من المقرر أن يبدأ خلال أقل من أسبوعين الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية والعراق. وطبقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصدر سياسي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن «الحوار يبدأ يومي العاشر والحادي عشر من شهر يونيو (حزيران)»، مبينا أن «المفاوضات سوف تبدأ على مستوى أقل من وزيري خارجية البلدين وأنه تم تقسيم مجموعات الحوار إلى ثلاث مجموعات وهي سياسية وعسكرية واقتصادية».
هذا الحوار كان قد تم الاتفاق عليه بين الجانبين خلال حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أواخر العام الماضي. وورث رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي هذا الحوار من بين تركات كثيرة في غالبها سلبية من حكومة سلفه، خصوصا على صعيد العلاقة مع واشنطن، ومن حكومات أسلافه على أصعدة الفساد وتراكم الفشل طوال السبعة عشر عاما الماضية.
مقدمات هذا الحوار كثيرة ومحاذيره من قبل خصوم الكاظمي أكثر. بينما يرى مؤيدو الكاظمي، لا سيما السنة والأكراد، أن نتائج هذا الحوار سوف تكون لصالحهم بشكل أو بآخر، خصوصا أن خصوم الكاظمي لا يملكون كثيرا من أوراق الضغط عليه على صعيد السياسة الخارجية.
وتبقى السياسة الخارجية رهنا للعلاقة الأميركية - الإيرانية وهو الأمر الذي عدته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية محاولة في الموازنة بين القوتين المتخاصمتين. ولعل التحليل الذي ينتهي إليه اثنان من الأكاديميين المتخصصين في السياسة الخارجية في العراق في رؤيتهم التي عبرا عنها لـ«الشرق الأوسط» لا تختلف كثيرا عن هذا الطرح. وطبقا للصحيفة الأميركية فإن كلا من واشنطن وطهران «اجتمعتا بهدوء خلف سياسي عراقي تريان أنه سيكون حاسما لمنع المزيد من الفوضى في بلاده»، مشيرة إلى أن «الكاظمي بصفته رئيسا للوزراء، قدم بالفعل مبادرات طيبة للمتظاهرين الذين عارضوا النفوذ الإيراني والجماعات الموالية لطهران التي تعتبر المظاهرات مؤامرة أميركية».
ومع أن الكاظمي بعيد عن صنع العداوات وقريب من صنع الصداقات حتى مع خصومه، فإن مؤيديه يراهنون على هذه الخصلة بينما خصومه ومن بينهم الذين قبلوا به اضطرارا يرون أن القدرة على إرضاء الأعداء والأصدقاء معا إنما هي وصفة يجب أن ينظر إليها بحذر، وهذا ما تفسره كثرة التصريحات التي يدلي بها نواب ومسؤولون ينتمون إلى بعض القوى والكتل والفصائل الشيعية التي لا تزال تشكك بإمكانية أن يكون الحوار مع واشنطن لصالح العراق أو لصالحها هي، وبالتالي فهي تريد أن تبقي أيديها على كل شيء بما فيه الزناد وتنتظر أفعال الكاظمي لا أقواله.
ومع أن الصحيفة الأميركية تعترف بأن «التحديات التي يواجهها الكاظمي هائلة، رغم انحسار الاحتجاجات الشعبية التي أجبرت سلفه على الاستقالة، لكن الغضب الشعبي أكبر من أي وقت مضى»، فإن هناك مقاربة أميركية أخرى قد لا تكون في صالح جهود الكاظمي في إرضاء الخصمين عبر حوار يجريه لصالح بلده لكيلا يتحول إلى ساحة لتصفية الحساب بينهما. فطبقا لما أعلنته المسؤولة في معهد «سكوكروفت» الاستراتيجي الأميركي كيرستن فونتنروز في حديثها لـ«الشرق الأوسط» المنشور أمس فإن الولايات المتحدة سترد بقوة إذا حاولت إيران مهاجمة قواتها بالعراق.
عراقيا، يرى عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية في العراق الدكتور خالد عبد الإله في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الحوار له محددات أساسية على صعيد العلاقة مع حكومة الكاظمي لبحث طبيعة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية انطلاقا من وضع هذه العلاقة خلال الأعوام السابقة، لا سيما بعد توقيع الاتفاقية الأمنية واتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين عام 2008»، مبينا أنه «رغم توقيع تلك الاتفاقيتين فإنه لم يتم تحديد العلاقة مع العراق أميركيا.. هل هو صديق أو شريك أو حليف وبالتالي فإن الحوار القادم سوف يحسم هذه العلاقة وأتوقع أن العراق سوف يتحول من صديق إلى شريك وفق محددات واضحة، من أهمها اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالكاظمي وكذلك وزير خارجيته مايك بومبيو والذي تم التركيز فيه على حصر السلاح بيد الدولة وكذلك البحث عن مصلحة العراق أولا وآخرا بعيدا عن أي تدخلات خارجية فضلا عن التزامات الولايات المتحدة الأميركية حيال العراق مثل التدريب والتسليح وسواها من الالتزامات، وهو ما يعني أننا مقبلون على علاقة جديدة بين العراق كدولة وبين الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما أن الجميع بات يعي خطورة التقارب بين العراق والولايات المتحدة الأميركية لجهة كونه انتكاسة للعلاقة مع إيران، وهو ما يحاول الكاظمي موازنته بين الجانبين مع محاولة النأي عن هذا الصراع».
وأوضح عبد الإله أن «قضايا النفط والشركات النفطية العاملة في العراق أو التي سوف تعمل في العراق ستكون حاضرة في أي حوار مع واشنطن فضلا عن بحث الوجود الأميركي في العراق بما يرضي الطرفين رغم استمرار ملفات عديدة يمكن أن تجعل الحوار لا يحسم خلال جلسة أو جلستين».
بدوره، يرى الدكتور إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي في العراق لـ«الشرق الأوسط» أن «الحوار كان رغبة أميركية من سنوات سابقة بل حتى العراق كان يعتقد أن اتفاقية الاتفاق الاستراتيجي لم تفعل بشكل صحيح خلال السنوات الماضية، وبالتالي فإن الرغبة الأميركية باتت تتزامن مع رغبة عراقية مماثلة على صعيد وضع اتفاقية الإطار الاستراتيجي وما تضمنته من أمور تتطلب تفعيلها بالشكل الصحيح». ويضيف الشمري أن «من بين ما يدخل في إطار ذلك هو قضية الانسحاب الأميركي من العراق والذي لن يخرج في تصوري عما يمكن تسميته إعادة تكييف وتموضع لهذه القوات مع تحديد مهام لها مع انسحاب تدريجي للقوات التي لم تعد مهمة»، مبينا أن «الانسحاب الكامل ليس مطروحا، لا سيما مع استمرار خطر تنظيم (داعش) بل وتناميه خلال الفترة الماضية، وهو ما يتطلب استمرار التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية فضلا عن المظلة الأكبر وهي التحالف الدولي».
الكاظمي يجهّز الفريق التفاوضي للحوار مع واشنطن
وسط ترقّب حذر في الدوائر السياسية العراقية
الكاظمي يجهّز الفريق التفاوضي للحوار مع واشنطن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة