تقارب بين الحكومة الفنزويلية ومعارضيها

واشنطن وبروكسل بصدد طرح مبادرة للخروج من الأزمة

غوايدو قال إن القسم الأكبر من المساعدات سيأتي من حسابات مجمدة للدولة الفنزويلية في الخارج (أ.ف.ب)
غوايدو قال إن القسم الأكبر من المساعدات سيأتي من حسابات مجمدة للدولة الفنزويلية في الخارج (أ.ف.ب)
TT

تقارب بين الحكومة الفنزويلية ومعارضيها

غوايدو قال إن القسم الأكبر من المساعدات سيأتي من حسابات مجمدة للدولة الفنزويلية في الخارج (أ.ف.ب)
غوايدو قال إن القسم الأكبر من المساعدات سيأتي من حسابات مجمدة للدولة الفنزويلية في الخارج (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة المفتوحة بين المعارضة الفنزويلية ونظام نيكولاس مادورو، توصّل الطرفان أمس إلى اتفاق لتنظيم إجراءات مكافحة فيروس كورونا واحتوائه بعد أن صار يهدّد بكارثة صحية تضاف إلى الأزمة المعيشية الطاحنة التي تعيشها البلاد منذ سنوات. وينص الاتفاق الذي وقّعته حكومة مادورو مع المعارضة التي يتزعمها خوان غوايدو الذي اعترفت به أكثر من 60 دولة رئيساً شرعياً لفنزويلا على أن تتولّى منظمة الصحة للبلدان الأميركية إدارة المساعدات المالية والطبية والإنسانية لمواجهة جائحة «كوفيد – 19» التي بدأ انتشارها يسجّل معدلات مرتفعة مؤخراً في عدد من بلدان أميركا اللاتينية.
ولدى إعلانه عن الاتفاق الذي وصفه بالخبر السّار، قال وزير الإعلام الفنزويلي خورخي رودريغيز، إنه خطوة نحو التقارب بين حكومة مادورو وقطاع من المعارضة المناهضة للنظام. وقد وقّع الاتفاق عن المعارضة الطبيب الاختصاصي بعلم الوبائيات خوليو كاسترو، الذي كان غوايدو قد عيّنه مستشاراً للشؤون الصحية في البرلمان.
ويتعهد الطرفان بموجب الاتفاق العمل بالتنسيق مع منظمة الصحة للبلدان الأميركية للحصول على مساعدات مالية من أجل تعزيز القدرات الفنزويلية لمواجهة الأزمة الصحية الناجمة عن الوباء، خاصة أن النظام الصحي الفنزويلي الذي كان يعتبر من أفضل النظم في أميركا اللاتينية منذ سنوات يعاني اليوم من وضع كارثي كغيره من القطاعات الأخرى في البلاد بسبب من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي وضعت البلاد في أخطر أزمة إنسانية تواجه المنطقة منذ عقود.
وكانت الحكومة المؤقتة التي يرأسها غوايدو قد أفادت بأن الاتفاق يتيح للمنظمة تلقّي المساعدات وتوزيعها على أنشطة مكافحة الوباء، خاصة لشراء معدات الوقاية للطواقم الصحية وتعزيز القدرات التشخيصية والعلاجية في المراكز الصحية. وقال غوايدو، إن القسم الأكبر من هذه المساعدات المالية سيأتي من حسابات الدولة الفنزويلية في الخارج، التي جمّدتها دول مثل الولايات المتحدة ومنعت نظام مادورو من التصرّف بها لعدم اعترافها بشرعيته. وأضاف غوايدو «بعد أشهر من الكفاح تمكّنا من التوصل إلى اتفاق يتيح لمنظمة الصحة للبلدان الأميركية أن تتسلّم الموارد المالية المخصصة للمساعدات الإنسانية والصحية».
ولم يمرّ الإعلان عن الاتفاق من دون إثارة جدل سياسي، حيث إن حكومة مادورو لا تعترف بشرعية رئاسة خوان غوايدو للبرلمان، رغم أنه يحظى بدعم الغالبية الساحقة من أعضائه، لكن وزير الإعلام شدّد على أن توقيع المستشار المعيّن من طرف غوايدو يعتدّ به قانونياً؛ لأنه يمثّل الأحزاب الأربعة الرئيسية في المعارضة. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي كان قد عقد مؤخراً، بالتعاون مع إسبانيا، مؤتمراً للمانحين من أجل مساعدة اللاجئين الفنزويليين في البلدان المجاورة على مواجهة وباء فيروس كورونا، حيث تواجه الأنظمة الصحية في هذه البلدان صعوبات للعناية بمواطنيها.
وقد تعهدت الدول المشاركة في المؤتمر تقديم مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار للاهتمام باللاجئين الفنزويليين الذين يزيد عددهم على 5 ملايين، ويخشى أن يزداد إلى 7 ملايين إذا تفاقم الوضع الصحي حسب تقديرات مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وكانت الولايات المتحدة الجهة الأكثر سخاءً في ذلك المؤتمر، حيث تبرّعت بمبلغ 200 مليون دولار، في حين أكدت مصادر دبلوماسية أوروبية، أن واشنطن وبروكسل تقتربان من طرح مبادرة مشتركة للخروج من الطريق المسدودة التي وصلت إليها الأزمة الفنزويلية.
وتقول المصادر، إن المبادرة تقوم على اقتراح بتشكيل حكومة وحدة وطنية، من غير مشاركة مادورو وغوايدو، تتولّى التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف إقليمي ودولي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