«البيولوجيا الصناعية»... آفاق ومخاطر

تطوير تركيبة خلايا مناعية من المتعافين من «كوفيد ـ 19» لحماية الأصحاء من الفيروس

«البيولوجيا الصناعية»... آفاق ومخاطر
TT

«البيولوجيا الصناعية»... آفاق ومخاطر

«البيولوجيا الصناعية»... آفاق ومخاطر

جون كامبرز المؤسس والرئيس التنفيذي لشبكة «سين بايو بيتا» العالمية التي تضم مهندسي أحياء ورواد أعمال يتعاونون في مجال علمي جديد وواعد يُعرف بـ«علم الأحياء التركيبية» (البيولوجيا الصناعية). وتعتبر منطقة خليج سان فرانسيسكو رائدة في هذه الصناعة التي تنمو بسرعة على الرغم من تواضع شهرتها.
وشهدت مؤتمرات «سين بيو بيتا» الحقيقية والافتراضية حضور قادة من عالمي التقنية والعلوم، أبرزهم رئيس شركة «غوغل» التنفيذي السابق إريك شميدت، ومدير معاهد الصحة الوطنية الأميركية فرانسيس كولينز، والأستاذة المتخصصة في الهندسة البيولوجية من جامعة ستانفورد درو إندي.

بيولوجيا تركيبية
> عندما ننطق كلمة بيولوجيا أو علم الأحياء، فإن أفكارنا تتوجه إلى الطبيعة وحشرات الخنفساء، والأقحوان، والأرانب. لكن ما الذي قد يجعلها «مركبة» أو مصنعة؟
- كل جزيئة نكليوتيد، أي كل «إيه A» و«سي C» و«تي T» و«جي G» في كل خلية من الخلايا البشرية، هي جزيئة مركبة. (النيكلوتيدات Nucleotides هي جزيئات عضوية تعتبر الأحجار الأساسية لبناء الحمض النووي المنقوص الأكسجين DNA، والحمض النووي الريبي RNA - المحرر).
أنت كإنسان تم تركيبك. الحمض النووي الذي حصلت عليه من والدتك ووالدك مركب في 100 تريليون خلية – أي 100 تريليون نسخة من حمضك النووي جعلتك ما أنت عليه.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن «التركيب» أمر طبيعي.
لكن اسم «علم الأحياء التركيبية» جاء ليشمل مجموعة جديدة من التقنيات التي تتمحور حول قراءة وكتابة وتعديل الحمض النووي، وتصميم وبناء واختبار الخلايا الحيوية بحيث تصبح قادرة على أداء وظائف معينة.
أنا أعتبر «الأحياء التركيبية» اتجاهاً جديداً يهدف إلى تسهيل هندسة الأحياء

محاربة «كوفيد ـ 19»
> ما هي وظيفة «الأحياء التركيبية»؟
- نصنع بعض الابتكارات والتطبيقات المثيرة للاهتمام... من الغذاء إلى الوقود والأدوية والمواد والكيمائيات والمنتجات الاستهلاكية.
على سبيل المثال، بنت شركة «بيركلي لايتس» في مدينة إيمرفيل، أداة تساعد في اكتشاف أجسام مضادة بجودة دوائية لمحاربة فيروس «كوفيد - 19» المستجد. تتيح لكم هذه الأداة أخذ عينة دم من مريض متعافٍ من الفيروس وفصل الخلايا المناعية ووضعها في «أقلام» منفصلة في آلة للاحتضان المخبري. تُعرف هذه الأقلام بـ«الأقلام النانوية» وهي مزودة بملاقط بصرية. ثم، يتم احتضان هذه الخلايا لحثها على إنتاج الأجسام المضادة.
بعدها، يُصار إلى فحص هذه الأجسام المضادة واختبارها لمعرفة ما إذا كانت قادرة على «التحييد»، أي قتل فيروس «كورونا» أو تجميد فاعليته. وإذا نجحت، يمكنكم العودة إلى تلك الخلية المحددة التي أنتجت الجسم المضاد الصحيح الذي قتل الفيروس، والانتقال إلى سلسلة الحمض النووي الخاص بهذه الخلية المناعية.
في المرحلة التالية، يمكنكم إرسال هذه السلسة من رمز الحمض النووي إلى شركة «تويست بيوساينس» في سان فرانسيسكو، حيث سيعمل باحثوها على بناء الحمض النووي الحقيقي ويرسلونه إليكم من جديد. ويمكنكم وضع هذا الحمض النووي في خلية أخرى تُستخدم لصناعة عدد كبير من الأجسام المضادة. والآن، أصبح بإمكانكم تخمير هذه الأجسام المضادة لـ«كوفيد – 19» في آلة للتخمير، تماماً كما يحصل في صناعة الجعة أو النبيذ.

