«سد النهضة»: رسالة سودانية إلى مجلس الأمن تدعم الموقف المصري

«كورونا» يعصف بمساعي إثيوبيا لجمع مزيد من التبرعات للمشروع

TT

«سد النهضة»: رسالة سودانية إلى مجلس الأمن تدعم الموقف المصري

دعمت رسالة سودانية إلى مجلس الأمن، موقف مصر في مواجهة إثيوبيا، بشأن تطورات نزاع «سد النهضة» الإثيوبي، بحسب مصادر مصرية مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط». وتضمنت الرسالة، التي نشرتها وزارة الخارجية السودانية، أمس، شرحا لموقف السودان.
وطالبت الرسالة بـ«تشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى دعم جهود السودان الهادفة لاستئناف التفاوض بحسن نية، وصولاً لاتفاق شامل ومرضٍ لكل الأطراف».
وقال طارق رضوان، رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بالبرلمان المصري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «السودان أدرك سوء نية الطرف الإثيوبي، ولذلك قرر الوقوف في مواجهة تلك المماطلات، ودعم موقف مصر بوضع حد لتهرب إثيوبيا من توقيع اتفاق شامل وعادل يضمن حقوق كافة الأطراف».
ورفض السودان قبل أسابيع طلبا إثيوبيا بتوقيع اتفاق جزئي لملء السد في يوليو (تموز) المقبل، وهو ما اعتبره رضوان «أمرا طبيعيا، حيث لا يمكن قبول اتفاق جزئي بعد مرور تسع سنوات من المفاوضات حول القضية».
ولفت رضوان إلى عدم التزام إثيوبيا بمراعاة مصالح مصر والسودان المائية، ونقضها لاتفاق «إعلان المبادئ» الموقع في مارس (آذار) 2015؛ حيث كان الاتفاق كاملا وشمل دراسة تداعيات السد على دول المصب، والتعويضات ونظام تخزين المياه والتشغيل والتعامل مع سنوات الجفاف.
وانطوت الرسالة السودانية، المرسلة لرئيس مجلس الأمن، على تفاصيل للمبادرة التي تبناها السودان مؤخراً وتمثلت في الاتصالات التي أجراها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، مع نظيريه في مصر وإثيوبيا، وتوجت بالموافقة على استئناف المفاوضات على مستوى وزراء الري.
ويعد تحرك الخرطوم إلى مجلس الأمن موقفا قويا وإيجابيا ومهما من الحكومة السودانية، خاصة التحذير من «أي تصرف أحادي قد يؤدي إلى تهديد السلم والأمن»، كما يرى الدكتور هاني رسلان، الخبير في الشأن السوداني.
وشدد رسلان على أن «الموقف السوداني كان قد أعلن من قبل، لكن تضمينه في رسالة إلى مجلس الأمن يعد تأكيدا حازما، الأمر الذي قد يدعو إثيوبيا للتروي قبل اتخاذ هذه الخطوة التي لا شك أنها سوف تضع منطقة حوض النيل الشرقي أمام تصعيد خطير، قد لا تحمد عقباه».
والشهر الماضي تبادلت القاهرة وأديس أبابا الرسائل إلى مجلس الأمن الدولي لوضع حل للنزاع حيال السد، الذي تبنيه الأخيرة على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، وتقول القاهرة إنه يهدد بخصم جزء كبير من حصتها في المياه.
وجاءت الرسائل بعدما تجمدت المفاوضات الثلاثية، عقب انسحاب إثيوبيا من اجتماع في واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الماضي، كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي. أعقبه مباشرة إعلان إثيوبيا بدء تخزين 4.9 مليار متر مكعب في بحيرة السد، في يوليو المقبل.
وبعد ضغط دولي، شمل مطالبات للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، بضرورة التوصل لحل سلمي، اتفقت الدول الثلاث، قبل نحو أسبوع، على العودة لطاولة المفاوضات.
في غضون ذلك، تواجه الحكومة الإثيوبية صعوبات في جمع المزيد من التبرعات لاستكمال تشييد «سد النهضة»، الذي تبنيه منذ عام 2011، بسبب جائحة «كورونا المستجد»، التي تضرب العالم. ويقول «مكتب المجلس الوطني» الإثيوبي، المعني بتنسيق المشاركة العامة للسد، إن الجائحة «تسببت في اختناق الجهود الجارية».
وانتهت عملية بناء السد الإثيوبي بنسبة 73 في المائة، وتقول إثيوبيا إنه سيكون أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا. غير أنه يواجه بتحفظات مصرية وسودانية، بشأن الأضرار المتوقعة لعملية الملء والتشغيل، على حصتيهما في مياه نهر النيل، فضلا عن تأثيرات بيئية واجتماعية أخرى.
ويقام المشروع بالقرب من الحدود السودانية، وتعده أديس أبابا «حيويا» من أجل نموها الاقتصادي ومداد مواطنيها بالكهرباء، حيث تعاني آلاف القرى الإثيوبية من صعوبات للحصول على الكهرباء، بحسب تصريحات رسمية.
وصرح «مكتب المجلس الوطني» الحكومي أمس أنه «جمع 605 ملايين بر إثيوبي خلال الأشهر الماضية من المجتمع»، لدعم المشروع. (34.17 بر إثيوبي يعادل دولارا أميركيا).
وأشار المكتب إلى أنه «تم تأمين الدعم المالي من المجتمع من خلال شراء السندات و8100 من خدمة الرسائل القصيرة».
ومن إجمالي الدعم المالي الذي تم جمعه، تم جمع 79 مليون بر خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، 2020، وفقا للمكتب.
وكشف المكتب عن أنه يعمل في الوقت الراهن، على جمع 1.2 مليار بر حتى نهاية السنة المالية الحالية، غير أن جائحة فيروس «كورونا» تسبب في «اختناق الجهود الجارية».
وأشار مكتب التنسيق العام إلى أن الإثيوبيين ساهموا بأكثر من 13 مليار بر في بناء سد النهضة.
وسجلت إثيوبيا، مساء أول من أمس، أعلى معدلات الإصابة بفيروس «كورونا» (COVID-19) في الأسبوعين الماضيين.
وبحسب اللجنة الوزارية المشكلة لمنع انتشار الفيروس والسيطرة عليه، فقد ارتفع معدل الإصابات الجديدة بنسبة 310 في المائة خلال الـ 15 يوما الماضية.
وقالت منسقة اللجنة ووزيرة السلام، مفرحات كامل، إن 286 شخصا أظهروا نتائج إيجابية من بين 53600 عينة تم أخذها في الشهرين الأولين وأربعة أيام. لكن نسبة الإصابات الجديدة ارتفعت بنسبة 310 في المائة إلى 886 من أصل 55845 اختبارا تم إجراؤها في الأيام الـ15 الماضية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.