في الوقت الذي ارتفعت فيه التوقعات بشأن تعافي الاقتصاد الأميركي، بعد بدء الرفع التدريجي لقيود الإغلاق، جاءت الاضطرابات المدنية التي اجتاحت معظم الولايات والمدن الأميركية، لتلقي بظلالها على مستقبل أكبر اقتصاد في العالم. ومن المتوقع أن تترك الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في ولاية مينيسوتا، وانتقلت لولايات أخرى في غضون ساعات، آثاراً مدمرة على الاقتصاد الأميركي الذي لم يكد يبدأ تعافيه من ويلات فيروس «كورونا».
وتسببت الاحتجاجات في تأجيل إعادة فتح الأعمال في كثير من المدن الأميركية، حيث جرى فرض حظر التجوال، وغلق بعض الشوارع الرئيسية، وتقييد حرية الحركة في بعض الأماكن. وبعدما كان يتأهب أصحاب الأعمال لإعادة فتح أعمالهم في الولايات، بدأ الحذر والحيطة يسيطران عليهم خشية أن تتعرض ممتلكاتهم للسلب والنهب.
وليس معلوماً حتى الآن حجم الخسائر الاقتصادية لهذه الاحتجاجات، ولكنها بطبيعة الحال سوف تتوقف على مدى استمرار المظاهرات وتطور الأحداث، وطريقة تعامل الشرطة الأميركية لإخمادها. وبصرف النظر عن العواقب الاقتصادية لأعمال الشغب التي شهدتها بعض المدن، فإن هذه الانتفاضة ضد عدم المساواة في المجتمع الأميركي ستخلق شكلاً جديداً للاقتصاد، تنكمش فيه الفجوة بين المواطنين البيض والأميركيين من أصول أفريقية.
ويرى كثير من الاقتصاديين أن السنوات الماضية كانت فرصة ضائعة بالنسبة للأميركيين من أصول أفريقية، حيث لا تزال الأسر الأميركية الأفريقية تحصل بشكل غير متناسب على أجور متدنية، مقارنة بالأميركيين من أصول أوروبية. كما أن معظم الأميركيين السود غير قادرين على تقلد بعض الوظائف الرفيعة، سواء في القطاع الخاص أو الحكومة. يأتي هذا على رأس المخاوف المتوطنة بشأن عدم الحصول على رعاية صحية جيدة، والسكن، وتدني الخدمات التعليمية، في المناطق التي تقطنها أغلبية سوداء.
وفي عام 2018، كان متوسط دخل الأسرة السوداء نحو 41 ألف دولار، بعد أن نما بنسبة 3.4 في المائة على مدى العقد السابق. هذا بالمقارنة مع متوسط دخل قدره 70.642 ألف دولار للعائلات البيضاء في العام نفسه، والذي نما بنسبة 8.8 في المائة منذ أزمة عام 2008، وفقاً لأحدث بيانات مكتب الإحصاء الأميركي.
كما أن صافي الثروة للأسرة البيضاء يعادل 10 أضعاف ما تمتلكه الأسرة السوداء. وبلغ متوسط صافي الثروة لأسرة سوداء نموذجية نحو 17.15 ألف دولار في عام 2016، في حين أن الرقم المقابل لعائلة بيضاء كان أكبر بـ10 مرات عند 171 ألف دولار، وهو مؤشر قوي على عدم تكافؤ الفرص في المجتمع الأميركي، وفقاً لتقرير جرى نشره في فبراير (شباط) الماضي من قبل «معهد بروكينغز»، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن.
من ناحية أخرى، كشف تقرير للكونغرس الأميركي عن أن التكلفة الاقتصادية لجائحة الفيروس التاجي، الذي ضرب الولايات المتحدة قبل شهرين، تصل إلى 16 تريليون دولار، وستمتد آثارها لمدة تصل إلى عقد من الزمن. وتوقع التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي، الذي تقلص بنسبة 5 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، سينخفض بنسبة 38 في المائة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران)، وهو أكبر انخفاض فصلي على الإطلاق.
وأضاف التقرير أنه خلال الفترة من 2020 إلى 2030 سيفقد الناتج المحلي الإجمالي الأميركي نحو 15.7 تريليون دولار. وقد تسببت عمليات الإغلاق في انخفاض حاد في الإنفاق الاستهلاكي للمواطنين الأميركيين، وهو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، كما فقد أكثر من 42 مليون عامل وظائفهم منذ بدء عمليات الإغلاق.
الاضطرابات الداخلية تزيد معاناة الاقتصاد الأميركي
كلفة «كورونا» ستصل إلى 16 تريليون دولار
الاضطرابات الداخلية تزيد معاناة الاقتصاد الأميركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة