صحافيو فلسطين يغطّون الأزمات... بين الاحتلال و{كورونا»

معوّقات لضمان سلامتهم تحد من عملهم وسط عدوّين

الصحافي أياد حمد عقب إصابته في مواجهات بالضفة
الصحافي أياد حمد عقب إصابته في مواجهات بالضفة
TT

صحافيو فلسطين يغطّون الأزمات... بين الاحتلال و{كورونا»

الصحافي أياد حمد عقب إصابته في مواجهات بالضفة
الصحافي أياد حمد عقب إصابته في مواجهات بالضفة

مرّت ثلاثة شهور تقريباً على بدء حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية، والتي تم إعلانها بمجرد اكتشاف عدد من الإصابات، بفيروس كورونا داخل محافظة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، حيث عملت منذ ذلك الوقت الطواقم الصحافية إلى جانب الأجهزة الطبية والأمنية، على إدارة الأزمة من كل الجوانب، لضمان حالة الاستقرار في البلاد، وتجنب تفشي الوباء.
فعلى مدار أيامٍ طويلة، اجتهد الصحافيون الفلسطينيون الذين عاشوا خلال السنوات الماضية، تجارب في تغطية الانتهاكات الإسرائيلية، في نقل الصورة الميدانية والأخبار للناس عبر قنوات عملهم المختلفة، كما أنهم كانوا جزءاً أصيلاً من الحالة الوطنية المتكاملة التي تعاطت مع مستجدات الفيروس والأزمة، من أبعادٍ اقتصادية واجتماعية وسياسية.
تلك الصورة التي حظيت بالثناء، ليست كاملة، فهناك جزء آخر من المشهد، امتلأت تفاصيله بالمعاناة المعيقة لعمل الصحافيين خلال الأزمة، فما بين ضرورات الميدان التي تتطلب الالتزام بإجراءات وقائية معينة، واعتداءات الاحتلال المستمرة، إضافة لبعض الإجراءات الحكومية الداخلية التي استهدفت الرسالة الإعلامية، وقع الصحافيون تحت مظلة متسعة من المعيقات الهادفة، للحد من عملهم.

التعامل مع عدّوين
يرى المصور الصحافي إياد حمد الذي يعمل في مناطق الضفة الغربية، أنّ تغطية الإعلام الفلسطيني لمجريات أزمة كورونا، كانت إيجابية لحدٍ كبير والصحافيين كانوا يتعاطون مع الأمر بمسؤولية وطنية ومجتمعية، كمّلت أدوار أجهزة الأمن والصحة بصورة شهد الجميع بقوتها.
ويضيف: «تجربة تغطية أزمة فيروس كورونا، التي بدأت منذ حلول مارس (آذار) الماضي، جديدة علينا كصحافيين فلسطينيين، تعودنا على التعامل مع انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وجرائمه بحق المدنيين، لكنّنا لم نعش تجربة التعامل مع عدو فيروسي خفي وفتّاك، ممكن أن نكون من بين أكثر المتعرضين للإصابة به، إذا ما أهملنا أي إجراء صحي بسيط».
ويبيّن أنّ صحافيي الأرض المحتلة يتعاملون، الآن مع عدوين لا يقل ضرر أولهما عن ثانيهما على الشعب والأرض، متابعاً «الاحتلال الإسرائيلي ورغم أزمة كورونا التي أصابت المنطقة والعالم، لم يتراجع عن الانتهاكات اليومية التي يمارسها بحق الناس الأبرياء».
ويوضح أنّهم في لحظات معينة كانوا مضطرين لقطع تغطية المستجدات المتعلقة بالفيروس، للذهاب لتغطية جنازات شباب قتلتهم إسرائيل، أو بيوت يقوم جيش الاحتلال بهدمها، أو عمليات الاستيلاء على الأراضي والاستيطان، مشيراً إلى أنّ تلك الأحداث الثنائية زادت من المسؤولية، الملقاة على عاتق الصحافي الفلسطيني، وزادت من معاناته، التي كانت بالأساس قبل الأزمة متضاعفة.
بدورها، تقول الصحافية نوال حجازي التي تعمل كمراسلة لقناة «الكوفية» المحلية من داخل مدينة القدس المحتلة: «التحدي الأبرز الذي كان يواجه الصحافيين الفلسطينيين، خلال عملهم في الميدان، بأزمة كورونا، هو مدى إدراكهم وقدرتهم، على الالتزام بالتدابير الوقائية والإجراءات الصحية المهمة، لتجنب التسبب في كارثة، أو الإصابة بالمرض».
وتشير إلى أنّ التحدي الآخر المهم، الذي واجهته كصحافية مقدسية، هو الاحتلال الإسرائيلي، الذي حاول بمختلف الطرق، استغلال جائحة كورونا، للتضييق على الحريات، وللتحكم بطبيعة عمل الصحافيين، مبيّنة إلى أنّ الرسالة الإعلامية بقيت تخرج من المدينة، رغم المعيقات، والسبب في ذلك هو «تعوّد صحافييها على الأزمات، وخبرتهم في التعامل مع ظروفٍ متعددة».

