتمام المهمة». وأضاف «لو أرادت مصر بناء قاعدة لضرب إثيوبيا كانت قامت بها منذ فترة وليس في ذلك التوقيت».
ونوه الدبلوماسي المصري إلى أن «هناك تعاونا مصريا لدعم الأمن في جنوب السودان، كما يوجد في دول أفريقية أخرى، فالأمر ليس مرتبطا بسد النهضة».
وحمل حربي، مسؤولية نشر تلك الأنباء «غير الموثقة»، لـ«الوضع المتأزم تجاه الحل السياسي، والإعلان الإثيوبي عن قرب ملء الخزان في يوليو المقبل، ما أثار التكهنات حول الحرب».
ويعد الخيار العسكري أمرا مستبعدا في الوقت الراهن بالنسبة إلى مصر، وفق السفير حربي، الذي أكد أن «مصر تسير حاليا وفق خطوات قانونية وتفاوضية منها شكوى مجلس الأمن، والإعلان عن استعدادها لخوض المفاوضات، بما يعني أن المسار السياسي مستمر ولم يتوقف، والطريق السلمي ما زال متاحا».
ويبحث السودان، حاليا مع مصر وإثيوبيا، ترتيب استئناف المفاوضات، وفق بيان لوزارة الري السودانية، حيث أجرى الوزير السوداني، ياسر عباس أول من أمس، اجتماعاته عن بُعد مع نظيره المصري محمد عبد العاطي، والإثيوبي سيليشي بيكيلي، كل على حدة، للترتيب لاستئناف المفاوضات الثلاثية، ووضع تصور للقضايا العالقة المتبقية من مفاوضات واشنطن.
وتتخوف مصر من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار. في المقابل تقول إثيوبيا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الطاقة الكهربائية.
وقبل أيام دعمت رسالة سودانية إلى مجلس الأمن، موقف مصر في مواجهة إثيوبيا، حيث طالبت بـ«تشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي».
وتروج إثيوبيا لاحتمالية تعرضها لضربة عسكرية مصرية بـ«هدف انتزاع تعاطف لقضيتها»، وفق مراقبين. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحدث رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن «استعداد بلاده لحشد الملايين للدفاع عن السد في مواجهة أي حرب»، الأمر الذي أغضب القاهرة، فاضطر لتقديم توضيح يؤكد أن «حديثه فهم على وجه خاطئ». يقول السفير محمد مرسي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إنه «يتعجب من خوف الإثيوبيين من إمكانية الرد العسكري المصري، الذي لم تلوح به مصر الرسمية ولا تفضله حتى الآن». وتساءل مرسي، في تدوينة له، «لم يترجم هذا الخوف إلى مرونة واحترام لحقوق الآخرين دون استعلاء أو غطرسة؟ إلا إذا كان الهدف من إظهار هذا الخوف هو الإساءة لمصر أفريقيا ودوليا والظهور بمظهر يخالف حقيقتهم».
وانتهت عملية بناء السد الإثيوبي بنسبة 73 في المائة. ويشير مرسي إلى أن «عدم التهديد بالحرب (من جانب مصر) لا يعني عدم الاستعداد لهذا الخيار إذا ما أجبرت عليه»، حيث لن «تقف مكتوفة الأيدي تتضور جوعا وعطشا في انتظار رحمة الله موتا أو حفنة ماء من الإثيوبيين صدقة أو بثمن»، على حد وصفه.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.