مشاريع المستقبل
> هل تعملون على مشاريع مهمة أخرى؟
- نعم، نتعاون اليوم مع شركة «زي بيوتيكس» في سان فرانسيسكو، في صناعة علاج لآثار الكحول، مصنوع من البروبيوتيك. عمل الباحثون في الشركة على تعديل بكتيريا تعيش في الأمعاء بحيث تصبح قادرة على لعب دور أنزيم يفكك مادة الـ«الدهيد»، التي تنتج من عملية التمثيل الغذائي للكحول وتتسبب في تورم الأوعية الدموية والتهابها؛ ما يؤدي إلى الآثار البغيضة الناتجة من تناول الكحول، مثل الدوار.
كما تعمل شركة أخرى اسمها «تشيكر سبوت» في بيركلي، على تطوير تطبيق آخر يتركز حول «نظام تعبير» جيني مهمته إنتاج الوقود من الطحالب.
أطلقت هذه الشركة علامتها التجارية الخاصة لمعدات التزلج واستخدمت الرغوة المرنة المصنوعة من الوقود الطحلبي لصناعة تلك المعدات.
> بعيداً عن معدات التزلج وأدوية الدوار الناتج من شرب الكحول، هل توجد مشاكل أخرى يمكن لعلم «الأحياء التركيبية» أن يساعد في حلها؟
ج: نعم، أزمة المناخ. ففي كل مرة نخرج فيها النفط من الأرض ونضعه في السيارة ونقود لمسافة محددة، نزيد نسبة الكربون في الهواء. وهذا الأمر يسبب الفوضى.
أما علم الأحياء فيحب الكربون؛ إذ يمتصه من الهواء ويستهلكه، ومن ثم يحوله إلى معدات تزلج وعلاجات للدوار الناتج من الكحول وأجسام مضادة أو حتى إلى حمض نووي... إن جميع الأشياء التي ذكرتُها مصنوعة من الكربون...إنها صناعة الكربون الحيوي.
> كيف تردون على الأشخاص الذين يقولون لكم: «لا تعبثوا بالطبيعة الأم»؟!
- تعبثُ الطبيعة الأم بنا جميعاً وتلعب دور المعلمة القاسية. نعيش اليوم حرباً مع فيروسات «كورونا» و«سارس» و«إيبولا» ومع الصواعق والفيضانات والجراد والأفاعي والعناكب السامة...هذا ما صنعته الطبيعة الأم.
> هل هناك أمور يجب ألا نقوم بها في علم الأحياء؟ هل يوجد خطوط يجب ألا نتجاوزها؟
- نعم، يوجد طبعاً، لكنني أفضل ألا أفكر بها. هناك الحرب البيولوجية مثلاً، والتي يجب ألا نذهب إليها أبداً.
وجون كامبرز (40 عاماً) ولد في قرية آلدينهام التي تقع على مسافة 32 كم شمال لندن، حاصل على دكتوراه في البيولوجيا الجزيئية وبيولوجيا الخلية والكيمياء الحيوية من جامعة براون في المملكة المتحدة؛ ماجستير في المعلوماتية الحيوية من جامعة إدنبرة؛ بكالوريوس في علوم الكومبيوتر وهندسة المعلومات من جامعة هال. اختار لأطروحة الدكتوراه موضوع «اختبار حدود الحياة في البيئات القاسية». ويتقن الصينية ويتحدث الإسبانية واليابانية، ويفهم لغتي الملايو والفارسية.
وقد أسس شبكة «سين بايو بيتا» عام 2012 لمناقشة مستقبل علم الأحياء، وحضر اجتماعها الأول 150 شخصاً... أما في آخر مؤتمراتها فقد بلغ عدد الحضور أكثر من 12000 شخص.
ويقول إنه وجد أن عدداً كبيراً من علماء البيولوجيا يريدونها أن تصبح سهلة الهندسة بينما يسعى بعض المهندسين إلى هندسة الأحياء، وهنا يبرز التقاطع الجميل في الأهداف.
- «ذا مركوري نيوز»،
خدمات «تريبيون ميديا»



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً