بينما تجاهل «المرشد» علي خامنئي التعليق على إعلان مقتل 230 إيرانياً في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، اغتنم فرصة الاحتجاجات الأميركية، لتوجيه انتقادات حادة للخصم التقليدي؛ الولايات المتحدة على تعاملها مع المحتجين.
وخطفت الاحتجاجات الأميركية، بعد مقتل المواطن الأميركي جورج فلويد، جزءاً كبيراً من كلمة متلفزة لخامنئي، أمس، بمناسبة ذكرى وفاة «المرشد» الأول (الخميني): «يقتلون الناس وألسنتهم طويلة. ويزعمون الدفاع عن حقوق الإنسان. ذلك الرجل الأسود الذي قتل؛ أليست لديه حقوق إنسان؟».
وقال خامنئي إن «ما يحدث بالمدن الأميركية، يظهر واقعاً لا يرى، وهو ليس جديداً. هذا هو الوحل في قاع الحوض يطفو».
ونقلت «رويترز» عن خامنئي قوله: «ما يتكشف اليوم هو الطبيعة والسمة الحقيقية للحكومة الأميركية»، وأضاف: «تتصرف الحكومة الأميركية بأسوأ طريق ممكنة مع شعبها. لشعب الولايات المتحدة كل الحق في أن يشعر بالخزي والعار من حكوماته، خصوصاً الحالية».
وجاء خطاب خامنئي في توقيت حساس على المستوى الداخلي؛ إذ يتزامن مع إعلان أول إحصائية شبه رسمية لعدد قتلى وجرحى آخر موجة احتجاجات شهدتها إيران في منتصف نوفمبر الماضي، عقب قرار مفاجئ للحكومة برفع أسعار البنزين.
ولمح وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، السبت، إلى مقتل 225 شخصاً في الاحتجاجات. والاثنين، قال الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، مجتبى ذو النور، إن 230 شخصاً قتلوا وألفين جرحوا خلال الاحتجاجات. كما كشف عن قائمة من الخسائر المادية التي لحقت بمملكات الدولة والأموال العامة.
وكانت وكالة «رويترز» قد أفادت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نقلاً عن 3 مسؤولين إيرانيين، بأن خامنئي وجّه أوامر صارمة بإخماد الاحتجاجات، وهو ما أدى إلى مقتل 1500 شخص.
ودون أن يعلق خامنئي على خروج أول إحصائية من احتجاجات إيران للعلن، استند إلى فيديو متداول لأحد المحتجين الأميركيين يقول فيه: «لا يمكنني أن أتنفس»، وعدّها الجملة معبرة عن «الذين كانوا ضحايا السياسة الأميركية في العالم».
والشهر الماضي، طالبت منظمة العفو الدولية بتحقيق أممي في مقتل 304 وثقتهم بالأسماء، واتهمت القوات الأمنية الإيرانية باستخدام القوة المميتة.
ورغم ذلك، فإن الاحتجاجات الأميركية أثارت اهتماماً واسعاً في وسائل الإعلام الإيرانية، خصوصاً في وكالات «الحرس الثوري» والتلفزيون الرسمي.
من جانب آخر، حذر خامنئي من «تراجع الثورة»، مجدداً مواقف سابقة في سياق خطة أعلنها في فبراير (شباط) العام الماضي، تحت عنوان «الخطوة الثانية لـ(الثورة)»، وترسم الخطوط العريضة للعقود الأربعة المقبلة من عمر النظام. وشدد خامنئي على ضرورة الاعتماد على الشباب، وقال: «نعتقد أنه يجب أن نعتمد على قوة الشباب، وهذه ثروة، لكن في الوقت نفسه يجب أن نستفيد من تجارب غير الشباب».
ويميل كثيرون إلى أن إصرار خامنئي على «الشباب» مقدمة لتغيرات جذرية قد تشهدها المؤسسة الحاكمة، وقد تشمل انتخاب خليفته لمنصب «المرشد الثالث». وقال خامنئي في خطاب منتصف الشهر الماضي إن «علاج مشكلات البلاد بحكومة فتية وحزب اللهية» على حد تعبيره.
