أجبر تفشي فيروس «كورونا» المستجد معظم الأشخاص حول العالم، على العمل من المنزل، وهو الأمر الذي لا يزال مستمراً في كثير من البلدان.
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فقد أعلنت شركات تكنولوجيا الكبرى أنها ستتيح لموظفيها العمل من المنزل بشكل دائم، مشيرة إلى أن كثيراً من الموظفين يكونون أكثر إنتاجية خلال العمل من المنزل، الأمر الذي قد يحدث تحولاً وتغييراً جذرياً في طريقة العمل مستقبلاً.
ويمكن أن يكون لهذا التحول آثار عميقة على حياتنا المنزلية، وبالتالي على حياة مدننا.
هل ستفرغ المراكز الرئيسية في المدن من الناس؟
أشار ليس باك، أستاذ علم الاجتماع في كلية غولد سميث بجامعة لندن، إلى أن فيروس «كورونا» المستجد جعل العالم يصل إلى نقطة تحول، موضحاً أن الحياة لن تعود لشكلها الذي اعتدناه قبل تفشي الفيروس، الأمر الذي قد يجعل مراكز المدن أقل اكتظاظاً بالأشخاص. وأوضح قائلاً: «بعض الشركات لن تعود إلى وسط المدينة بسبب مخاوفها من ازدحام هذه المناطق الذي يجعلها محفوفة بالمخاطر. بالإضافة إلى ذلك، قد يتساءل المديرون ورجال الأعمال قائلين: لماذا نستثمر كثيراً من رأسمالنا في هذه المساحات المكتبية الكبيرة، في حين يمكن توفير كثير من الأموال إذا عمل الموظفون من المنزل؟».
أما الدكتور أودي بيكليت لوك، نائب رئيس قسم السياسات والبحوث في معهد تخطيط المدن الملكية، فقد أكد أن مراكز المدن ستصبح شبه خالية فيما بعد. وأوضح قائلاً: «يمكننا استنتاج ذلك بعد إعلان كبرى الشركات أنها قد تسمح لقوتها العاملة بالعمل من المنزل إلى الأبد».
وأشار لوك إلى أن هذه التغييرات الجوهرية ستجعل المستثمرين يفكرون في كيفية إعادة استخدام المساحات المكتبية. وتابع: «هناك عديد من الخيارات في هذا الشأن، مثل تحويل المكاتب إلى مساحات سكنية».
وأوضح لوك أن قاعات مؤتمرات وأماكن الاجتماعات الأخرى ستختفي تماماً في زمن ما بعد «كورونا».
ومن جهته، يقول بول شيشاير، أستاذ الجغرافيا الاقتصادية بكلية لندن للاقتصاد: «أتوقع عودة الأشخاص إلى العمل من المكاتب في المراكز الرئيسية بالمدن، ولكن طريقة العمل ستختلف تماماً عن الماضي، مع اتخاذ الشركات إجراءات احترازية مختلفة». وتابع: «أصحاب العمل يدركون أن الأشخاص يكونون أكثر إنتاجية عندما يكونون أقرب بعضهم إلى بعض من خلال التواصل وجهاً لوجه. هناك كثير من الأشياء التي لا يمكنك القيام بها إلا مع أشخاص آخرين. الناس حيوانات اجتماعية بطبيعتها».
وأوضح شيشاير أن الشركات قد تحرص على إيجاد سكن لموظفيها بالقرب من مقراتها بالمراكز الرئيسية، لتقيهم زحام المواصلات الذي قد يشكل خطورة عليهم.
كيف سيؤثر استمرار العمل من المنزل على البيئة ووسائل النقل؟
تقول مارغريت بيل، أستاذة النقل والبيئة بجامعة نيوكاسل: «أظهرت دراسة أجريناها حديثاً أن 7 في المائة من رحلات وسائل المواصلات التي تزيد عن 50 كيلومتراً مسؤولة عن 60 في المائة من انبعاثات الكربون. وكلما زادت المساحة كان التأثير أكثر ضرراً، ومن ثم فإن العمل من المنزل سيساهم في الحفاظ على البيئة بشكل كبير». وتابعت: «بعض الوظائف بالتأكيد لا يمكن القيام بها من المنزل، وفي هذه الحالة ينبغي على الحكومات أن تحفز استخدام الدراجات أو توفر منازل للموظفين بالقرب من أماكن عملهم».
الخوف من الوجود وسط الحشود:
قال بول شيشاير إن استمرار العمل من المنزل يعمق قلق ومخاوف الناس من الوجود وسط الحشود، مشيراً إلى أنه في الأغلب لن يتعافى الناس من ذلك القلق إلا إذا تم إيجاد لقاح لـ«كورونا».
وأضاف: «إذا حدث ذلك، فإن المكاتب ستعود إلى أوضاعها السابقة، وكل تلك الأشياء التي أحببناها في مراكز المدينة ستعود إلى سابقها أيضاً. ولكن قد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً».
وأودى فيروس «كورونا» المستجد بما لا يقل عن 370 ألفاً و261 شخصاً حول العالم، منذ ظهوره في الصين في ديسمبر (كانون الأول). وسُجِّلت رسميّاً أكثر من 6 ملايين و113 ألفاً و340 إصابة في 196 بلداً ومنطقة منذ بدء تفشي الوباء، تعافى منها مليونان و520 ألفاً و800 شخص على الأقل.