العلاقة مع الحكومة
الصحافية إسلام الأسطل، تعمل كمحررة وكاتبة في شبكة نوى المحلية، كان لها تجربة مع الجهات الحكومية في قطاع غزة، خلال أزمة كورونا، حيث إنها بدأت منذ أول أيامها، بالعمل على مجموعة من التقارير التي تتناول أوضاع الأماكن التي تم تخصيصها للحجر الصحي، الذي سيمكث فيه العائدون من الخارج، عبر معابر القطاع، لمدة 21 يوماً، حيث كان يظهر، أنّ تلك المناطق، غير مجهزة بالشكل المناسب للمبيت والعيش.
وتقول الصحافية الأسطل: «لم يرق للحكومة حينذاك، أن تُنشر مثل هذه التقارير، واعتبرها النشطاء المحسوبون على حركة حماس، أنها بمثابة الطعنة في الظهر، وغير ملائمة لحالة الطوارئ، وتمت مهاجمة موقع الشركة عبر منصات التواصل الاجتماعي، دون أن يُكلف المتهمون أنفسهم بالنظر للتقصير الحكومي الموجود حقيقة، والذي اعترف به بعض أصحاب القرار».
وتروي أنّ التجربة علمتها أن الصحافة الحرّة، هي الرائدة في الأزمات، لأن الصحافي الحزبي، سيكون همه فقط نصرة فصيله والتمجيد بأعماله، دون أن ينظر لمعاناة الناس وهموم عيشهم، التي تقول جميع أبجديات العمل الصحافي، إنّها يجب أن تكون على رأس أولوياته. وتستطرد قائلاً: «في طبيعة تغطية الأزمات والجرائم المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي نعمل كصحافيين بلا قيود، لأن الاتفاق على وحشيته مبدأ موجود لدى المعظم، سواء كان في الداخل أو في الخارج، أما في تغطية كورونا، فنحن عملنا بقيود شديدة ذاتية، لأن الجهات الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كان واضحاً أنّها تبيت نية قمعية».
وعن علاقة الصحافيين بالحكومة الفلسطينية خلال الأزمة، يذكر الصحافي حمد، الذي كان من بين الحريصين على متابعة الإيجاز الحكومي اليومي وتغطيته، كما أنّ اسمه برز في أكثر من مناسبة تمّ فيها الحديث، عن تعاطي الإعلام الفلسطيني مع الأزمة، «أنّ أزمة كورونا ساهمت في زيادة التواصل مع الحكومة ووطدت فكرة الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية».
ويلفت إلى وجود بعض الأخطاء المهنية، من الصحافيين أنفسهم، والتي يمكن الحديث عنها إلى جانب تلك الإيجابيات، وتشمل، اعتماد البعض على مصادر غير موثوقة في الأخبار، والانسياق تجاه ما يُقال في منصات التواصل الاجتماعي.
وينبه إلى أنّه ورغم تلك الإيجابية في العلاقة الثنائية، إلا أنّ بعض الجهات الحكومية استغلت حالة الطوارئ لتمرير، اعتقال بعض الصحافيين، وتعدت على حرية الرأي والتعبير في الضفة وغزة.

جدل خلال الأزمة
من الأمور الصحافية، التي يمكن القول إنّها تركت جدلاً خلال أزمة كورونا، كان ذلك التقرير المُعد من قبل إحدى شركات الإنتاج الإعلامي في غزة، لصالح القناة التركية الرسمية، والذي تضمن دخول المراسل والمصور الصحافي، لقلب المستشفى الميداني المخصص لحجر المصابين بالفيروس.
ولأجل التقرير تجول الصحافيان في المستشفى، وأجروا مقابلات مع الموجودين، والتقطوا صوراً للمرضى من مسافات قريبة، الأمر الذي أشعل منصات التواصل الاجتماعي والوسط الصحافي، ودار كثير من التساؤلات حول «المهنية» التي يمكن أن يصنف ضمنها ذلك العمل، واتجهت الطواقم الحكومية لحجر الصحافيين، وفتحت تحقيقا بالحادثة، وأجرت فحوصات لكل من خالطهم، كما عقمت كل المرافق المستعملة من قِبلهم.
في حينها، علقت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، على الحادثة مطالبة، بفتح تحقيق بجميع تفاصيل الحادثة، التي اعتبرتها خطيرة، وتحمل أبعادا سلبية على المجتمع، منوهة إلى أنّ الإجراءات التي قامت بها الجهات المسؤولة بغزة بحجر الطاقم الصحافي، جاءت متأخرة، واتسمت بردة الفعل، لا سيما أن نشر التقرير رافقه ضجة كبيرة وحالة سخط وهلع، من المواطنين والصحافيين، الذين خافوا من أنهم قد يكونون اختلطوا بزملائهم معدي المادة الصحافية.
وفي الضفة الغربية، ظهر في بداية الأزمة، ضمن فيديوهات بُثت على منصات التواصل الاجتماعي، وبمواقفٍ نقلها صحافيون، أنّ عدداً من الصحافيين، كانوا يتعمدون الاقتراب من أماكن حجر المصابين في الفيروس والكائنة بمحافظة بيت لحم، وهي البؤرة الأولى التي تم اكتشاف الحالات فيها، وحينذاك تداول النشطاء تلك الحالات، مما استدعى تشديد الإجراءات من قِبل الجهات الرسمية هناك.



كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».