لبنان: إرباك يهدد الثقة الدولية بالحكومة

وزير لـ «الشرق الأوسط»: دياب لم يحسن إدارة معركة معمل الكهرباء مع باسيل

حسان دياب خلال اجتماع مع نواب من «التكتل الوطني» أمس (دالاتي ونهرا)
حسان دياب خلال اجتماع مع نواب من «التكتل الوطني» أمس (دالاتي ونهرا)
TT

لبنان: إرباك يهدد الثقة الدولية بالحكومة

حسان دياب خلال اجتماع مع نواب من «التكتل الوطني» أمس (دالاتي ونهرا)
حسان دياب خلال اجتماع مع نواب من «التكتل الوطني» أمس (دالاتي ونهرا)

لا يزال تراجع الحكومة اللبنانية عن قرارها إلحاق معمل سلعاتا لتوليد الكهرباء بالمرحلة الثانية من خطة إعادة تأهيل قطاع الكهرباء يتفاعل محلياً ودولياً، وسط انتقادات لتقديمها نفسها على أنها «حكومة لا تحترم قراراتها»، خصوصاً أنها تراهن على قدرتها على استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان الذي يتموضع حالياً في قعر الانهيار المالي والاقتصادي.
وعد وزير كان ممن صوّتوا لمصلحة القرار الذي صدر، قبل أن تتراجع الحكومة عنه، أن رئيس الحكومة حسان دياب «لم يُحسن إدارته للمعركة»، في مواجهة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ومن خلال رئيس الجمهورية ميشال عون، مع أن الأخير في حاجة ماسة لوجوده على رأس الحكومة، وكان يُنتظر منه الوقوف إلى جانبه، ليس لتعويم الحكومة فحسب، وإنما لدعم رئيسها في مواجهة الشارع السياسي المعارض له.
وقال الوزير الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط»، إنه لم يعرف الأسباب الكامنة التي أملت على دياب التراجع الذي جاء «حصيلة الخلوة التي عقدها مع عون، قبل انعقاد الجلسة التي ألحقت الضرر السياسي بحكومته من جهة، وتسببت له بإحراج دولي وعربي».
وأكد أن تنظيم تراجع دياب أعد بالتنسيق مع «حزب الله» الذي رأى أن هناك ضرورة لتغليب واجباته على قناعاته، مراعاة منه لباسيل الذي يمارس عليه الابتزاز، ويرعى الحملات السياسية والإعلامية التي يقودها عدد من النواب المنتمين إلى تياره السياسي.
وفي هذا السياق، توقف مصدر نيابي بارز أمام أداء الحكومة، رغم ذلك الكمّ العددي من المستشارين، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأداء الحكومي يغلب عليه الارتجال والتخبُّط»، ملاحظاً غياب الحكومة «عن لعب أي دور، ولو من باب رفع العتب، في الجلسات التشريعية، وكأنها حلّت ضيفاً على هذه الجلسات، وإلا لماذا تُخلي الساحة لرؤساء الكتل النيابية الذين يتدخّلون لإيجاد المخارج لنقاط الخلاف المدرجة على جدول أعمالها؟».
وسأل المصدر النيابي نفسه عن جدوى استمرار المبارزة بين وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية حول الأرقام المالية، على مرأى من أعين صندوق النقد الدولي الذي يتفاوض مع الحكومة التي تراهن على موافقته على تمويل خطة التعافي المالي.
وتساءل كذلك عن سبب تردُّد وزيرة العدل، ماري كلود نجم، في التوقيع على التشكيلات القضائية، إلى أن قررت أن تحسم أمرها وتوقّع عليها، من دون أن يُسقط من حسابه أن يكون الإفراج عنها «بمثابة جائزة ترضية للحكومة، في مقابل تراجعها عن قرارها حول معمل سلعاتا، لعلها تستيقظ من كبوتها، وتوظّف هذه الخطوة لإعادة تعويم نفسها».
وعد المصدر أن «تخبّط الحكومة الذي لا يزال يعيق إصدار رزمة من التعيينات المالية والمصرفية والإدارية لا يعود إلى رفض دياب لمبدأ المحاصصة، وإصراره على التقيُّد بآلية التعيينات، وإنما لأسباب أخرى، وإلا لماذا أدرج هذه التعيينات على جدول أعمال أكثر من جلسة لمجلس الوزراء، واضطر إلى سحبها في آخر لحظة؟».
فرئيس الحكومة، بحسب المصدر النيابي «كان أول من تجاوز هذه الاعتبارات كلها، وإلا فما تفسيره لإصراره على تعيين مستشارته الصيدلية بترا خوري محافظاً لمدينة بيروت، قبل أن يتراجع بعد أن أقحم نفسه في اشتباك سياسي مع مطران بيروت للروم الأرثوذكس، إلياس عودة؟».
ويرى المصدر أن «دياب خسر معركة سياسية مجانية لا مبرر لها، لكنه عاد وأوقع نفسه في مشكلة، عندما قرر مجلس الوزراء، في جلسته الأخيرة، ترحيل دفعة من التعيينات الإدارية، بذريعة أن البرلمان أقر قانوناً خاصاً بآلية التعيينات، مع أنه لم يُنشر في الجريدة الرسمية، لأنه في حاجة إلى توقيع أصحاب الشأن، حسب الأصول الدستورية».
وعليه، فإن الحكومة باتت محشورة أمام صندوق النقد، على خلفية عدم حسم أمرها لجهة إصدار التعيينات المالية والمصرفية لإعادة إحياء المجلس المركزي لمصرف لبنان، إضافة إلى أن دياب لم يكن مضطراً للهجوم على حاكم البنك المركزي رياض سلامة، قبل أن يصار إلى التفاهم معه، منهياً بذلك حقبة من الاشتباك السياسي.
ولفت إلى أن «إعادة تعويم معمل سلعاتا لتوليد الكهرباء، استجابة للضغوط التي مارسها باسيل، تشكّل مخالفة، وذلك لافتقاد بنائه إلى الشروط الصحية والبيئية والسلامة العامة».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن الحكومة السابقة، وإن كانت قد وافقت على سلعاتا، فإنها تخلت عن بناء المعمل في أرض حنّوش المملوكة للدولة، رغم أن جميع الشروط تتوافر فيها، استناداً إلى دراسة أنجزتها شركة أميركية، وبالتالي فإن الحكومة ليست مضطرة لاستملاك أرض في سلعاتا لا تتوافر فيها هذه الشروط.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.