وتعززت هذه التكهنات بعد منح الأفضلية للمرشحين المحافظين في عملية النظر بطلبات الترشح للانتخابات البرلمانية، وذلك في وقت تتجه فيه إيران العام المقبل لانتخابات رئاسية، لم يتأكد بعد إجراؤها في ظل دعوات لتغيير النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني، لتسمية رئيس للوزراء.
ودافع خامنئي ضمنياً عن سجله على مدى 3 عقود من توليه منصب ولاية الفقيه، قائلاً: «إيران لم تفقد روح التغيير، وأصبحنا أقوى في بعض الحالات، واليوم نحن في حركة علمية في العالم أو في قدرات دفاعية قريبة من الردع». وذهب أبعد من ذلك عندما وصف بلاده على الصعيد السياسي بأنها «أظهرت وجهاً فريداً للعالم».
ومع رفض الخلط بين التغيير و«الاضمحلال الفكري»، وجه انتقادات لاذعة لموجة التحديث التي شهدتها إيران في الجزء الأول من القرن الماضي، في زمن النظام البهلوي، وقال: «لم يكن تغييراً؛ إنما سلب الهوية الدينية والوطنية والتاريخية للأمة الإيرانية».
كما جدد تحفظاته على العلوم الإنسانية وفق المناهج الغربية، عندما قال في هذا الصدد: «عندما لا يمكن أن نقول شيئاً يعارض العالم الغربي في مجال العلوم الإنسانية، فهذا يعني تعطيل الفكر»، ورفض الخلط بين الأمور السطحية والجاهزة وبين التغيير.
انطلاقاً من ذلك، أشار خامنئي إلى حاجة بلاده للتغيير في الاقتصاد والتعليم والأسرة. في الاقتصاد؛ دعا إلى ضرورة قطع الحبل السري بين اقتصاد البلاد والنفط. وحضّ البرلمان والحكومة على تنظيم الموازنة بطريقة عملية. وترك الباب مفتوحاً لانتقاد الحكومة.
وتأتي دعوة خامنئي في أعقاب جلسة ساخنة في ثاني جلسة للبرلمان يرأسها المحافظ محمد باقر قاليباف، واستدعى فيها البرلمان محافظ البنك المركزي، عبد الناصر همتي، ومحمد باقر نوبخت مساعد الرئيس الإيراني لشؤون الموازنة والتخطيط.
وبهذا دعم خامنئي الخطوة الأولى من البرلمان الجديد باتجاه الضغط الحكومة في تعديل السياسة الاقتصادية، رغم أنه حرص على التمييز بين التغيير والاحتجاج.
أما عن مجال التعليم؛ فطلب خامنئي أن يكون التغيير «أكثر عمقاً وعملياً». وفيما يخص قضايا الأسرة، لفت «المرشد» إلى إحصائية جديدة عن اقتراب إيران من الشيخوخة، قائلاً: «هذا ليس مناسباً».
ورهن خامنئي التغيير بـ«عدم الخوف من الأعداء»، وقال: «يوجد معارضون مقابل أي خطوة إيجابية. على سبيل المثال؛ بعض المعارضة الحادة والمؤذية أو الجبهة الواسعة للعدو الخارجي في الإنترنت، تواجه أي حركة في صالح البلاد، وتتعرض للضرب من إمبراطورية الدعاية التابعة للصهاينة، لكن يجب ألا نعير ذلك اهتماماً عندما نقوم بعمل محسوب».
خامنئي ينتقد تعامل واشنطن مع الاحتجاجات
دعا إلى {قطع الحبل السُّري} بين الاقتصاد والنفط والتغيير في التعليم والأسرة
خامنئي ينتقد تعامل واشنطن مع الاحتجاجات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة