الخلافات الدولية تهدد جهود مكافحة الوباء

ألف وفاة جديدة في أميركا... ودول أوروبية تعيد فتح مواقعها السياحية

سياح ينتظرون زيارة برج بيزا الإيطالي الشهير بعد إعادة فتح أبوابه أمس (إ.ب.أ)
سياح ينتظرون زيارة برج بيزا الإيطالي الشهير بعد إعادة فتح أبوابه أمس (إ.ب.أ)
TT

الخلافات الدولية تهدد جهود مكافحة الوباء

سياح ينتظرون زيارة برج بيزا الإيطالي الشهير بعد إعادة فتح أبوابه أمس (إ.ب.أ)
سياح ينتظرون زيارة برج بيزا الإيطالي الشهير بعد إعادة فتح أبوابه أمس (إ.ب.أ)

تهدد الخلافات الدولية جهود مكافحة وباء «كوفيد- 19»، في الوقت الذي تجاوزت فيه الإصابات ستة ملايين، وتقارب فيه الوفيات 370 ألفاً عبر العالم.
وبعد أيام من تفاقم المواجهة الأميركية- الصينية على خلفية تأخر بكين في إعلان انتشار فيروس «كورونا» في مدينة ووهان، أثار إعلان واشنطن قطع علاقتها بمنظمة الصحة العالمية مخاوف من عرقلة جهود البحث والتنسيق التي تقودها المنظمة الأممية لكبح انتشار الوباء في العالم، وخصوصاً في الدول الفقيرة.
وأعلن دونالد ترمب الذي علَّق مساهمة بلاده المالية في منظمة الصحة العالمية، قطع العلاقات مع المنظمة الأممية، واتَّهمها بأنها متسامحة جداً مع الصين؛ حيث ظهر الفيروس قبل أن يتفشى في كافة أنحاء العالم. ويشكل هذا القرار ضربة لمشروعات منظمة الصحة التي تعتمد بشكل أساسي على مساهمة الولايات المتحدة المالية الكبيرة، واعتبر مسؤولون أوروبيون أن الخطوة تمثل «انتكاسة خطيرة للصحة العالمية».
- البحث عن مصادر تمويل «بديلة»
ومنظمة الصحة العالمية هي مؤسسة متعددة الأطراف أنشئت في عام 1948. وتعتمد المؤسسة على 7000 موظف في العالم بأسره، وتتوقف عملياتها ومهامها على الاعتمادات الممنوحة لها من قبل الدول الأعضاء، وعلى تبرعات الجهات الخاصة. وبميزانية تبلغ 2.8 مليار دولار سنوياً (5.6 مليار دولار بين سنتي 2018 و2019)، وتعمل منظمة الصحة العالمية «بميزانية مستشفى متوسط الحجم في بلد متقدم»، وفق ما صرح به مؤخراً مديرها العام تيدروس أدهانوم غبريسوس، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. ومع مساهمة تبلغ 893 مليون دولار خلال الفترة 2018- 2019، أو حوالي 15 في المائة من ميزانية المنظمة، تعد الولايات المتحدة الممول الرئيسي لها، قبل مؤسسة «بيل وميليندا غيتس»، أول مساهم خاص، وتحالف لقاح «غافي» والمملكة المتحدة وألمانيا، وكلها تتقدم كثيراً على الصين التي تساهم بمبلغ 86 مليون دولار فقط.
وتسهم الأموال الأميركية بشكل رئيسي في تمويل برامج المنظمة في أفريقيا والشرق الأوسط. ويشارك نحو ثلث هذه المساهمات في تمويل عمليات الطوارئ الصحية، بينما يخصص الجزء المتبقي في المقام الأول لبرامج التصدي لشلل الأطفال، وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية، والوقاية من الأوبئة ومكافحتها.
وقبل يومين من الخطوة الأميركية، أنشأت منظمة الصحة العالمية مؤسسة تهدف إلى تلقي الأموال الخاصة، ومن المواطنين في العالم أجمع. إلا أن غبريسوس قال إنه لا يرمي إلى أن تشكل المؤسسة بديلاً للولايات المتحدة؛ موضحاً أن المنظمة تعمل على هذا المشروع منذ عام 2018. وقال إن المشروع «لا علاقة له بمشكلات التمويل الأخيرة»؛ إذ ستقبل المؤسسة الجديدة، المنفصلة قانوناً عن المنظمة الأممية: «مساهمات من عامة الناس، وكبار المانحين من القطاع الخاص، والشركات الشريكة، والشركاء الموثوق بهم».
من جهتها، أعلنت الصين التي تتهم واشنطن بأنها «تتنصل من التزاماتها» أنها ستتحمل المسؤولية، بشكل مباشر أو غير مباشر، لدعم منظمة الصحة العالمية. وخلال حملة لجمع التبرعات نظمتها المفوضية الأوروبية في أوائل مايو (أيار) لصالح البحث لعلمي وتطوير لقاح ضد فيروس «كورونا» المستجد، التزمت بكين المساهمة بمبلغ 1.1 مليار دولار. وفي 18 مايو، في رسالة إلى جمعية الصحة العالمية، وهو الاجتماع السنوي للدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، تعهد الرئيس شي جينبينغ بتقديم ملياري دولار؛ إلا أن كثيرين انتقدوا المساهمة المالية الصينية الضعيفة في ميزانية الصحة العالمية.
- نيويورك «تعود إلى الحياة»
في هذه الأثناء، يتواصل تفشي الوباء العالمي في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وروسيا، وتتعمق الأزمة التي يغرق فيها الاقتصاد العالمي، بينما لا تزال دول كانت نموذجاً في إدارتها للوباء وحققت نتائج إيجابية على غرار كوريا الجنوبية، في حالة تأهب، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وفي الولايات المتحدة؛ حيث يسيطر القلق بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي، وارتفاع عدد الوفيات بأكثر من 1000 حالة في اليوم، أعلن حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، أنه يعتزم بدء رفع جزئي لتدابير العزل في مدينة نيويورك، اعتباراً من أسبوع الثامن من يونيو (حزيران)، شرط أن تكون مؤشرات الصحة العامة مرضية. ولا يشمل القرار في البداية إلا جزءاً من الاقتصاد، وبشكل أساسي يشمل قطاعي البناء والصناعة. ونيويورك هي المدينة الأكثر تضرراً في العالم جراء الفيروس، بتسجيلها أكثر من 21 ألف وفاة، من أصل أكثر من 100 ألف وفاة في الولايات المتحدة. كما سُمح للمطاعم وصالونات الحلاقة في لوس أنجليس، البؤرة الرئيسية لـ«كوفيد- 19» في ولاية كاليفورنيا، بإعادة فتح أبوابها بشرط تطبيق التدابير الوقائية. وفي كاليفورنيا، القوة الاقتصادية الخامسة عالمياً، وتحلّ قبل بريطانيا وفرنسا، كانت البطالة شبه معدومة قبل تفشي الوباء. أما الآن فهي تضرب 24 في المائة من السكان البالغ عددهم 40 مليوناً.
- أوروبا تواجه أزمة اقتصادية حادة
في الوقت نفسه، تواصل رفع إجراءات العزل أمس في أوروبا، مع فتح إيطاليا برج بيزا المائل الشهير أمام الزوار، بينما تُعيد العاصمة الأوكرانية فتح مراكزها التجارية وفنادقها. وفي فرنسا، أعاد متجر «غاليري لافاييت» الشهير فتح أبوابه أمس، مع فرض وضع الكمامات وقواعد التباعد الاجتماعي. كما سمحت السلطات الفرنسية بإعادة فتح المتاحف والحدائق والمقاهي والمطاعم اعتباراً من الثلاثاء، إلا أنها ستفتح باحاتها الخارجية فقط في باريس. وسيتمكن السكان من التنقل إلى مسافة أبعد من مائة كيلومتر داخل البلاد. وفي فيينا، حضر الجمهور مساء الجمعة إعادة افتتاح سينما «الأدميرال كينو»، إحدى أقدم دور السينما في النمسا، ومن أوائل الدور التي يعاد فتحها بموجب قرار الحكومة اعتباراً من 29 مايو، على أن يقتصر الحضور على 100 متفرج.
وبينما تسرع أوروبا إجراءات رفع العزل، تواجه شركاتها؛ خصوصاً تلك العاملة في قطاعي السياحة والطيران، أزمة اقتصادية غير مسبوقة. فقد انتقلت خطة إنقاذ شركة «لوفتهانزا» العملاقة للطيران البالغة قيمتها تسعة مليارات يورو إلى مرحلة حساسة جديدة، مع توصل الحكومة الألمانية والمفوضية الأوروبية إلى اتفاق بشأن الشروط الأساسية لهذه العملية، لتجنّب إفلاس المجموعة؛ لكن لا يمكن تحديد تاريخ عودة حركة الطيران إلى مستويات تسمح للشركات بأن تحصل ربحاً، في الوقت الذي تترقب فيه الدول بقلق خطر موجة ثانية من الوباء.
وفي إيطاليا، تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 5.3 في المائة في الفصل الأول من العام مقارنة بالفصل السابق، وكذلك في فرنسا التي تدخل في مرحلة ركود. أما في النمسا، فقد تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 2.9 في المائة. وسجَّل الاقتصاد الكندي انكماشاً بنسبة 8.2 في المائة بالوتيرة السنوية في الفصل الأول من العام الجاري، في أكبر تراجع له منذ مطلع عام 2019.
وفي إسبانيا، فاقمت الأزمة الفقر، وفجَّرت طلب المساعدة الغذائية، ما دفع بالحكومة إلى الموافقة على خلق الحدّ الأدنى من الدخل الحيوي. كما أعلنت وزارة السياحة الإسبانية السماح للسياح الألمان والفرنسيين والاسكندنافيين بدخول حدودها خلال النصف الثاني من يونيو، كجزء من مشروع «تجريبي» لاستئناف النشاط السياحي. وأعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز السبت الماضي، أن إسبانيا ستعيد فتح حدودها أمام السياح الأجانب «اعتباراً من شهر يوليو (تموز)»، لذا، سيتم اعتباراً من الأول من يوليو رفع الحجر الصحي المفروض منذ 15 مايو على الأشخاص الذين يصلون إلى البلاد. ولكن وفقاً لمتحدث باسم وزارة السياحة، يمكن السماح بوصول السياح قبل الأول من يوليو إلى أرخبيل البليار وجزر الكناري، إذ طلبت المنطقتان المشاركة في هذا المشروع «التجريبي».


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.